انقلاب في ألمانيا.. كيف ذلك! عبد الله السناوي

الجمعة 16 ديسمبر 2022 01:46 م / بتوقيت القدس +2GMT
انقلاب في ألمانيا.. كيف ذلك! عبد الله السناوي



لم يكن معقولاً بأي نظر عابر، أو قابلاً للتصديق للوهلة الأولى، أي حديث عن مخطط انقلاب عسكري في ألمانيا، كأنها جمهورية موز من دول العالم الثالث!
السلطات الألمانية أحبطت مخطط الانقلاب وحاولت في الوقت نفسه التخفيف من وطأته على الرأي العام بادعاء أن التنظيم محدود والأمن متأهب والديمقراطية آمنة.
هذه نصف الحقيقة، وليست الحقيقة كلها.
بدلالات الأرقام: شبكة التنظيم، الذي يطلق عليه «مواطنو الرايخ»، عضويته أكثر من واحد وعشرين ألفاً، بعضهم متمركزون في الجيش الألماني والأجهزة الأمنية نفسها، وتفكيكها استدعى مشاركة ثلاثة آلاف ضابط وجندي في إحدى عشرة ولاية!
خطورة التنظيم في أفكاره وتصوراته ومواقفه ضد المهاجرين والمسلمين وكل ما له صلة بالقيم الإنسانية الحديثة.
لا يعترف بالجمهورية التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية، ولا بأوراقها ومستنداتها، لا يدفع الضرائب، كأنه طبعة ألمانية من تنظيم «التكفير والهجرة»، الذي عانت منه مصر بأوقات سابقة!
يستلهم مخطط الانقلاب تجربة الزعيم النازي «أودلف هتلر» في إحكام قبضته على السلطة، حين وظف حريق مبنى البرلمان «الرايخستاج» عام (1933) لإعلان الطوارئ والتنكيل بخصومه السياسيين.
لم تكن مصادفة أن يشمل مخطط الانقلاب حرق البرلمان الحالي «البوندستاج» والقيام باغتيالات سياسية وإثارة الفوضى في أنحاء البلاد لتقويض مؤسسات الدولة والاستيلاء على السلطة بالقوة.
الظروف اختلفت لكننا أمام قوة من الماضي مسكونة بالمخططات نفسها.
لم يكن التنظيم المتطرف سراً مغلقاً على الاستخبارات الألمانية، التي حذرت قبل شهور من أعمال تخريبية قد يلجأ إليها على خلفية الحرب الأوكرانية.
سوف تتلو محاولة الانقلاب المجهضة محاولات أخرى لإحياء «الرايخ» الألماني، رمزاً للإمبراطورية والقوة والنفوذ في مواجهة ما هو ماثل من تبعية مفرطة للنفوذ الأميركي والفرنسي والبريطاني.
الاعتقاد نفسه تتبناه تيارات وقوى سياسية أخرى تميل إلى اليسار، لكنها لا تتبنى العنف ولا تدعو إلى تغيير النظام بالقوة.
إننا أمام نزوع لإحياء تجربة «هتلر»، التي قوضت وحدة ألمانيا بأثر الهزيمة في الحرب العالمية الثانية، وتقسيمها إلى دولتين شرقية وغربية.
كان جدار برلين، الذي قسم العاصمة برلين، تجسيدا رمزيا لما أطلق عليها «الحرب الباردة».
أولت الولايات المتحدة اهتماماً بالغاً بألمانيا الغربية أمام الحضور السوفييتي القوى في ألمانيا الشرقية، وساعدت بفوائضها المالية في إطلاق «مشروع مارشال» لانتشالها من تحت أنقاض الحرب العالمية الثانية.
لعب «كونراد أديناور» أول مستشار ألماني بعد الحرب دوراً جوهرياً في تأسيس ما يطلق عليها «المعجزة الألمانية».
في ظروف تاريخية مختلفة توحدت ألمانيا تحت قيادة المستشار «هيلموت كول».
كان ذلك من أول مهام إنهاء حقبة الحرب الباردة وانفراد الولايات المتحدة بقيادة النظام الدولي.
الوحدة الألمانية استدعت تطورين مهمين، الأول ــ اضطلاع ألمانيا بقيادة الاتحاد الأوروبي مستندة على قوة اقتصادها بالشراكة مع فرنسا بحيويتها السياسية.
بدأ العالم يتحدث عن «عودة الرايخ» بصورة اقتصادية مهيمنة.
وأخذت ألمانيا تتلمس بحذر فرص إعادة بناء قوتها العسكرية دون صخب كبير، أو إثارة شكوك ترددت طويلاً وكثيراً في الخطاب الغربي إثر الحرب العالمية الثانية.
والثاني ــ التنكر الغربي لكل التعهدات الأمنية، التي قطعت للاتحاد السوفييتي السابق، مقابل موافقته على توحيد الألمانيتين مطلع تسعينيات القرن الماضي، وكان أهمها عدم تمدد حلف «الناتو» إلى الحدود الروسية، أو أن يمثل تهديدا لها.
أسس ذلك لكل ما جرى من صدامات قوى ومآس ماثلة في الحرب الأوكرانية.
أزمة الطاقة والغاز في خلفية مخطط الانقلاب اعتقاداً بأن ألمانيا فقدت دورها وهيبتها وصارت تابعا للولايات المتحدة.
حزب «البديل من أجل ألمانيا» إحدى تجليات الظاهرة نفسها، وقد اعتقلت نائبة سابقة في حملة الاعتقالات الأخيرة.
نظرياً لا يعتبر ذلك الحزب متطرفاً بل شعبوياً، وهو حاضر في المعادلة السياسية طالما يعترف بالقانون ــ حسب السلطات الألمانية.
الأفعال ناقضت القانون والسلطات أنكرت طبيعة التوجهات.
تمدد حزب «البديل» في أزمة اللاجئين واستثمر في العداء للإسلام، اعتدى على المقابر اليهودية، ودعا إلى الحياد في الحرب الأوكرانية.
يستلفت الانتباه ــ هنا ــ أن قيادته اتخذت إجراءات تأديبية بحق بعض نوابه الذين زاروا موسكو.
وجد اليمين المتطرف ذريعة ثانية للتمدد بإثارة الشكوك في جدوى التواجد بالاتحاد الأوروبي حين كان مطلوباً أن تمد بلادهم يد العون للدول التي ضربتها الآثار الاقتصادية والصحية للجائحة.
ثم جاءت الحرب الأوكرانية بتكاليفها الباهظة ليصبح ممكناً أن ينحو ذلك التيار المتطرف إلى محاولة تقويض مؤسسات الدولة كلها بالانقلاب عليها.