كريم يونس: الفصائل الفلسطينية أخفقت في ملف الأسرى

الأحد 22 يناير 2023 03:59 م / بتوقيت القدس +2GMT
كريم يونس: الفصائل الفلسطينية أخفقت في ملف الأسرى



الداخل المحتل/سما/

أُطلق سراح الأسير الفلسطيني كريم يونس (65 عاماً)، في 5 يناير/كانون الثاني، بعد 40 عاماً قضاها في أقبية السجون الإسرائيلية، وبعد ما يقارب الأسبوعين من تلك اللحظة التي غيرت حياته، يروي يونس، لـ"العربي الجديد"، محاولته التأقلم خارج السجن، متهماً الفصائل الفلسطينية بالإخفاق في ملف الأسرى. 

ولد كريم يونس بتاريخ 23 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1958 في المثلث الشمالي بالداخل الفلسطيني، وترعرع في قرية عارة. أثرت البيئة العائلية ليونس على مسار حياته السياسي، إذ جاء من عائلة فيها الكثيرون من رواد السياسة والنضال الفلسطيني، على غرار حمزة يونس، الأسير السابق الذي هرب من سجن الرملة، وكتب كتاباً اسمه "الهروب من سجن الرملة"، سرد فيه تجربته في الهروب، إضافة إلى أخرين من الأسرى والعاملين في حقل السياسة. وكان كريم شاهداً على تلك الأحداث، وتابع جلسات محاكمة حمزة في المحاكم الإسرائيلية في سنوات السبعين، قبل أن يصير هو نفسه أسيراً.

تجول يونس في جميع السجون الإسرائيلية من شمالها إلى جنوبها خلال الأربعين عاماً، وحصل، خلال فترة السجن، على درجتي البكالوريوس والماجستير في تخصص "دراسات إقليمية" وتخصص "دراسات إسرائيلية". كما عمل محاضراً للأسرى داخل السجن.

يقول كريم: "لقد حولنا السجون إلى أكاديميات وجامعات"، وهو الذي أصدر من داخل السجن كتابين باسمه، واحدٌ حمل عنوان "الواقع السياسي في إسرائيل"، وصدر في عام 1990، وآخر حمل عنوان "الأيديولوجيا والتسوية"، وصدر في عام 1991، وكان قد توقع في الأخير الذهاب إلى خيار اتفاقية أوسلو من قبل القيادات الفلسطينية. بالإضافة إلى الكتب التي صدرت، منعت إدارة السجون كريم من إصدار بعض الأبحاث والدراسات التي كانت تتناول هيكلية المخابرات الإسرائيلية.


ويروي تفاصيل خروجه من السجن، ويقول إنه قبل إطلاق سراحه بساعات، ارتدى معطف القائد الأسير مروان البرغوثي، وسترة الأسير عمار المرضي، إذ يحاول الأسرى قبل إطلاق سراح أي أسيرٍ آخر أن يخرجوه من السجن بمظهرٍ لائق.

يقول يونس في حديثه عن البرغوثي: "مروان كان معلمي في الماجستير، وكان يقضي يومياً 5 ساعات في تدريس الأسرى، لاحقاً، صرت أنا أدرس يومياً ساعتين في مساق العلوم السياسية، ولكن في السنة الأخيرة، أوقفت ذلك تحضيراً لإطلاق سراحي".

أسبوعين على الحرية
في مشهدٍ قد يبدو طبيعياً، يجهز كريم فنجان "إسبرسو" مستخدماً ماكينة القهوة الحديثة، ويجلس على كنبته حاملاً جهاز الهاتف الذكي، وينشغل في نقل أرقام الهواتف التي كان يحفظها على دفتره الصغير داخل السجن إلى هاتفه الجديد. إلا أن هذا المشهد لم يكن طبيعياً بالنسبة إلى كريم، بالتحديد بعد مرور ما يقارب أسبوعين على حريته، أو كما يحب كريم أن يسميها، "تجسيد الحرية"، إذ يحاول التأقلم مع العالم الخارجي، خصوصاً أن شكل الحياة قد تغيير بشكلٍ كلي بعد 40 سنة من السجن. 

يضيف كريم في حديثه مع "العربي الجديد": "أحاول تجسيد الحرية وممارسة حياتي بشكل طبيعي، في البداية، يبدو الأمر صعباً، لأني خرجت إلى عالم لا يشبه العالم الذي تركته، لكن مع الوقت، أحاول أن أجسد حريتي حتى في خروجي من بيتي متى أشاء ومن دون قيود (...) أن أمشي وحدي من دون مرافق (...) 40 عاماً لم ألمس فيها النقود، ولا أعرف ملمسها في السجن، إذ ندفع بشكل وهمي، لقد بدأت أجسد حياتي الإنسانية بشكل أو بآخر، دخلت عالمي الجديد بمساعدة من يحيطني".

