تدرس اللجنة الوزارية للتشريع، التابعة لحكومة الاحتلال، اليوم الأحد، اقتراح قانون قدَّمه النائب عن الحزب العنصري “عظمة يهودية” تسفيكا فوغل، الذي يمنح الوزير بن غفير صلاحيات واسعة، من ضمنها فرض الاعتقالات الإدارية على رؤساء عصابات الإجرام العربية واليهودية، وهذا ما تحذّر منه جهات إسرائيلية رسمية وغير رسمية وتعتبره مسّاً بالنظام الديمقراطي.
في افتتاحيتها، ترى صحيفة “هآرتس” العبرية أن وضع الجريمة داخل البلدات العربية صعب للغاية، ولكن الحل لا يكمن بتحول إسرائيل إلى دولة شرطة، محذرة من توسيع صلاحيات الوزير بن غفير كونها مسّاً فادحاً خطيراً بالديمقراطية.
وحسب مشروع القانون المقترح سيصبح من صلاحية وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إصدار أوامر اعتقال إداري لمواطنين لمدة نصف عام بدوافع “الحفاظ على أمن الجمهور”. كما ينص مشروع القانون المقترح على إعطاء بن غفير صلاحية إصدار أوامر اعتقال إداري استجابة لطلب المفتش العام للشرطة وبموافقة المستشار القضائي للحكومة.
وتعارض المستشارة القضائية للحكومة والمخابرات الإسرائيلية العامة (الشاباك) منح بن غفير صلاحيات فرض الاعتقال الإداري، الذي استخدم حتى الآن لاعتبارات أمنية، وضد الفلسطينيين بشكل عام. وحمل بن غفير على المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية بالقول إنها تصادق على اعتقال فتية يهود لأنهم ألقوا حجارة على فلسطينيين في حوارة، بينما تعارض الاعتقال الإداري لرؤساء عصابات إجرام عربية تقطر أياديهم دماً. يشار إلى أن “الشاباك” يعارض أيضاً أن يتم إشراكه في مكافحة الجريمة في البلدات العربية خوفاً من الكشف عن أدوات عمله السرية.
اعتقال وانتقام
كذلك يعارض المستشار القضائي السابق للحكومة الإسرائيلية الياكيم روبنشتاين الفكرة، ويحذر من خطورتها، ويقول، في مقال نشرته صحيفة “هآرتس”، اليوم، إن الحل في مكان آخر حول اقتراح القانون بتفويض وزير الأمن القومي استعمال الاعتقال الإداري لمكافحة الجريمة داخل المجتمع العربي. ويضيف: “التوجه نحو الاعتقالات الإدارية يدل على أن الحكومة فشلت وضلت الطريق للتعامل مع الموضوع”. وانضم إليه المحاضر في الحقوق البروفيسور مردخاي كريمنتسر، الذي يعتبر أن مشروع القانون المقترح، الذي يسمح لبن غفير بأن يرسل مواطنين للاعتقالات الإدارية، هو اقتراح قانون عنصري ومنتهك للحقوق الأساسية، وربما يستخدم للانتقام ولأغراض لا علاقة لها بالعنف والجريمة.
وصمة عار في جبين إسرائيل
من جهتها اعتبرت المعلقة السياسية ميخال أهروني، في مقال نشرته صحيفة “يسرائيل هيوم”، أنه يجب أن يبدأ كل خطاب عن الاعتقالات الإدارية وينتهي بكلمة واحدة: عار. وتضيف: “لا يهم تجاه من يوجه؛ سكان المناطق الفلسطينية العرب، المستوطنين، أو المواطنين، فالاعتقال الإداري هو وصمة عار في جبين كل ديموقراطية”. كما تقول إن حبس الإنسان دون محاكمة، بدعوى وجود نيّة لتجاوز القانون في المستقبل، دون أن يكون ارتكب أي مخالفة بعد، هو كاستهداف الناس واعتقال الناس ممن كل خطيئتهم وجود تقدير بأنهم يوشكون على الوقوع في الخطيئة. وتعتبر أن الاعتقال الإداري منزَلق سلس. وتتابع: “اليوم يعتقلون أحداً ما استناداً إلى معلومات ذات مصداقية ومؤسسة على تحقيق ذي مغزى، وغداً استناداً إلى وشاية من جهة ذات مصلحة معينة. فجأة يكون لكل واحد القوة لأن يحشرك من خلف القضبان دون محاكمة إذا ما قال فقط الأمور الصحيحة أو عرف الأشخاص الصحيحين”.
