المأزق السياسي والمخرج الوحيد...

الأربعاء 20 مارس 2024 06:05 م / بتوقيت القدس +2GMT
المأزق السياسي والمخرج الوحيد...



الكاتب: عبد الغني سلامة:

على إثر تشكيل حكومة فلسطينية جديدة، أصدرت «حماس» وثلاث فصائل أخرى بياناً تعرب فيه عن رفضها للحكومة، وتتهم الرئيس عباس بالاستفراد بالقرار، وتطالب بحكومة ذات مرجعية فصائلية. وفي المقابل أصدرت «فتح» بياناً قالت فيه: «إن من تسبب في إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة، وتسبب بوقوع النكبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وخصوصاً في قطاع غزة، لا يحق له إملاء الأولويات الوطنية، مؤكدة أن المفصول الحقيقي عن الواقع وعن الشعب الفلسطيني هي قيادة حركة حماس التي لم تشعر حتى هذه اللحظة بحجم الكارثة التي يعيشها شعبنا المظلوم في قطاع غزة وفي باقي الأراضي الفلسطينية». وأضافت إن «حماس لم تنسق مع أحد بخصوص هجمات 7 أكتوبر، ولا تنسق مع أحد في مفاوضاتها بشأن الهدنة ومستقبل غزة».

