في أوساطٍ وقطاعاتٍ واسعةٍ في الكيان، وتحديدًا من المعارضين لحكومة رئيس الوزراء الحاليّ بنيامين نتنياهو، يؤكِّدون مرّةً تلو الأخرى أنّ نتنياهو على استعدادٍ لـ “بيع” إسرائيل مُقابِل الحصول على براءةٍ من المحكمة، حيثُ تتهمّه النيابة العامّة في تل أبيب بعدّة تهم منها النصب والاحتيال وتلقّي الرشاوى وخيانة الأمانة.
والرجل الذي تزداد عزلته الدوليّة يومًا بعد يومٍ وحتى الحليفة الإستراتيجيّة، الولايات المُتحدّة الأمريكيّة، وخلافًا للتقليد الرسميّ، ترفض توجه دعوةٍ له، كما فعلت مع جميع رؤساء الوزراء بالكيان لزيارة واشنطن ولقاء الرئيس الأمريكيّ، جو بايدن، الذي صرحّ مؤخرًا أنّه ليس بصدد توجيه الدعوة لنتنياهو، بات “مهووسًا” من الوضع الذي وصل إليه، داخليًا وخارجيًا.
ويتبيّن من متابعة خطوات نتنياهو الخارجيّة أنّه يرى في اتفاق التطبيع مع المملكة العربيّة السعوديّة (دُرّة التّاج)، وسيكون بمثابة كسر الجليد السياسيّ، علمًا أنّه بُعيد انتخابه لولايته السادسة في كانون الأول (ديسمبر) الفائت 2022، أطلق نتنياهو تصريحه القائل إنّ التطبيع مع السعوديّة هو على رأس سُلّم أولوياته، وأنّ تحقيق ذلك ما هو إلّا مسألة وقتٍ، ليس إلّا، على حدّ زعمه.
بيد أنّ الرياح لم تجرِ كما يشتهي نتنياهو، فجاء الاتفاق الإيرانيّ-السعوديّ برعايةٍ صينيّةٍ، وتجديد العلاقات بينهما بعد قطيعةٍ استمرّت عدّة سنواتٍ، بمثابة ضربةٍ في الرأس لنتنياهو وحكومته، إذْ تبيّن لصُنّاع القرار في تل أبيب أنّ السعوديّة ليست لقمةً سائغةً كما تخيّلوا، بل أنّ التطبيع معها بات صعبًا للغاية، لكنْ ليس مُستحيلاً.
عُلاوةً على ذلك، تطرح الأوساط العسكريّة الإسرائيليّة تساؤلات ما زالت دون إجابة، عمّا يمكن أنْ تحصل عليه السعودية من أسلحةٍ أمريكيّةٍ متطورّةٍ، بجانب التكنولوجيا والمعرفة في بناء نظام الردع النوويّ، لكن القلق الإسرائيليّ زاد جرعةً مؤخرًا عقب زيارة رئيس الصين للمملكة، وما حظي به من استقبال كبير بحضور الملك سلمان وولي عهده، وسط مخاوف من إجراء الرياض محادثات مع بكين حول التعاون في المشاريع النوويّة المدنيّة، على ما نقله المُستشرِق د. تسفي بارئيل، مُحلِّل الشؤون العربيّة في صحيفة (هآرتس) العبريّة.
في هذا السياق رأى المُحلِّل المُخضرم في صحيفة (معاريف) العبريّة، بن كاسبيت، رأى في مقالٍ نشره أنّ “نتنياهو يتحدث عن التطبيع مع السعودية بعيونٍ برّاقةٍ، لأنّه بالنسبة له فهو أهّم من السلام مع مصر، ومن وعد بلفور، ومن إعلان إقامة دولة الاحتلال، ويبدو أنّه على استعدادٍ لغضّ الطرف عن اتفاقٍ سيءٍ بين الولايات المتحدة وإيران، والموافقة على نقل التكنولوجيا النووية لإيران، مقابل مصافحة وفرصة لالتقاط الصور مع ابن سلمان، على حدّ قوله.
كاسبيت، المعروف بعلاقاته الوطيدة مع المنظومة السياسيّة والأمنيّة في كيان الاحتلال، تابع قائلاً إنّه “إذا كان هذا صحيحًا، فإنّنا أمام أمر أكثر تعقيدًا، لأنّ السعوديين يرفعون باستمرار شروطهم للتطبيع مع إسرائيل، لكن المشكلة الأكثر إشكالية هي رغبتهم بالحصول على الطاقة النووية”، على حدّ قوله.
وشدّدّ المُحلِّل الإسرائيليّ في تحليله على أنّ “ما يقلق الإسرائيليين أنّ السعوديين يريدون الحصول على ما تملكه إيران، وليسوا مستعدين لشراء اليورانيوم المخصب للطاقة النووية المدنية، بل يريدون التخصيب في أراضيهم، مما سيجعل السعودية في حالة عتبة نووية، وسيخلق وضعًا يتخلص فيه الشرق الأوسط بأكمله من فرامله، ويسارع للطاقة النووية، وستكون هذه كارثة هائلة لأجيالٍ قادمةٍ، طبقًا لأقواله.
واستدرك المحلل قائلاً: “لكن ذلك ربّما لا يهم نتنياهو، رغم أنّ قادة الجيش والموساد والاستخبارات المختلفة يُعبِّرون عن دعمهم لمسار التطبيع الإسرائيلي السعودي، ولكن دون تكلفة تخصيب اليورانيوم على التراب السعوديّ”، على ما نقله عن مصادره الرفيعة والمطلعة في تل أبيب.
في الخُلاصة، يُمكِن القول، لا الجوم، إنّه مهما يكُن من أمر ففي الوقت الذي يواجه مسار التطبيع السعوديّ الإسرائيليّ تراجعًا وفتورًا، فإن نتنياهو يُبدي اهتمامًا أكثر بمصافحة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لكن تقاربه معه قد يُقدّم لدولة الاحتلال الخيار الأسوأ من ذلك كلّه، وهو أنّ هذا قد يؤدي لامتلاك السعودية سلاحًا نوويًا، وبالتالي فقدان السيطرة على الشرق الأوسط، ممّا يجعله مستعدًا لبيع أمن الكيان مقابل إرثه الشخصيّ.