مر شهر على حرب الانتقام والمجازر التي تشنها إسرائيل على غزة دون أن تبدي أي نية لوقفها رغم ما تقاسيه هي نفسها من هذه الحرب : خسائر اقتصادية تقدر بمليار دولار يوميا ، ومشكلات عسكرية لجيشها في تقدمه البري أمام المقاومة التي تدمر دباباته وتقتل جنوده وتجبرهم على الفرار في مشاهد فاضحة لن يضمدها وصف بيني غانتس وزير الحرب السابق لهم ب ” النمور والأسود ” ، ومشكلات نفسية واجتماعية لمستوطنيها السريعي الهلع الذين لا طاقة لهم على تحملها . يضاف إلى ما سبق تحطم صورتها عالميا ، وتعري حقيقتها بصفتها دولة دموية متوحشة لا ” فروسية ” لجيشها إلا على المدنيين أطفالا ونساء ، وعلى هدم المنازل الآهلة بالمدنيين ، والمستشفيات والمساجد والمدارس والكنائس والمخابز والمؤسسات الخدمية ، وقصف الطرق لإعاقة تحركات الناس وسيارات الإسعاف . هذه هي أسباب عدم وقفها الحرب :
أولا : تتوهم ان إطالتها بما فيها من مجازر ضد المدنيين قد ترغمهم على الفرار إلى سيناء بأعداد كبيرة تخلصها من مصيرها المهدد بالزوال من كثافة الوجود البشري الفلسطيني ، وتبذل في سبيل هذه الغاية الشيطانية اليائسة أقصى ما تستطيع من حيل وأساليب ، ومنها حث الدول الأوروبية والبنك الدولي على إسقاط ديون مصر ثمنا لفتح سيناء امام مواطني غزة . ومن يشهد ظواهر إصرار هؤلاء المواطنين على التمسك بوطنهم يعلم كم هي واهمة إسرائيل . ويتوجب على مصر في هذا المنعطف التاريخي الخطير أن ترفض هذا الوهم الإسرائيلي بكل حزم وعزم . ثانيا : تتخوف العصابة السياسية والأمنية والعسكرية فيها من بدء التحقيقات في إخفاقها الكبير في بداية الحرب وفي أثنائها ، وفي استطلاع جاهر 66 % من المستطلعة آراؤهم بأنهم يريدون استقالة كل مسئولي الأجهزة الأمنية . ثالثا : يعصف بها رعب كبير من انفجار موجة هجرة ضخمة لمستوطنيها فور وقف الحرب مع ما يرافقه من سهولة الخروج جوا وبحرا . وهو انفجار آتٍ حتما ، ومن نذره ما قاله وزير التعليم بعد أسبوع من الحرب عن عجزه عن العيش المستمر في ” هذه البلاد ” . رابعا : الوقوف الأميركي والأوروبي المطلق معها الذي تمثل بزيارتها من بايدن وبلينكن وبقية كبار المؤسسة الأميركية ، وزيارة رؤساء حكومات بريطانيا وفرنسا وألمانيا ، وهذا لم يحدث مثيله في حرب 1973 مع مصر وسوريا . واشتركت قوات اميركية مع قوات إسرائيلية في عملية فاشلة على شاطىء بحر رفح ، وفي عملية برية صغيرة شرقي القرارة انتهت بتدمير دبابتين ، وقتل بعض جنودهما ، وفرار من نجا من القتل .
خامسا : ما تراه من تخلٍ عربي رسمي عن نصرة غزة حتى في الحدود الإنسانية ، وتجاوز بعض الدول العربية هذا التخلي إلى الانحياز الكامل مع إسرائيل منذ اليوم الأول للحرب . اتصلت الإمارات بها وأعلنت وقوفها إلى جانبها ، وفي السر يجري الكثير من التخلي والتجاوز . وكل ما سبق لن يجدي إسرائيل ، ولن يجديها انتقامها الدموي الذي عرى ضعفها ويأسها أكثر مما دل على قوتها وثقتها بنفسها . البعد العسكري لما حدث علامة كبرى على نهاية ” العسكرية ” الإسرائيلية . وإذ أكتب هذا المقال عصر السبت تأتي الأخبار عن تراجع القوات الإسرائيلية في شمالي غزة . كانت تلك العسكرية أسطورة باطلة زائفة صنعتها انتصاراتها على جيوش عربية في سوء أنظمة دولها . وتكفلت المقاومة اللبنانية والفلسطينية في إسقاط تلك الأسطورة ، وآخر تجليات الإسقاط ما حدث في حرب ” طوفان الأقصى” أو السابع من اكتوبر على شدائد ما نكبت به غزة فيها من استشهاد وجرح الآلاف وتدمير المنازل وأكثر مؤسسات العمران . هذه حرب ستكون بعون الله _ عز وجل – لنا ، وعلى عدونا المصيري الذي تجسده مستوطنة القتل والدم والهمجية والتدمير المسماة ” إسرائيل ” .
كاتب فلسطيني من غزة