نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً شارك فيه جوليان إي بارنز وآدم غولدمان وإريك شميدت وآدم راسغون أشاروا فيه للمعركة الصارخة التي تخوضها إسرائيل في غزة.
فمنذ سبعة أشهر، فشلت إسرائيل في تحقيق هدفيها الرئيسين، وأدت معاناة الفلسطينيين بسبب الحرب إلى تآكل الدعم الدولي لها.
وأشار التقرير إلى أن “حماس”، كقوة قتالية، أضعفت، وتم القضاء على كتائب تابعة لها، وتفرّق مقاتلوها، وقتل الآلاف منهم، أحدُهم، على ما يُعتقد، قياديٌّ عسكري بارز. لكن إسرائيل فشلت في تحقيق الهدفين اللذين شنّت الحرب من أجلهما: تحرير الأسرى، وتدمير “حماس” بالكامل.
وقالت الصحيفة إن الحرب نفسها وأساليب الجيش الإسرائيلي جاءت بثمن باهظ: قتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وانتشر الجوع في غزة، وأدى مقتل المدنيين، وهم يبحثون عن الطعام حول القوافل الإنسانية، لشجب عالمي. سبعة أشهر على الحرب، والسؤال يدور حول ما حقّقته إسرائيل، ومتى ستنهي.
وهو سؤال خلق المزيد من الضغوط على الحرب، وكلف إسرائيل الدعم العالمي، وحتى من حلفائها. وتتزايد أعداد القتلى بين الجنود حيث 260 جندياً قتلوا، و 1,500 جرحوا منذ الهجوم البري الساحق، بعد أسابيع من هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر. ولا يزال 130 أسيراً في غزة، حيث تعطّلت المفاوضات لتحريرهم، وتقول “حماس” إنه ليس لديها 40 أسيراً لمبادلتهم بناء على المعايير الموضوعة. وتحولت الحرب إلى مجموعة من الأشكال التي باتت معتادة؛ مناوشات وغارات جوية واستمرار القوات الإسرائيلية بالعمل في داخل غزة لاستهداف ما تقول إنهم مقاتلون من “حماس” و”الجهاد الإسلامي”.
ووسط التوتر مع إيران، في الأسبوع الماضي، قالت إسرائيل إنها ضربت 100 هدف في القطاع، وقتلت عدداً من مقاتلي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، بمن فيهم ضابط في أمن “حماس”. وتزعم إسرائيل أن قتلى “حماس” يتزايدون، ولم يقتل ولا جندي إسرائيلي منذ 16 نيسان/أبريل، ما يعني أن قدرة “حماس” القتالية في تراجع. إلا أن الطرفين يحضّران لعملية رفح، التي لم تدخلها القوات الإسرائيلية، وهناك أسئلة حول ما سيحدث بعد، ومن سيدير القطاع ويوفر الأمن له.
وتقول الصحيفة إن تقريرها المطوّل حول وضعية القتال قام على مقابلات مع مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين وعناصر في “حماس” وفلسطينيين في غزة، بعضهم طلب عدم الكشف عن هويته.
ورغم الخسائر الكبيرة لـ “حماس”، لا تزال القيادة المركزية قائمة، وهي من يتخذ القرارات في الحرب، وفي مسألة الرهائن، ومن هم في شبكة الأنفاق سيقومون بإعادة تشكيل قوة “حماس” بعد نهاية الحرب، حسب مسؤولين أمريكيين.
وقال دوغلاس لندن، ضابط “سي آي إيه” المتقاعد: “المقاومة الفلسطينية التي تتمظهر من خلال حماس وبقية الجماعات المسلحة هي فكرة، مثلما هي قتال مادي وجماعة ملموسة”، و”حتى هذا الوقت، مهما تسببت إسرائيل بالضرر على حماس، فلا تزال لديها القدرات والتصميم والتمويل وطوابير من الناس ينتظرون للانضمام إليها، والمشاركة في القتال بعد كل هذا الدمار والخسائر البشرية”.
وفي التقرير السنوي للوكالات الاستخباراتية الأمريكية، الذي نشر في آذار/مارس، عبّرت فيه عن شكّها بقدرة إسرائيل على تدمير “حماس”.