سلاح ضد الفلسطينيين
وتستذكر أهروني أنه، منذ سنين، تمارس سلطات الاحتلال الاعتقالات الإدارية، تجاه الفلسطينيين أساساً: حسب معطيات سلطة السجون. في مارس/ آذار 2023، احتُجز في السجون الإسرائيلية 971 معتقلاً إدارياً، العدد الأكبر منذ 1994. 967 منهم فلسطينيون من الضفة الغربية، أو مواطنون عرب (على خلفية سياسية)، وأربعة آخرون يهود.
وتؤكد أهروني أن “الاعتقال الإداري هو في واقع الأمر اعتقال ليس له موعد نهائي. عملياً هذا حبس بلا محاكمة، وحتى بعد نصف سنة يمكن تجديده، ما يعني عملياً أنه يمكن للناس أن يكونوا معتقلين لسنوات بلا محاكمة، ولا قدرة على أن يفهموا ما الذي يشتبهون به، لأن البينات سرية. عملياً، كل المداولات في المحكمة سرية. وحتى محامو المعتقلين لا يمكنهم أن يروها، وهم يتلقون تلخيصاً يعرض الشبهات. مئات الأشخاص يحتجزن في المنظومة، وليس لهم حتى القدرة للدفاع عن أنفسهم”.
وضمن تعليل رفضها هذا الإجراء المقترح، تقول أهروني أيضاً: “نعم، يستهدف الاعتقال الإداري الدفاع عن أمن الدولة، لكن هذه أداة متطرفة تستخدمها الدولة منذ سنوات، وأساساً ضد الفلسطينيين. للمعتقلين اليهود من يقاتل من أجلهم: 50 من أعضاء ائتلاف نتنياهو وقّعوا، قبل ثلاثة أشهر، على توجّه لوزير الأمن غالانت للإفراج عن المعتقلين اليهود الأربعة، بدعوى أن الاعتقال الإداري يجب أن يكون محفوظاً لحالات متطرفة جداً، كتلك المعروفة لنا في أعمال الأعداء المجرمين من أوساط كارهي إسرائيل”.
كذلك تقول إنه لم يطرأ على بال أي منهم الوقوف ضد الاعتقالات الإدارية بشكل جارف، وأن يقول ما يجب أن يقال: الاعتقالات الادارية مرفوضة. إسرائيل تستخدم هذا الإجراء بشكل جارف، والاعتقال الإداري الذي يستخدم في “المناطق الفلسطينية في المعركة الأولى سيستخدم ضد مواطنين إسرائيليين يهود في المعركة الثالثة”.
تجاهل انتهاك حقوق الفلسطينيين
وتخلص أهروني للقول إن هذه هي المسيرة التي تحصل اليوم: عندما لا ينجح بن غفير في منع الجريمة والاحتجاج بوسائل ديمقراطية، فإنه يبحث عن مزيد من الصلاحيات، حيث يتمكن من استخدامها ضد كل من لا يفكر مثله، عجزه يعلقه على غياب الصلاحيات بدلاً من غياب القدرات.
وتتابع تحذيراتها من دوافع الحرص على مصالح الإسرائيليين دون التوقف عند بشاعة الاعتقالات الإدارية المنتهجة ضد آلاف الفلسطينيين: “عندها، بجرة قلم، كل ما يحصل منذ سنين في “المناطق الفلسطينية”، والذي يريح الجميع تجاهله، ينتقل إلى داخل الدولة، ويصبح مشروع قانون هو في واقع الأمر قفزة مرحلة في الطريق إلى الدكتاتورية. غداً كل من يرفع علماً، أو يكتب نصاً إلكترونياً يصبح تهديداً أمنياً، ومنه إلى المعتقل. لسنوات كان من المريح للجمهور الإسرائيلي إغماض العيون أمام ما يجري خلف الخط الأخضر. أما اليوم فإن هذا التجاهل، يُضاف إليه وزير أمن قومي ليس له قدرات، وليس له حدود، يتفجر في وجوهنا جميعاً”.