عدد كبير هاجم بيان فتح، واتهمها بخذلان غزة، وأن سياسات السلطة «الاستسلامية» والتنسيق الأمني، ومطاردة المقاومين هي التي سمحت بزيادة الاستيطان، وتغوّل الاحتلال، وتراجع مكانة القضية الفلسطينية.. إلخ.
ما يعني أننا أمام جولة جديدة من الصراعات الداخلية والمناكفات وتبادل الاتهامات، في الوقت الذي نحن أحوج ما نكون للتوحد ونبذ الخلافات والترفّع عن الفصائلية والحزبية.
على أي حال لست هنا بصدد تفنيد البيانات، أو الانحياز لجهة، أو لتبرير موقف.. وإنما هي محاولة لفهم الواقع، وتقديم مقترح قد يمثل مخرجاً من الحالة المزرية التي وصلنا إليها جميعاً. وهنا أود تسجيل الملاحظات التالية:
أولاً: فيما يتعلق بانتقاد الحكومة الجديدة، هذا أمر معتاد ومتوقع، حتى قبل أن نعرف تشكيلتها وتوجهاتها، ولو هبطت حكومة من السماء ستتم مهاجمتها.. طبعاً من حق كل شخص الاعتراض، واختلاف الآراء شيء طبيعي، لكن لا يحق لأحد تخوين الآخرين.
ثانياً: لا فتح، ولا كافة فصائل المقاومة تمثل الشعب الفلسطيني، وقد آن الأوان لإعادة الاعتبار للشعب، وسماع صوت غزة، فهم الأحق بسماع صوتهم، لأنهم هم المقاومون والذين يضحون بأرواحهم ويدفعون الأثمان.  
ثالثاً: من المفترض أن فتح وحماس وبقية الفصائل وُجدت من أجل الشعب والقضية، وبالتالي صمود الشعب فوق أرضه، وصون كرامته، وحقه في الحياة أهم من كل الفصائل، لأن الشعب هو أساس ومرجعية ومبتغى النضال، وهو الركيزة الأساسية للقضية.
رابعا: في هذه اللحظة التاريخية الفارقة، وحيث يواجه الشعب خطراً وجودياً حقيقياً، ومع تداعيات العدوان وتعقيدات المشهد السياسي، فإن المصلحة الوطنية تقتضي تشكيل حكومة خبراء، لإنقاذ من تبقى من أهل غزة، وإنقاذ ما تبقى من القضية، وهذه الحكومة ما لم تكن مقبولة دولياً، فلا فائدة منها، ولن يمكنها تحقيق المهمات المنوطة بها. وتوجهات الحكومة الجديدة وفق خطاب التكليف من المفترض أنها تمثل توجهات وطنية عامة ومتفقاً عليها، ولو تحققت سيكون ذلك إنجازاً وطنياً كبيراً.. وبالتالي من المفترض أن تحظى بدعم شعبي وقبول فصائلي، إلا إذا كانت مصلحة الفصائل أهم من مصلحة القضية والشعب.
خامسا: بخصوص بيان فتح، فمن الواضح أن مهاجمته لسبب رئيسي وربما وحيد: لأن البيان تضمن انتقاداً لحماس، بغض النظر عن مضمونه.. فقد بات انتقاد حماس من المحرمات، لأن حماس تمثل المقاومة، والمقاومة مقدسة، وانتقادها يعني مساساً بالمقدسات! وهذا التحريم يشمل انتقاد قيادات حماس، وخياراتها، وقراراتها، وأي خطوة تخطوها حتى لو كانت نتيجتها كارثية! وانتقاد حماس يعني تبرئة إسرائيل من جرائمها، والقول أن رهانات حماس لم تكن في محلها، وحساباتها كانت خاطئة، وخطوتها متهورة.. يعني تحميلها المسؤولية وتبرئة إسرائيل من تبعات عدوانها على غزة.. وهذا هو الرابط العجيب.  
سادساً: حماس حركة مقاومة، ومكون أصيل من الشعب الفلسطيني، وقدمت تضحيات جسيمة، ولها الحق الكامل بالتمثيل والمشاركة، لكنها لا تمثل كل الشعب، وليست الوكيل الحصري للمقاومة، أهل غزة، والشعب الفلسطيني عموماً خاض النضال قبل حماس بعقود طويلة، وخاضها مع وجود حماس، وسيظل شعباً مقاوماً وصامداً لو غابت حماس وكل الفصائل الموجودة على الساحة الآن.. الأهم من بقاء حماس في الحكم هو تثبيت صمود الشعب، والخروج من هذا المأزق بأقل الخسائر.
أما بالنسبة للوضع الراهن، والكارثة التي تمر بها فلسطين، فالجميع متفق على تشخيص الحالة، وأنها أخطر وأسوأ مرحلة في تاريخ الصراع، وأشد مرارة من النكبة.. لكن الخلاف على من يتحمل مسؤولية الوصول إلى هذه الحالة.. هل هي سياسات السلطة وتوجهاتها؟ أم هجوم طوفان الأقصى الذي وفر الذريعة لإسرائيل لتنفيذ أهداف كانت تنتظر الفرصة لتحقيقها؟
من وجهة نظري هناك ثلاثة أسباب أوصلتنا إلى هذه الحالة، وهي أسباب متداخلة ومترابطة:
الأول: طبيعة الصراع وخصوصيته الدولية، وموازين القوى، والمعادلات السياسية الكونية والإقليمية، وطبيعة إسرائيل وتحالفاتها، ومكانتها في النظام الدولي، وطبيعة النظام العربي، وعدم امتلاك الفلسطينيين لأدوات حسم الصراع الحقيقية، وهنا يمكن القول إن ضعف (أو تآمر) النظام العربي (الذي يمتلك أدوات حسم الصراع الحقيقية والفاعلة)، أدى إلى ضعف الحالة الفلسطينية، وحرمان الفلسطينيين من تحقيق أي تقدم حقيقي باتجاه حصولهم على حقوقهم الوطنية، أو التقدم بخطوات إضافية نحو تحقيق الانتصار التاريخي، فضلاً عن استهداف النظام العربي للثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها، ومحاربتها ومحاصرتها واختراقها ومصادرة قرارها.
الثاني: ضعف التوجهات النضالية لدى المؤسسة الرسمية (قيادة السلطة، وقيادة فتح) وهذا بسبب رهانها على المسار السياسي، وإهمال المسارات الكفاحية الأخرى، الأمر الذي أدى إلى تهميش منظمة التحرير، وتكون طبقة سياسية متصالحة مع الحالة، وترهل فتح وكافة الفصائل وتكلسها وتراجع دورها النضالي.. لكن هذا المسار السياسي كان ممكناً أن يغير الحال للأفضل، وربما يفضي إلى دولة مستقلة لولا جملة من الظروف يصعب شرحها هنا، من بينها سوء الأداء من جهة، ودخول حماس، وتخريبها المسار السياسي، وتنافسها مع فتح الذي أدى إلى الاقتتال ثم الانفصال.
الثالث: الانقسام الفلسطيني، سواء اعتبرناه انقلاباً، أو حسماً عسكرياً، وبغض النظر عن مبرراته وسياقاته وتفاصيله.. المهم أن سيطرة «حماس» على غزة أدت إلى انقسام سياسي وجغرافي في الساحة الفلسطينية، وهذا الانقسام أضعف الموقف الفلسطيني عامة، وأدى إلى تراجع مكانة القضية، وإلى ضرب الصورة الأخلاقية للنضال الفلسطيني، وإلى إضعاف أي صفة تمثيلية لأي جهة فلسطينية (منظمة التحرير، أو حماس)، وقد أضر بالطرفين، فكل خيارات وتوجهات السلطة لا يمكن أن تحرز تقدما ما دام هناك انقسام.. وكل خيارات حماس ومغامراتها لن تحرز نصراً في ظل الانقسام وتشرذم الموقف الوطني.  
سنتحدث في مقال قادم عن المخرج السياسي، وعن الفروقات بين استفراد فتح بالقرار السياسي، واستفراد حماس بالقرار العسكري.