وجاء فيه أن “إسرائيل، على الأرجح، ستواجه مقاومة مسلحة متواصلة من حماس ولسنوات قادمة”، و”سيكافح الجيش لتحييد حماس وأنفاقها الأرضية والتي تسمح للمتمردين للاختفاء واستعادة القوة ومفاجأة القوات الإسرائيلية”.
وبعد ستة أشهر من القتال، وصلت الحرب إلى رفح. وتقول إسرائيل إن “حماس” لديها عدد من الكتائب وآلاف المقاتلين الذين لجأوا إلى المدينة مع ملايين المدنيين. وتصرّ إسرائيل على تفكيك هذه الكتائب، ولن يتحقق هذا بدون عملية شاملة في داخل رفح. ويعترف المسؤولون الإسرائيليون أن الهدف الأهم للعملية هو تدمير الأنفاق بين غزة ومصر التي تصل منها الأسلحة لـ “حماس”، إلا أن العملية التي يخطط لها باتت مسألة خلافية مع الولايات المتحدة. وخاصة أن إسرائيل لم تقدم خطة واضحة حول كيفية إجلاء وحماية المدنيين في رفح. وبدونها سيرتفع عدد القتلى الحالي، 34,000 شخص، إلى مستويات أعلى. وترفض إسرائيل هذه الأرقام، وتقول إنها لا تفرق بين المقاتل والمدني. وفي بداية الشهر الحالي، قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان للصحافيين، إنه لم ير بعد خطة موثوقة يمكن تنفيذها لنقل السكان، وليس إسكانهم فقط، بل وإطعام وتوفير الدواء لهؤلاء المدنيين الأبرياء. وكذا توفير المرافق الصحية والمياه والخدمات الأساسية.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن على القوات الإسرائيلية تشكيل خطتها بناء على خطة حصار الموصل، عام 2017، حيث تم تدمير مناطق واسعة فيها، وقتل 3,000 شخص، لكن قوات التحالف ضد تنظيم “الدولة” بقيادة الولايات المتحدة أجْلَت أكثر من مليون شخص قبل العملية.
وفي رفح يريد الأمريكيون من إسرائيل القيام بعملية مستهدفة، ولكن بعد إجلاء المدنيين. ويقول الإسرائيليون إنهم يتوقعون من السكان الانتقال إلى مناطق آمنة، لكن الأمريكيين يرون أن إسرائيل بحاجة لخطة أفضل، في ظل الدمار والمناطق التي لم تعد قابلة للعيش في القطاع. وقال الجنرال المتقاعد مارك سي شوارتز، وقائد العمليات الخاصة سابقاً، ومنسق التعاون بين إسرائيل والسلطة الوطنية: “هذه فرصة سانحة لإسرائيل كي تنتقل لوجه جديد وتركز على عمليات مكافحة الإرهاب، وخاصة في ظل وجود ما بين 1.2 إلى 1.3 مليون نسمة تجمعوا كلهم في رفح ونواحيها”.
وتقول الصحيفة إن نقل السكان من رفح هو نقطة الخلاف الرئيسية بين أمريكا وإسرائيل، وكذا في المفاوضات لوقف إطلاق النار وتحرير الأسرى.
ويوم الخميس حمّل ويليام بيرنز، مدير سي آي إيه، “حماس” مسؤولية عدم التقدم بالمفاوضات، ورفضها المقترح الأمريكي هذا الشهر. وقال بيرنز: “هناك صخرة كبيرة لقلعها، وتلة عالية الآن”، و”الرد السلبي هو ما يقف في طريق الأبرياء في غزة”، كما قال. ويقول المسؤولون الأمريكيون، في أحاديثهم الخاصة، إن الطريق الوحيد لوقف الهجوم على رفح هو تبادل الأسرى. إلا أن المسؤولين الإسرائيليين يناقشون أن الحملة العسكرية التي تلوح بالأفق في رفح هي التي أبقت “حماس” في المفاوضات. وقال جلعاد كورنغولد (62 عاماً)، والد أحد الأسرى، إنه يشعر بالإحباط بسبب فشل الحكومة للتوصل إلى صفقة لتحرير الأسرى. وقال: “لقد تخلّوا عنهم، الوقت ينفد سريعاً، ولا نعرف ماذا يفعلون”.
