يؤكد محلل عسكري إسرائيلي بارز أن خطة “الانقلاب القضائي”، التي بلغت ليلة أمس مرحلة التطبيق وتشريع القوانين الجديدة رغم الضغوط والتحذيرات الداخلية والخارجية، تتطلع لتحقيق هدف آخر غير معلن هو ضمّ الضفة الغربية، ما يعني بناء نظام فصل عنصري إسرائيلي أبرتهايد (من البحر إلى النهر).
ويوضح المحلل للشؤون العسكرية رون بن يشاي، في مقال نشره موقع “واينت” العبري، أنه “من المهم أن يعرف الجمهور الإسرائيلي ويستوعب أنه، إلى جانب الأهداف المعلنة للانقلاب القضائي، فإنه يهدف، بصورة خفية، إلى وضع أساس قانوني يسمح بعمليتين سياسيتين، من شأنهما تغيير وجه دولة إسرائيل وطرق حياتنا بصورة لا رجوع عنها”، لافتاً إلى أن العملية الأولى هي الضم الجارف لكل المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر، من دون إعطاء المواطنة للفلسطينيين سكان الضفة الغربية.
ثلاث فئات سكانية
ويقول إن المخطط التفصيلي لهذه العملية موجود في “خطة الحسم”، الوثيقة التي وضعها قبل خمسة أعوام، بوضوح ومنطق مخيفين، عضو الكنيست، آنذاك، والوزير الحالي بتسلئيل سموتريتش رئيس حزب “الصهيونية الدينية”.
أما الخطوة الثانية، وفق تحذيرات رون بن يشاي، فهي استخدام قانون أساس من أجل إدامة تقسيم مواطني إسرائيل إلى ثلاث فئات: فئة العلمانيين، المحافظين التي تقوم بالعبء الأمني وتشكل شريكاً كاملاً في القوة العاملة، وتساهم في النمو الاقتصادي والضرائب، بينما الفئتان الأُخريان، العرب واليهود الحريديم، لا تتحملان العبء الأمني قط. ويضيف: “لا يشارك الحريديم في القوة العاملة، ولا يدفعون الضرائب لصندوق الحكومة، ولا للسلطات المحلية، لا بل يستقطبون الجزء الأكبر من ميزانية الرفاه ومليارات أُخرى من صندوق الدولة، عبر قنوات مختلفة. هذه العملية يقودها رئيس لجنة المالية عضو الكنيست موشيه غفني، من حزب يهدوت هتوراه”. موضحاً أن المؤشرات التي تدل على نية الشركاء السياسيين لليكود الدفع بهاتين العمليتين اللتين ستحولان إسرائيل إلى دولة أبرتهايد، موجودة في بنود الاتفاق الائتلافي، ويمكن القول إن غفني وصحبه لا يخفون نواياهم.
التداعيات الأكثر خطورة
لكن التداعيات الأكثر خطورة، برأي المحلل الإسرائيلي رون بن يشاي، هي في “خطة الحسم” لسموتريتش، التي نشرها في أيلول/ سبتمبر 2017، وكان عنوانها: “خطة الحسم: مفتاح السلام موجود لدى اليمين”. إذ يدّعي سموتريتش أن الفلسطينيين ليسوا مستعدين، ولن يصبحوا مستعدين في أي ظرف من الظروف للموافقة على ممارسة اليهود حقهم في تقرير مصيرهم الوطني بين نهر الأردن والبحر المتوسط. لذلك، فشلت وفق مزاعم سموتريتش كل خطط الحل التي تعتمد على تنازلات إقليمية. وفي رأيه، من الحماقة تجاهل الخصوصية القومية- الدينية الفلسطينية. ويضيف بن يشاي: “بدلاً من دولتين لشعبين، اقترح عضو الكنيست، آنذاك، سموتريتش تفعيل خطة من ثلاث مراحل لحل النزاع، من دون أن يتحول اليهود إلى أقلية ديموغرافية، والثمن: تقييد الحريات المدنية للمواطنين الفلسطينيين، وتوجيه ضربة خفيفة إلى النظام الديمقراطي في إسرائيل وصورتها في العالم”.
