يبدو أن سنة 2022 ترفض ان تطوي اخر اوراقها دون ان تحمل معها مزيد الجروح و الماسي للشعوب المنسية الغارقة في قبضة طالبان و اخواتها …و بعد مأساة الفتاة الايرانية مهسا اميني مع شرطة حماية الاخلاق في ايران و ما افرزته من غضب في ايران و خارج ايران , تفاقمت الاعتداءات التي تطال الافغانيات منذ عودة طالبان الى الحكم ليفرض عليهن البقاء في سجن بلا اقفال و هو سجن تقف على ابوابه طالبان لمنع الفتيات و النساء من الوصول الى المدارس و الجامعات و المؤسسسات و حتى الى الاسواق فالمرأة في عقلية و ثقافة طالبان التي كائن من درجة متدنية ثانية وحتى ثالثة …وعليها أن تقنع بانها تمنح فرصة الحياة والاكل كالدواب …
خلال زيارة اعلامية الى افغانستان سنة 2004 كان المشهد الافغاني بكل ما فيه من فقر و عراء يوحي بوجود مجتمع يسعى لاستعادة انسانيته و حريته المسلوبة و كانت اغلب اللقاءات التي جمعتني خلال تلك المغامرة مع نساء افغانيات من مختلف الاوساط من العاصمة كابول الى خوست على الحدود مع باكستان تجعلك في حضرة نساء من صنف يتعين على العالم ان يكتشف معدنه و كل حكاية من حكايات الافغانيات تحيلك على حجم المعاناة التي تكبدتها كل أم و كل امرأة نالت نصيبا من التعليم و المعارف في تعليم الاجيال و نقل تلك المعارف لهم سرا في اقبية المنازل و في الكهوف بعيدا عن انظار المتطفلين و بمنأى عن الملاحقات و الوشايات فقد كانت تلط الطريقة الوحيدة لضمان استمرار ما تيسر من التعليم …و تمضي السنوات و قد تمكنت الكثير من الافغانيات من كسر الطوق الذي يحاصرهن و دخول الجامعات و المؤسسات وممارسة مهن كانت ممنوعة على المرأة الافغانية التي لم يكن بامكانها اقتحام المشهد الاعلامي بالنظرالى الفتاوى التي تجعل من صوتها ومن صورتها عورة تستوجب جلدها في الساحات العامة …بعد هروب استمرعشرين عاما في الجبال و الكهوف عادت حركة طالبان قبل اكثر من عام في مشهد سريالي لتسطو على السلطة خلال ساعات و تدفع القوات الامريكية الى الهروب من الميدان …الالاف من الافغان استقرؤوا المشهد و بادروا بالهروب و البحث عن مكان على متن الطائرات المغادرة و بعضهم لقي حتفه و هو يتموقع محاولا الاختفاء في عجلة الطائرة و لسان حالهم يردد الموت و لا طالبان …الاكيد أن ما حدث لم يكن نتيجة للصدفة و لم يكن امرا غير متوقعا أو غير مطروح في دراسات و تقارير مؤسسات البحث و الثينك تانك الامريكية التي تطور الخيارات الامريكية الاستراتيجية على مدى عقود طويلة بما يعني أنها كانت تدرك جيدا ان هذا السيناريو قادم …و هو ما يعني أيضا ان كل التحذيرات الصادرة عن الادارة الامريكية لطالبان لا معنى و لا تأثير لها في بلد داخله مفقود و خارجه مولود فقد طلقت حركة طالبان كل الاتفاقات التي رعتها قطر في الدوحة و التي وقعتها مع واشنطنبعد أن فهمت أن مشاغل العالم و اهتمامات صناع القرار ليست في افغانستان و انه بامكان طالبان ان يعيد احياء مشروعه الطالباني و تاسيس الدولة الاسلامية الافغانية التي كانت تعثرت بعد الاجتياح الامريكي لهذا البلد عقب هجمات 2001 …طالبان تشعر اليوم انها قوية و انه لا شيء يمكن ان يمنعها من المضي قدما في تحقيق اهدافها حتى وان كان ذلك سيؤدي الى موت نصف الشعب الافغاني و هي على قناعة بان امريكا لن تغامر بالعودة الى افغانستان لاي سبب كان …طبعا سيتم وقف المساعدات وايقاف عمل المؤسسات الانسانية و لكن لن يكون ذلك على حساب طالبان بل على حساب الشعب الافغاني الذي وضع في مرحلة ما ثقته في الامم المتحدة و في الامريكيين ليكتشف اليومأنه كان غارق في اوهام العدالة الدولية العرجاء …
الواقع ان طالبان و منذ اليوم الاول لعودتها الى المشهد في أوت 2021 لم تخفي أهدافها ومخططاتها للعودة بالنساء الافغانيات الى العصور الحجرية و منعهن من الوصول الى المدرسة و كانت تلك اول اشارة مع انطلاق السنة الدراسية بعد عودة الحركة الى الحكم ثم منع الطالبات من الوصول الى الجامعات ثم منع الموظفات من العمل و منع المدرسات من التدريس و منع النساء عموما من السفرو منعهن من التسوق …وفي كل ذلك تبقى كل المبررات قائمة و مطلوبة مرة بسبب عدم احترام قواعد اللباس وهي بالتأكيد تهمة جاهزة و قابلة للتأويل و التمطيط حسب الامزجة ويمكن أن يكون لظهور شعرة واحدة من شعر رأسها سبب كاف لعقابها و يمكن أن يكون صنتيمتر واحد في طول ثيابها او حجابها دافع ايضا لتجريمها , ومرة بسبب عدم وجود محرم رفيق ذكر و بالغ يرافقها و هو ما يعني انه سيتعين على كل العائلات الافغانية أنتتحول الى حارس يومي لبناتها في تنقلاتهن اليومية وهي مسألة في الحقيقة تعجز في تفسيرها العقول في هذا العقد الثالث من القرن الواحد و العشرين الذي يشهد فيها العالم جريمة مكتملة الاركان و هي جريمة مشتركة تحمل توقيع حركة طالبان و لكن تحمل ايضا توقيع كل من ساعد على عودة هذا التنظيم الارهابي الى الحياة لوأد حياة اجيال ولدت بعد سقوط و انهيار طالبان و غرفت بعض الامل من اجل فرصة في الحياة بعيدا عن العبودية المقيتة للمرأة التي تحاكم لانها ولدت اثنى …
ما يحدث لنساء افغانستان و ما يحدث للكثير من النساء في العالم بسبب الفقر و الجهل و التخلف و الصراعات كما بسبب العقول المتحجرة يرقى الى مرتبة الجريمة ضد الانسانية التي لا تسقط بالتقادم حتى و ان سقطت من اهتمامات صناع القرار و أولهم الذين هيأوا الارضية لعودة طالبان و غيرهم من التنظيمات دواعش العصر ..
كاتبة تونسية