"السجان هو أسير الأسير"
وحول عملية نضال الأسرى داخل السجون، يقول يونس: "اليوم، أصبح السجان أسيراً لدى الأسير، ففي البداية، كان السجانون يفرضون أنفسهم علينا، إذ كانوا يتحكمون في حياتنا اليومية، لقد كانوا في البداية يفرضون أن نسير بشكلٍ معين في الساحة، كانوا يطلبون أن نمشي كل شخصين معاً وأن نضع أيدينا وراء أظهرنا، في البداية، أراد السجان تطويعنا (...) لكن نضال الأسرى استطاع إعادة حياته الجماعية من خلال التنظيمات والقيادة الموحدة داخلة السجن، واستطاع أن يتصدى لهذا السجان إلى الدرجة التي أصبح فيها السجان هو الأسير لدينا".


ويضيف: "لقد ناضل الأسرى داخل السجون لينالوا حقوقاً بسيطة لهم، كان الأسرى سابقاً يستطيعون التحرك في السجن في ساعة الفورة مرة واحدة في اليوم (وهي الوقت الذي يسمح فيه الخروج من الغرفة إلى الساحة). لكن اليوم، مع نضال الأسرى ومطالبهم، استطاعوا أن يخرجوا لوقتٍ أطول".

"إخفاق الفصائل الفلسطينية"
اتهم الأسير الفلسطيني كريم يونس الفصائل الفلسطينية بعدم الاهتمام في ملف الأسرى، قائلاً: "هذا إخفاق وعدم اهتمام، لحظنا ذلك بوضوح حتى بعد الاتفاقيات، لقد كان التعامل مع قضية الأسرى كقضية أرقام. كان دائماً هنالك أمل كبير جداً أن الأسير، حتى المحكوم بالمؤبد، سيخرج في مبادلة قادمة، لأن قضيتنا وصراعنا مستمران، لقد كان كل الأسرى المحكومين بالمؤبد لديهم طموح بالخروج في صفقة تبادل أسرى، لكن مع اتفاقيات أوسلو، لاحظنا أن هنالك إخفاقاً معيناً ولم تكن قضية الأسرى حاضرة كما يجب (...) وعندما حاولوا أن يصححوا المسألة من خلال اتفاقيات القاهرة، للأسف تعاملوا مع الأسرى كأرقام بلا معايير معينة".

يضيف: "لقد زارني الأخ نبيل شعث داخل السجن، لقد سألته: ما هي المعايير التي تم إطلاق سراح الاسرى عليها؟ لماذا لم تطلقوا سراح أي أسير قام بعملية ضد الاحتلال؟ رد علي قائلاً: لقد أطلقنا سراح ألف أسير، فأجبته: أنتم تتعاملون مع الأرقام (...) يبدو أنكم تركتم مسألة الاختيار بيد الاحتلال".

وفي السياق يتابع: "طبعاً فوجئ شعث من كلامي، لكنه ابتسم وقال لي: في نهاية 1999 سيكون هنالك عفو عام، وسيُطلق سراح جميع الأسرى".

"الأسير لا يحسب عدد السنوات"
يقول كريم إن إحدى الطرق التي تجعل الوقت يمر فيها هو ألا تبدي اهتماماً له، ويضيف: الأسير الذي يعد سنوات عمره، يشعر أن عمره يضيع، ويرى تجاعيد وجهه، لهذا لم نكن نحسب عدد السنوات".


ويضيف أن "الأسرى لا يحتفلون بأعياد ميلاده، فهو يرفض ذلك، يحاول أن يتجنب الحديث عن عدد السنوات كي يشعر بأن الزمن توقف عندما تم اعتقاله، وعندما يخرج من السجن، يبدأ الزمن في الاستمرار (...) لقد دخلت السجن في وعمري 24 سنة، عدت وعمري 25 سنة، وسأستمر".

اللحظة الأولى على الإسفلت
يسرد كريم قصة لحظة خروجه الأولى وقبل لقاء عائلته، ويقول: "عندما أخرجوني من السجن ونقلوني إلى عدة سيارات للمخابرات، نزلت إلى الإسفلت لأول مرة، شعرت أن حياتي بدأت عندما وضعت قدمي على الأرض (...) لقد كانت هذه اللحظة الوحيدة التي لم أكن فيها بمرافقة أحد منذ 40 سنة".

ويختتم بالقول: "أحاول الآن أن أوسع هذه الدائرة وأن أجسد حريتي بكل معانيها، أريد الذهاب إلى البحر وأريد أن أسبح وأدوس على الرمل، أريد أن أشعر أنني إنسان آخر (...) لقد بدأت الإندماج واستعادة نفسي في بلدي، وأريد أن أكمل".