ويرى جي تاب، ضابط المارينز الذي قاتل في العراق كمسؤول في مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي أي): “استعادة الرهائن تقوم على مفاوضات مدروسة وموحدة، ولن يحدث هذا إلا في حالة سحب إسرائيل المطرقة”. وتقول إسرائيل إنها دمرت عدداً من العقد التي تربط شبكة الأنفاق الطويلة في غزة، كما قتلت 13,000 من مقاتلي “حماس”، ودمرت معظم كتائب “حماس” الـ 24، حيث لم تعد الحركة قادرة على العمل بشكل جيد. لكن الضباط المخضرمين والسابقين في الجيش الأمريكي يرون أن عدد القتلى، والأنفاق التي دمرت، ليس مقياساً للنجاح ومضلل أحياناً. وتقدر الاستخبارات الأمريكية أن “حماس” خسرت قوة عسكرية كبيرة، وتحتاج لوقت طويل كي تعيد بناء واستعادة ما خسرته، لكن لا يعني أنها دمرت بشكل كامل. وتقول إسرائيل إن لدى “حماس” والجماعات المقاتلة الأخرى لديها قوات فوق الأرض تقدرها بما بين 3,000 إلى 4,000 مقاتل في شمال غزة.
ويرى المحللون والمعلقون أن “حماس” ستظل على الأرجح قوة في غزة بعد انتهاء الحرب. ولكن عملية إعادة قواتها تعتمد على قرار إسرائيل وما تريد عمله في المرحلة التالية.
ويجهز الجيش الإسرائيلي نفسه للهجوم على رفح فيما يكافح الفلسطينيون للنجاة. وقال خليل الحلبي (70 عاماً) من مدينة غزة: “نعيش تجربة مرعبة” و”لماذا علينا العيش في هذا البؤس، مع أنه لا علاقة لنا بـ 7 تشرين الأول/أكتوبر، وكل ما نريده هو العودة إلى بيوتنا”.
ورغم الضغوط الأمريكية إلا أن مسألة دخول رفح هي مسألة وقت، كما يقول الفلسطينيون والإسرائيليون.
وخلفت إسرائيل دماراً شاملاً، حيث شاهد العائدون إلى خان يونس، هذا الشهر، مشاهد قيامية وجزراً من الأنقاض والموتى. وقال محمد الحسي: “أشعر أن خان يونس ضربها زلزال على درجة 50 بمقياس ريختر”، “أحياء كاملة محيت، والناس لم تتعرف على بيوتها التي كانت هناك”.
ويعتقد بعض الإسرائيليين أن الحرب مع “حماس” قد تحتاج لسنين. وأخبر وزير الحرب بيني غانتس الإسرائيليين أن المعركة قد تحتاج لعام، عقد أو جيل.
ويرفض الأمريكيون فكرة استمرار الحرب لشهرين آخرين، علاوة على عامين. ويطالب الأمريكيون إسرائيل بإعلان النصر، والتحرك لمرحلة جديدة، واحدة تركز على قادة “حماس” وخطوط الإمدادات ولا تمس بالمدنيين أو تروعهم ومنع “حماس” من إعادة بناء نفسها.
وبشكل مهم، يدعو الأمريكيون إسرائيل للتقدم بخطة لإعادة القطاع للفلسطينيين، حيث يبحث الأمريكيون مع دول عربية خطط دولة فلسطينية منزوعة السلاح في غزة والضفة.
ويعارض بنيامين نتنياهو أي خطة أمريكية، وهو وحكومته مترددون في التقدم بخطة حول إلى من سيسلمون غزة، وما هي الترتيبات الأمنية التي يريدونها هناك.
وصوّتت الولايات المتحدة، يوم الخميس، ضد قرار في مجلس الأمن يمنح العضوية الكاملة لفلسطين. وفي غياب أي خطة إسرائيلية أو أمريكية متفق عليها فإن الفوضى وانعدام القانون ينتشر في غزة.
وفي الوقت الذي لم تستطع فيه إسرائيل تدمير “حماس”، جعلت من هجمات مماثلة، كتشرين الأول/أكتوبر، أمراً بعيداً. ويقول عاموس يالدين، مسؤول الاستخبارات العسكرية السابق، إن الهدف تحقق بتفكيك “حماس”، ولن تكون قادرة على تنظيم هجمات مثل 7 تشرين الأول/ أكتوبر.