لا أعرف إن كانت هناك وسيلة إعلام إسرائيلية ستلتقط هذه الرسالة وتترجمها لكم، لكن لا ضير من المحاولة، فالموضوع يستحق.
كفلسطيني، يمكنني أن أستوعب حجم الألم والقهر والشعور بالضعف والهزيمة والحاجة للانتقام بعد ما أصابكم ما أصابكم يوم السابع من أكتوبر الماضي.
الفرق بيننا وبينكم أننا نشعر بذلك بشكل يومي منذ النكبة العام ١٩٤٨، إذ لم يمر علينا يوم منذئذ لم نتعرض فيه لأعمال قتل جماعي او فردي، هدم بيوت، استيلاء على أراض، ضرب وإهانة وتكسير عظام في الشوارع وعلى حواجزكم، أو اعتقال وتعذيب وقتل في السجون، بينما أنتم تعرضتم لذلك لأول مرة.
بالطبع، وقْع المرة الأولى يكون شديداً تماماً مثلما حصل معنا في زمن النكبة.
أعتقد بأنني أخطئ في التشبيه. هل كان السابع من أكتوبر "نكبتكم"؟.
سيتهمني الفلسطينيون الآن باللافلسطينية، فالنكبة مصطلح حجزناه لنا وحدنا في الكتب والأفلام والصالونات الثقافية وأحاديث المقاهي مثلما حجزتم أنتم مصطلح الهولوكست.
بالتأكيد يوم السابع من أكتوبر لم يكن يوم نكبتكم.
يمكن مقارنة ما حدث لكم ذلك اليوم بما حدث لنا في الأيام ١٦- ١٧-١٨ أيلول ١٩٨٢، عندما قام جيشكم بحماية عصابات ايلي حبيقة وهو يقتل النساء والرجال والأطفال في مخيمات صبرا وشاتيلا في لبنان.
لكن حتى هذه المقارنة ظالمة لنا: في صبرا وشاتيلا تم قتل مدنيين فلسطينيين، في غلاف غزة تم قتل جنود ومدنيين، وعدد القتلى من الجنود يتجاوز ربع الضحايا حسب أرقامكم.
يمكن مقارنة ما حدث لكم ذلك اليوم بحربكم على غزة العام ٢٠١٤. لكن حتى هنا تكون المقارنة ظالمة لنا. في تلك الحرب قتلتم ٢٣٢٢ فلسطيني بينهم ٥٧٨ طفلا و٤٨٩ امرأة، ودمرتم ١٢ ألف وحدة سكنية بشكل دائم و١٦٠ ألف وحدة بشكل جزئي.
لا، لا يمكن مقارنة ما أصابنا مرات ومرات ومرات بما أصابكم في ذلك اليوم.
ربما تظنون بأننا تعودنا على الألم والقهر والشعور بالعجز. لا تخطئوا: نحن نراكم الغضب فقط.
اليوم يقوم جيشكم بتدمير غزة. يقتل الأطفال والنساء ويدمر البيوت والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس والشوارع وخزانات المياه وكل البنى التحتية في غزة.
أنتم تعتقدون بأن هذا يظهر حجم قوتكم ويعيد لكم ردعكم ويمسح صورة ضعفكم يوم السابع من أكتوبر ويستبدلها بصورة الوحش الكاسر، او "الغول" كما قال أحد الأصدقاء، الذي يجب أن يخشاه جميع من في الشرق الاوسط.
أنتم مخطئون، مخطئون، مخطئون. أي دولة "تافهة" تمتلك عدة طائرات من الجيل الأول او الثاني يمكنها تدمير غزة وقتل أطفالها ونسائها بهذه الوحشية التي قمتم وتقومون بها. هذا الدمار لغزة لا يتحدث عن قوتكم، ولكن عن حجم خوف وإجرام ووحشية جيشكم وقيادتكم السياسية وسيحاسبون عليها.
لا تتوهموا. مشاهد جثث الآلاف من الأطفال والنساء والدمار لن تمسح من ذاكرتنا ومن ذاكرة العرب صورة خوفكم، وهزيمتكم، وحاجتكم لولي نعمتكم، أميركا، لحمايتكم.
في الشرق الأوسط تندرنا على الدول العربية التي قصفتها حكومتكم وامتنعت عن الرد حفاظاً على ضبط النفس، وبذريعة انها ستضربكم في المكان والزمان المناسبين.
اليوم الشرق الأوسط كله يتندر عليكم ويسخر منكم ومن قوتكم، ومن الدول التي رأت فيكم "ظهراً لها" لحمايتها من خصومها.
دولتكم ضعيفة بإرادة وقوة الجغرافيا والديموغرافيا، وقوتكم من عبوديتكم لأميركا، ومصيركم مُتوقف على تغيرات في مُحيطكم.
خياراتكم محدودة: الانسحاب من الأراضي التي تحتلونها منذ العام ١٩٦٧ والعيش بأمن وسلام كدولة طبيعية، أو إعطاء الفلسطينيين حقوق المواطنة الكاملة والعيش بأمن وسلام في الشرق الأوسط كدولة طبيعية، أو البقاء في عبودية لأميركا وانتظار المجهول في محيطنا ومحيطكم.
كيف وصلنا الى هنا؟
في العام ١٩٨٨ تنازلت منظمة التحرير الفلسطينية عن ٧٨٪ من أرض فلسطين التاريخية لكم. كان لديها وهْم أن التخلي عن مطالبتها بفلسطين التاريخية وقبولها بدولة على ما تبقى من أرض يُقر العالم جميعه بأنها مُحتلة سينهي الصراع معكم وسيجلب السلام للفلسطينيين ولكم.
لكن إدانة الإرهاب والعنف والاعتراف بقرار ٢٤٢ وقبول المفاوضات بما فيها مدريد وأوسلو وكامب ديفيد، والقبول بالتنسيق الأمني لحمايتكم، لم يجلب لنا غير الاستيطان، وتهويد القدس العربية، والاستيلاء على نصف مدينة الخليل، وجدار فصل عنصري، وحصار لغزة.
اليوم اكتشفنا خطيئتنا: ما كان علينا التنازل عن شبر واحد من أرضنا قبل حصولنا على الحد الأدنى منا حقوقنا. اليوم اكتشفنا أنه ما كان علينا أن نجلس معكم على طاولة مفاوضات واحدة قبل أن تعترفوا بحقوقنا.
أنتم تتحدثون اليوم عن الترحيل والتهجير، ونحن نتحدث عن العودة. أنتم تقتلون، ونحن نقول "الحمد لله" و "النصر والهزيمة من عند الله". أنتم تثقون بدباباتكم وطائراتكم، ونحن نثق بإرادتنا وبقوة شعبنا وبوقوف الشعوب العربية الى جانبنا، وهذا يكفينا.