يشكل خطاب الرئيس ابو مازن يوم الخميس 5112009 انعطافة سياسية غير مسبوقة في نهج الرئيس السياسي القائم على مبدأ الوصول الى الدولة الفلسطينية المستقلة من خلال المفاوضات كاداة واحدة وحيدة . لقد وصل الرئيس عباس الى قناعة , ولو متاخرا , الى ان سنين طويلة من المفاوضات مع اسرائيل لم تثمر إلا مزيدا من الإستيطان , ومصادرة الأراضي الفلسطينية , ومزيدا من الإعتقالات في صفوف الفلسطينين , ومزيدا من المعاناة على مختلف الأشكال والألوان ومزيدا من المساس برموز السلطة الفلسطينية . كما أُصيب الرئيس عباس بخيبة امل كبيرة من التخلي الباطني عن الدعم لمشروعه من قبل الرسمي العربي لا سيما في مطلبه وقف الأستيطان الإسرائيلي كاستحقاق اولي من بنود خارطة الطريق , من اجل استئناف المفاوضات مع اسرائيل . لكن الشعرة التي قصفت ظهر الرئيس كان التراجع الذي لم يتوقعه من الجانب الأمريكي فيما يتعلق بوقف النشاط الإستيطاني الإسرائيلي . معلوم ان الرئيس الأمريكي باراك اوباما كان منذ الايام الأولى لدخوله البيت الأبيض قد انخرط في الصراع الفلسطيني | الإسرائيلي . تمثل ذلك في خطوتين : اولهما ارساله السيناتور ميتشل مبعوثا رسميا الى المنطقة للبحث عن وسائل حل المشكلة الفلسطينية على اساس " حل الدولتين " , وثانيهما مطالبته اسرائيل بوقف النشاط الإستيطاني الإسرائيلي وقفا كاملا بما فيه ما يتعلق بالقدس الشرقية . هذا التعهد , اوالالتزام, الأمريكي قوبل بردود فعل اسرائيلية قاسية على مستويين : الأول كان المستوى الرسمي , والثاني كان مستوى اللوبي الإسرائيلي في امريكا . نجح الضغط الأسرائيلي في اجبار امريكا على التراجع الذي جاء على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية السيدة هيلاري كلينتون والتي طالبت باستئناف المفاوضات بين الطرفين بدون شروط مسبقة , واعتبرت " التنازلات " الإسرائيلية في موضوع النشاط الإستيطاني " غير مسبوقة" . إذا اضفنا الى هذه العوامل الهزة العنيفة التي طالت الرئيس عباس في موضوع تقرير غولدستون , يكون بالإمكان تصور المسرح الذي يلعب فيه الرئيس , تصور عقلانية القرار الذي اتخذه الرئيس والذي يمكن اختصاره في امرين : الأمر الأول يتعلق في قراره عدم رغبته في ترشيح نفسة لإنتخابات الرئاسة بالرغم من معارضة اللجنة التنفيذة ل منظمة التحرير الفلسطينية , وكذلك معارضة اللجنة المركزية لحركة فتح الأمر الثاني يتعلق بطرحة لثماني نقاط جوهرية كأدوات , وكاساس لفاوضات مستقبلية مع الجانب الإسرائيلي , إذا ما قُدر لهذه المفاوضات ان ترى النور مستقبلا . أعتقد ان الرئيس عباس في خطوته الجريئة كان يخاطب عناوين متعددة ومنها 1. الداخل الفلسطيني الذي يعاني الإنشطار الجغرافي , والتيه السياسي , والقرف من الإستمرار في مفاوضات عبثية طالت عليها السنين , إضافة الى الإحتقان السياسي الذي لا يعرف احد متى ينفجر , وفي اي اتجاه يكون . 2. الحكومة والشعب الأسرائيلي : كان الرئيس واضحا في قوله للإسرائيليين بان" السلام اهم من اي تكتل او إئتلاف حكومي تكون نتيجته دفع المنطقة الى الهاوية" . لكن , اعتقد, ان مخاطبة اسرائيل بهذه اللهجة هو تكرار لخطأ ساد في الرؤيا الفلسطينية الرسمية للصراع . 3. العرب الرسميين , هناك شعور متزايد بين الفلسطينين بأن العرب تركوا الفلسطينيين يحكون جلدهم بانفسهم , ويحصدون ما يزرعون . وبرايي ان الفلسطيني الرسمي ساهم في إبعاد العرب عن قضيته , وهم , العرب الرسميون , يسعون اصلا للتخلص من الهم الفلسطيني لان قرارهم ليس بيدهم اصلا . 4. امريكا , شعر الرئيس بان امريكا خذ لته , وحابت اسرائيل , فأراد خلط الإوراق . لكن الرد الإمريكي على هذا الخلط في اللعبة جاء على غير ما هو متوقع رسميا . الخارجية الأمريكية قالت على لسان رئيستها السيدة كلينتون بانها ترحب بالتعاون مع الرئيس عباس في اي موقع يكون فيه . بمعنى ان امريكا اعتبرت قرار الرئيس عباس بعدم ترشيح نفسه للرئاسة مرة ثانية عبارة عن مناورة القصد منها الضغط على الجانب الأمريكي , واعتبرت ان مثل هكذا مناورات لا تجدي مع الجانب الأمريكي . 5. حماس المطالبة , براي الرئيس عباس ان تعيد النظر في موقفها من انقلابها في غزة ومن موقفها من المصالحة الوطنية . للأسف حماس اعتبرت قرار الرئيس مسالة شخصية . السؤال الذي يُلح الأن على كل شفة فلسطينية هو وماذا بعد؟؟ إن سياسة خلط الأوراق لا تجدي مع كل العناوين التي ذكرتها انفا , المطلوب خطوات اخرى اشار الرئيس الى انه سيتخذها , ولكنه لم يفصح عنها . اعتقد ان معطيات الوضع الفلسطيني الحالي , وهو الوضع غير المسبوق في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية من حيث خطورته على تصفية القضية , تستدعي خطوات اكثر تقدما , خطوات تستهدف مفهوم " السلطة " وليدة مبادئ اتفاقيات اوسلو , وتستهدف مفهوم اطار منظمة التحرير الفلسطينية , المعنى هل نحن في مرحلة تحرير ام في سباق نحو بناء دولة وهمية كانتونية تحت سلطة الإحتلال , هل نحن في سباق لشراء اثاث البيت قبل الحصول على البناء . اعتقد ان قرار الرئيس عباس يجب ان يؤخد على انه الخطوة الأولى في عملية تصحيح الفهم الإستراتيجي للمسار الفلسطيني المستقبلي . اما الدعاة المطالبون الرئيس العدول عن قراره فليست إلا تفسيرا خاطئا لمعاني القرار , وليست إلا عنادا عن العودة الى خط م. ت. ف التاريخي , واستمرارا في تكديس المكاسب الشخصانية . المطلوب بعد خطوة الرئيس الأولية خطوات تقلب الطاولة على الجميع .