عن العاروري الذي تريد "إسرائيل" اغتياله

الأحد 10 سبتمبر 2023 03:32 م / بتوقيت القدس +2GMT
 عن العاروري الذي تريد "إسرائيل" اغتياله



رام الله/سما/

تعرف قرية عارورة شمال مدينة رام الله بأشياء كثيرة، من ضمنها زيتونها الرومي الكبير، وفي كونها صاحبة أكبر طبق مسخن، حيث أدخلت الأكلة الفلسطينية الشعبية موسوعة غينتس للأرقام القياسية زمن رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض برغيف مسخن ضخم قطره 4 أمتار، غير أن صيتها ومجدها الحقيقي مصدره شخص يرتبط باسمها وهو صالح العاروري.

ومع تصاعد التهديدات الإسرائيلية للقيادي في حركة حماس صالح العاروري بالاغتيال تمختر أهالي بلدته في مشيتهم، فالقيادي المهدد بالاغتيال وعلى لسان أعلى المستويات السياسية والأمنية إسرائيليا هو ابن محبوب لجميع سكان البلدة التي يقارب عدد سكانها (5000 نسمة).


يخبرنا أحد سكان البلدة التي كانت تعتبر منطلقا ومعقلا للنشاط المسلح لكتائب القسام خلال الانتفاضة الأولى وما تلاها، يخبرنا «أنه يمكن أن نجد من بين سكان القرية من يكره حركة حماس، لكن المؤكد أنه لن تجد شخصا يكره الشيخ صالح العاروري».


فالبلدة الصغيرة التي تبعد عن رام الله (مركز السلطة الفلسطينية) نحو 20 كيلومترا وتستند على تراث بعيد حيث عرفت في العهد الروماني باسم (عارور) نسبة إلى قوافل التجارة التي كانت تمر منها، تعيش اليوم على مجد مقاوم صنعته البلدة طوال تاريخها الممتد، فعلى صرح شهداء عارورة يمكن رؤية قائمة بأسماء الشهداء الذين قدموا أرواحهم في سبيل تحرير فلسطين، فيما جملة «على الدرب سائرون» تذيل طرف الصرح في إشارة على استمرار نضال أهلها.


وتقف البلدة الصغيرة على قلب رجل واحد من حب الشخص الأول المهدد بالاغتيال احتلاليا، فالبلدة تفتخر كما حال البلدات والمدن الأخرى بابنها الذي أخلص لفلسطين «ولم يتلوث، أو يترك طريق المقاومة» كما قال أحد السكان.


وينتمي الشيخ صالح العاروري (1966) نائب رئيس حركة حماس، الذي يقال إنه يقيم في الضاحية الجنوبية في مدينة بيروت، إلى عائلة بسيطة ومتواضعة، والأهم بالنسبة للسكان أنها عائلة بقيت كما هي، حيث ما تزال تسكن في ذات منزلها القديم وسط البلدة الصغيرة، حيث يجاور المنزل الذي قضى فيه العاروري طفولته «مسجدها الكبير».
ذلك المسجد الذي كان مساحة لتأسيس وتشكيل وعي العاروري في صغره، فكانوا مجموعة صغيرة من الشبان تتراوح أعمارهم ما بين 15- 18 عاما من رواد المسجد، يحملون فكر الإخوان المسلمين، وعندما ظهرت حركة حماس في نهاية الثمانينات التحقوا بها.


ولا تذكر تلك المرحلة إلا ويذكر الشيخ سعيد أبو معطان، من بلدة برقة شرق رام الله، وحسب مصادر محلية فإنه لم يكن من حركة حماس، لكنه جمع حوله في المسجد من كون خلايا القسام الأولى.


قبل تلك الفترة عرفت عارورة بلون حزبي واحد وهو الجبهة الديمقراطية، والحزب الشيوعي، حيث غلب على شبابها الانتماء لهذا التنظيم، وهو الأمر الذي تجذر مع العملية التي نفذها ابن البلدة مشهور العاروري والتي حملت اسم «عملية بيسان» برفقة مقاتلين من نابلس عام 1976 وهو ما عزز من حضور البلدة وعزز الفعل المقاوم في نفوس أبنائها.


وتمتاز البلدة التي تتقاسمها عائلتان كبيرتان، بنسبة مرتفعة في التعليم العالي، وسط غياب عام للنزعة العشائرية حيث العائلات فيها أكثر تآلفا من أي قرية أخرى.
يخبرنا تاريخ القيادي أنه وبعد أن أنهى مرحلة الثانوية العامة، ذهب للدراسة في مدينة الخليل التي كانت تعتبر معقلا لحركة حماس، وهناك صار أمير الكتلة الإسلامية حيث قاد العمل الطلابي الإسلامي (الكتلة الإسلامية) في الجامعة منذ عام 1985 حتى اعتقاله في عام 1992 لدوره في تأسيس وتشكيل جهاز عسكري للحركة في الضفة الغربية عامي 1991-1992 ما أسهم في الانطلاقة الفعلية لكتائب القسام في الضفة عام 1992.


