ثلاثة أهداف لحكومة نتنياهو..محمد ياغي

الجمعة 23 ديسمبر 2022 05:56 م / بتوقيت القدس +2GMT



يخلق الصراع العالمي على النفوذ بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى فرصا، وهي فرص يمكن استغلالها لتحقيق مكاسب أو أهداف محددة للدول الوطنية وحركات التحرر الوطني وحتى للحركات الاجتماعية التي تنحصر مطالبها في قضايا اقتصادية أو حقوقية.
لكن ذلك لا يتحقق إذا لم تكن هنالك رؤية وإرادة للاستفادة من هذه الفرص.
في الحالة الفلسطينية، لا يمكن الاستفادة من هذه الفرص دون توفر شرطين أساسيين:
الأول فهم طبيعة المرحلة، بمعنى فهم جوهر الصراع الحالي مع الحكومة اليمينية الفاشية التي يقودها نتنياهو. والثانية، هي وجود قيادة لحركة التحرر الوطني الفلسطيني لديها القدرة على الاستفادة من الفرص الموجودة، حتى لو تطلب ذلك تأزيم الصراع مع إسرائيل وأخذه إلى درجات أعلى قد تكون ضرورية.
في فهم المرحلة، علينا أن ندرك أن الصراع خلال السنوات القادمة مع حكومة نتنياهو سيكون على ثلاث قضايا جوهرية:
الأولى هي مناطق ج، حيث ستسعى الحكومة الإسرائيلية الجديدة لضم أكبر قدر ممكن من مناطق ج التي تصل مساحتها إلى ٦٠٪ من مساحة الضفة الغربية.
سيكون هنالك تكثيف للاستيطان في هذه المناطق، وستتم إعادة طرح مسألة ضم الأغوار التي اعتبرها الرئيس السابق ترامب جزءا من إسرائيل في خطته للسلام والتي حاول نتنياهو ضمها في نهاية عهد ترامب ثم طلبت منه الإدارة الأميركية الانتظار رغبة منها في عدم إحراج شركائها العرب الذين وافقوا وقتها على التطبيع مع إسرائيل.
الثانية هي استكمال التطبيع مع ما تبقى من النظام العربي الرسمي، وفي هذا الإطار سيكون هنالك تركيز على العربية السعودية وضغوط عليها للتطبيع، وإن حدث ذلك، فإن دولا أخرى ستبادر إلى إقامة علاقات مع إسرائيل في خطوة قد يكون هدفها «التضامن» مع العربية السعودية أو «تجنب» الضغوط الأميركية عليها.
نتنياهو أعلن قبل أيام في مقابلته مع «العربية» أن التطبيع مع العربية السعودية سيكون هدفه الأول. للآن ترفض السعودية التطبيع لأن المكاسب منه أقل بكثير من الأضرار الناتجة عنه، لكن الوضع قد يتغير إذا ما وفر اللوبي الصهيوني للعربية السعودية ضمانات أمنية استراتيجية تريدها السعودية من الولايات المتحدة، واستثمارات في المشاريع الناتجة عن رؤيتها ٢٠٣٠، ومساحة إعلامية للدفاع عنها أو أقلها التوقف عن مهاجمتها في الإعلام الأميركي.
نتنياهو يبدو مؤهلاً على الأقل لتوفير الهدفين الأول والثاني للعربية السعودية وسيكون ذلك ممكناً أكثر في ظل إدارة أميركية جمهورية وليست ديمقراطية.
الانتخابات الأميركية بعد سنة تقريبا من الآن واحتمالات عودة الجمهوريين للحكم تبدو عالية.
الهدف الثالث هو التهويد، وهو هنا بمعنى الكسر الفعلي للمحرمات. الحرم القدسي الشريف سيكون في مقدمة أهداف حكومة نتنياهو من ناحية تشريع دخول اليهود المتدينين إليه تمهيداً لتقسيمه مثلما حدث في الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل.
التهويد سيشمل العمل على التخلص من الأحياء العربية في القدس، وستكون هنالك على الأغلب محاولات لطرد الفلسطينيين من حي الشيخ جراح وأحياء أخرى. والتهويد يشمل كذلك تكثيف الضغوط على فلسطينيي الداخل بقوانين تحرمهم من الكثير من حقوقهم وخفض موازنات بلدياتهم بهدف دفعهم للرحيل.
هذه الأهداف الثلاثة لا يمكن مواجهتها وإفشالها دون وجود قيادة فلسطينية تتوفر فيها العناصر الآتية:
أولا، القناعة أو الإيمان بأن المواجهة مع حكومة الاحتلال مُقدمة على أي صراع آخر. بمعنى وجود قيادة فلسطينية تؤمن بأن الوحدة الوطنية ضرورة لمواجهة المشروع الإسرائيلي، وهو ما يعني الاستعداد لتقديم التنازلات التنظيمية من أجل الهدف الوطني الأكبر.
ثانيا، الاستعداد لتصعيد الصراع مع إسرائيل وأخذه إلى مستويات لا يريدها الاحتلال بما في ذلك «إلقاء مفاتيح أوسلو» في وجه الاحتلال وهذا لا يتطلب «حل السلطة» ولكن الإعلان فقط أن السلطة لم تعد مسؤولة عن العمل السياسي أو الأمني وأن مسؤوليتها فقط منحصرة في الجانب المدني، وتحويل مسؤوليتها السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد إعادة تشكيلها لتضم جميع فصائل العمل الوطني والإسلامي.
ثالثا، تجسيد وحدة الساحات فعلاً لا قولاً. والمسألة هنا لا تحتاج إلى الكثير من التوضيح ونختصرها بالقول إن الضفة يجب ألا تترك وحدها في الصراع مع إسرائيل. يجب عدم السماح لإسرائيل «بالاستفراد» بجنين، أو نابلس، أو الخليل، أو غزة.
إذا تم السماح بذلك، ستتمكن إسرائيل من إضعاف المقاومة الفلسطينية في الوقت الذي يجب أن يتم فيه البناء على ما هو موجود حتى يصل لمرحلة لا يمكن لإسرائيل سحقه أو إضعافه.  
بالطبع هنالك ثمن وقد يكون مرتفعاً، لكن البديل هو السماح للاحتلال بالاستفراد بكل مدينة فلسطينية على حدة وتدمير المقاومة فيها.
وحدة الساحات فلسطينياً هي مقدمة أو ضرورة لوحدتها إقليميا ولا يمكن بالقطع توجيه اللوم بعدم الإسناد لأطراف خارجية إقليمية إن لم تكن هنالك وحدة ساحات فلسطينية فعليه.
هنالك مقاومة فلسطينية شعبية صلبة وصادقة ورغبة عارمة برفض الواقع الحالي، لكن كل ذلك لا يمكن أن يحقق هدف إنهاء الاحتلال أو إفشال مخططات الحكومة الإسرائيلية الجديدة على الأقل ما لم تتوفر قيادة فلسطينية يمكنها التعامل مع التحديات التي يفرضها الاحتلال علينا.