خطة الحسم
ويتابع بن يشاي في تلخيص “خطة الحسم”: “بعد أن تقوم إسرائيل بخلق وقائع على الأرض وضم الضفة الغربية، لا يبقى أمام الفلسطينيين سوى ثلاثة خيارات:
الأول؛ البقاء في الضفة الغربية، والعيش تحت السيادة الإسرائيلية في عدد من الجيوب، منطقة الخليل، وبيت لحم، ورام الله، ونابلس، وجنين. ولا يُعتبر هؤلاء الفلسطينيون مواطنين في إسرائيل، بل مجرد سكان مقيمين (مثل العرب في القدس الشرقية)، شرط تعاونهم وعدم معارضتهم.
الخيار الثاني؛ الفلسطينيون الذين لا يرغبون في العيش تحت حُكم إسرائيل، يغادرون طوعاً، وستقدم لهم إسرائيل مساعدات مالية.
بن يشاي: سيفهم الفلسطينيون أنهم لن يحصلوا على دولتهم، وسيضطرون إلى الاختيار بين ثلاثة خيارات: حياة قمعية تحت سلطة إسرائيل، أو الهجرة، أو الموت شهداء.
الخيار الثالث؛ مخصص لمعالجة جذرية للفلسطينيين الذين يرفضون الخيارين السابقين: مع توجيهات قاطعة إلى أنه في إمكان الجيش القضاء على “المخربين” خلال وقت قصير، وقتل مَن يجب أن يُقتل، وجمع السلاح حتى الرصاصة الأخيرة، وإعادة الأمن إلى المواطنين الإسرائيليين.
ويقول بن يشاي إنه كي نفهم ماذا يجري في هذه الأيام في وزارتيْ المال والأمن، يجب أن نقرأ القسم الأول من خطة سموتريتش، بعنوان: “حسم المستوطنات”.
كما يقول إنه في هذه المرحلة، ينوي وزير المال والوزير الجديد في وزارة الأمن سموتريتش، حرفياً، إغراق أراضي الضفة الغربية بالمستوطنات والمستوطنين اليهود.
وعندما يحدث ذلك، سيفهم الفلسطينيون أنهم لن يحصلوا على دولتهم، وسيضطرون إلى الاختيار بين ثلاثة خيارات: حياة قمعية تحت سلطة إسرائيل، أو الهجرة، أو الموت شهداء.
إزالة العثرات من الطريق
ويعتقد رون بن يشاي أن هذا هو السبب الذي من أجله طالب سموتريتش، وحصل في المفاوضات الائتلافية على مطلبه، بالإشراف على المستوطنات، وعلى حياة السكان في الضفة الغربية في وزارة الأمن، وهذا هو سبب الصراع العنيد الذي يخوضه ضد وزير الأمن يوآف غالانت ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في كل مرة يجري إخلاء بؤرة استيطانية يهودية غير قانونية، أو لا يجري إجلاء سكان قرية خان الأحمر.
ويخلص بن يشاي للقول إن هذه الصراعات، من وجهة نظر سموتريتش، ليست فقط موضوع “الأنا” أو ليّ ذراع سياسي، بل هو مصمم على تنفيذ “خطة الحسم”، ولن يسمح لغالانت أو نتنياهو باعتراض طريقه. ويتابع: “الانقلاب القضائي يهدف إلى إزاحة المحكمة العليا التي يمكن أن تشكل عقبة مهمة في هذه الطريق”.
هذه مشاهد من فيلم رعب حقيقي
يشار إلى أن عدداً من الباحثين والمراقبين، ومن خريجي المؤسسة الأمنية الإسرائيلية يحذرون هم أيضاً من نوايا سموتريتش، ومن تبعات مخططاته على إسرائيل وتوريطها في واقع ثنائي القومية، يتخلله تصعيد في الصراع الدموي مع الفلسطينيين، على شاكلة الصراع الخطير الذي شهدته منطقة البلقان تاريخياً، ويرون أن ما تشهده القدس في الشهور الأخيرة هو مجرد صورة مصغرة عما هو قادم ومشاهد لفيلم رعب حقيقي بات وشيكاً.