ويعرف العاروري بإنه شخصية اجتماعية وخلوقة ومحترمة، حسب كثيرين فهو شخص وحدوي، والأهم أنه نظيف اليد، وأمام هذه الصفات القيادية أخذ يتقدم بسرعة خارقة في صفوف حركة حماس حتى وصف من البعض بإنه عمليا بمثابة «الشخص الأول» في الحركة اليوم، وهو المسؤول عن عمليات الحركة في الضفة الغربية.


وتعتبره دولة الاحتلال أحد أهم مؤسسي كتائب الشهيد عز الدين القسام في الضفة الغربية، كما ويتهم بأنه يقف خلف عملية خطف المستوطنين الثلاثة في الخليل، حيث أعقبت الاتهام بهدم منزله.


اعتقل لأكثر من 18 سنة في السجون الإسرائيلية، وعندما أفرج عنه في المرة الأخيرة عام 2010 تم ترحيله إلى سورياً حيث قادته سيارة من الحدود الأردنية إلى الحدود السورية التي بقي فيها سنوات، ومن ثم تنقل بين تركيا والدوحة وبيروت.


وكان أول حدث قام به العاروري بعد أن تعالت أصوات التهديد باغتياله أن نشر صورة ظهر فيها باللباس العسكري وأمامه هاتفان، وسلاح آلي ممدد أمامه، وحسب أحد المصادر فإن هذه الصورة حملت كامل الدلالة على مسؤوليته عن العمليات، وعن الاستعداد للمواجهة والاستمرار في المقاومة.


ونشرت وسائل الإعلام، خلال الأسبوعين الماضيين عشرات المواد الصحافية حول القيادي المهدد بالاغتيال، فيما تناولت المواد المنشورة موضوعات عن شخصيته القيادية وقدراته، وما يجمع عليه مطلعون هو أن جانبا من قوة العاروري داخل حركة حماس كونه محاط بمجموعة من القادة الذين يوفرون له مساحة من الدعم والإسناد فيما يطلق عليه جناح الضفة، كما ينظر إليه على أنه يشكل حالة نضالية وطنية جهادية.


وينظر إليه أحد المصادر بإن كثيرين يحسبونه على فلسطين الوطن وليس على حركة حماس في إشارة إلى أنه وطني ويعلي من الانتماء لفلسطين على الانتماء للحزب السياسي.
وفي تقرير لقناة كان العبرية التي تناولت جانبا من سيرته الذاتية من وجهة نظر إسرائيلية، فإن العاروري يمتلك صفات وقدرات تأثير عالية على الآخرين، وحسب رئيس وحدة الاستخبارات في مصلحة السجون الإسرائيلية خلال فترة اعتقال العاروري قال في تقرير القناة العبرية أنه أبلغ الجهات ذات العلاقة إن له مستقبلا في رئاسة المكتب السياسي لحماس بفعل القدرات التي يمتلكها.


ونقلت مصادر عبرية أن العاروري يفهم بشكل عميق المجتمع الإسرائيلي والسياسة الإسرائيلية، ويتابعها عن قرب. فيما كانت غلطة الاحتلال الكبيرة والتي يعترف بها هي الموافقة على إبعاده للخارج، فهناك ورغم كم الصعوبات لم يتوقف عن العمل العسكري ضد الاحتلال حيث وصفته في وقت سابق مجلة «فورين أفيرز الأمريكية» أنه «سلاح حركة حماس غير السري».


غير أن الأهم في شخص العاروري هو أنه يعبر عن قدرة الفلسطينيين على التجدد، فالمجتمع الفلسطيني قادر على العطاء وتقديم القادة، هؤلاء يشقون طريقهم ويقدمون نموذجهم المقاوم القادم من العدم، فمن حياة الفقر حيث كان ينتمي لعائلة فلسطينية فقيرة، ما زال بعض أفرادها يعملون في حراثة الأرض انطلق العاروري في دوره المقاوم حتى وصل قمة قيادة حركة حماس، وهو ما يراه مراقبون بإنه يعكس تجدد الحركة وقدرتها على تبديل قادتها من مختلف جغرافيا الوجود الفلسطيني.


ويقول مصدر من القرية: «ينتمي العاروري لعائلة محترمة، هناك اجماع على انها عائلة متواضعة ومحترمة، أما الشيخ فهو ذكي، ومحبوب جدا، حيث يمتلك شخصيته جذابة ومركزية، وليس غريبا عليه أن يتقلد المناصب القيادية بفضل ما يمتلك من كاريزما حيث اختير عضوا في المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية-حماس عام 2010 وحتى تشرين الأول/أكتوبر 2017 ومن ثم نائباً لرئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» إسماعيل هنية.


ومع إعلان الجناح العسكري لحماس مسؤوليته عن عملية قتل المستوطنين في حوارة قبل أقل من شهر، ومن ثم عملية الخليل، وكل العمليات الموجعة في الضفة الغربية خولت الحكومة الإسرائيلية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالنت بالعمل على المس بمنفذي العمليات ومرسليهم، وكان ذلك يعني ضمنيا المساس بالعاروري الذي هدد بأن إعادة عمليات الاغتيال ستستدعي حرباً متعددة الساحات، وما بلاغة الصورة التي نشرها من مكتبه إلا المؤشر على ذلك، فهو مستعد ويعمل على كل الجبهات.

القدس العربي