عندما احتلت إسرائيل العام 1967 ما تبقى من فلسطين التاريخية وسيناء والجولان، لم يكن ذلك بسبب التفوق النوعي العسكري لدولة الاحتلال على مصر وسورية والأردن، ولكن بسبب أخطاء لهذه الدول في حينها أهمها كيفية التعامل مع المعلومات التي توفرت للقيادة المصرية عن نية إسرائيل بالحرب.
لاحقا لذلك، استمر مسلسل الأخطاء الذي أدى إلى ديمومة الاحتلال للأراضي الفلسطينية والسورية إلى يومنا هذا.
حرب أكتوبر العظيمة التي كانت تهدف إلى تحرير سيناء تم استثمار النجاح النسبي فيها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل واستعادة سيناء منزوعة السلاح مقابل التخلي عن الدعم العسكري للشعب الفلسطيني لتحرير أرضه المحتلة. تم التخلي عن العلاقات مع الاتحاد السوفيتي السابق من أجل علاقات أفضل مع الولايات المتحدة. الحلفاء الدوليون تغيروا ومعه تغيرت أيضا طريقة التعامل مع القضية الفلسطينية.
سورية من جانبها أخطأت عندما رفضت الدخول في حرب استنزاف لتحرير الجولان واستسلمت لفكرة أن الحروب لا تخاض إلا بتوازن عسكري استراتيجي، وهذه العقلية ما زالت إلى يومنا هذا تحكمها إذا ما أخذنا بعين الاعتبار استهداف إسرائيل الدائم لها منذ أن فقدت الدولة سيادتها على أرضها بعد أحداث العام 2011.
أما فلسطينيا فإن أخطاءنا عديدة حيث لم تستثمر فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة التعاطف العربي الشعبي الواسع لبناء جناح عسكري فاعل لها في الأراضي الفلسطينية، واكتفت بالقتال من الأردن ولبنان مع كل ما ترتب على ذلك من الدخول في صراعات جانبية فلسطينية – عربية، وتسلل أمراض النظام العربي الرسمي لفكر المقاومة ومؤسساتها وآليات عملها. وبدلا من أن يكون الخروج من لبنان والاستثمار في الانتفاضة الفلسطينية الأولى وتطويرها لتتحول إلى مقاومة مسلحة وهو فعليا ما كان يحدث تدريجيا على الأرض، تم استثمارها لاتفاق أوسلو الذي أوصل قضيتنا إلى ما هي عليه، اليوم.
قبل العام 1967 لم تكن الولايات المتحدة والدول الغربية الحليفة لها ترغب كثيرا في توطيد علاقاتها بإسرائيل خشية من أن يقيم العرب علاقات استراتيجية مع الاتحاد السوفيتي. بعد نجاح إسرائيل في هزيمة ثلاث دول عربية في عدة ساعات، أصبحت إسرائيل "الطفلة" المدللة للغرب وتحديدا الولايات المتحدة.
نعرف أخطاءنا جيدا لكن ذلك لا يمكننا من استعادة الفرص الضائعة... ما حدث قد حدث ولا يمكن تغيره. والأهم من ذلك أن الحقائق الجديدة على الأرض لا تساعد في بناء مقاومة صلبة يمكنها كسر إرادة الاحتلال وحدها ودون دعم مباشر من عمقيها العربي والإسلامي.
اليوم، هنالك أكثر من 700 ألف مستوطن في الضفة الغربية بما فيها القدس العربية يسيطرون على كل الطرق الرئيسة والتلال ومصادر المياه. اليوم، إدخال "رصاصة" واحدة من الخارج يعتبر مهمة شبه مستحيلة. واليوم، يقف الغرب صفا واحدا في دعم إسرائيل بينما يتسابق العرب على التطبيع معها.
في وضع كهذا، يمكن إيلام الاحتلال، لكن التحرير شبه مستحيل دون إسناد مباشر عربي وإسلامي.
منذ بداية العام، سقط أكثر من مائتي شهيد أقل من ثلثهم في مواجهات مباشرة مع الاحتلال، بينما الآخرون كانوا ضحية "مزاج الجندي الإسرائيلي".
الخسائر الفلسطينية البشرية تتراكم بينما لا تتراكم خسائر الاحتلال بالقدر الكافي ليراجع حساباته، ويقرر أن تكلفة الحفاظ على الاحتلال أعلى من تكلفه تفكيكه.
كي تتحول الكلفة إلى مكسب سياسي لا تكفي المقاومة الفلسطينية وحدها وهناك حاجة لدخول ما يسمى محور المقاومة على خط الفعل المقاوم.
نعلم جيدا أن هناك تنسيقا وتدريبا وربما "تسليحا" بين أطراف هذا المحور، لكن في الصراع المباشر مع دولة الاحتلال يتصرف كل طرف من أطراف هذا المحور وحده.
"حزب الله" لا يرد مثلا على الاعتداءات التي تقوم بها إسرائيل على سورية. إيران تكتفي بالرد على الاعتداءات التي تتعرض لها، وكذلك يفعل ما تبقى من أطراف "المحور" في العراق وفلسطين واليمن.
الأسباب التي تمنع أطراف المحور من الدخول الموحد على خط الصراع مع إسرائيل معروفة: الكل غارق في مشاكله بطريقة تمنعه من المشاركة المباشرة في الصراع مع إسرائيل.
"حزب الله" غارق في المشاكل الداخلية لساحته الرئيسة وفي الدفاع عن مصالح لبنان من الخطر الذي تشكله إسرائيل عليه. سورية تنتظر تعليمات حليفها الاستراتيجي الروسي وهي لن تحصل عليه للدفاع عن نفسها ناهيك عن الدفاع عن الفلسطينيين. إيران تدافع عن نفسها من هجوم غربي يهدف لإسقاط نظامها. وحلفاؤها في العراق يدافعون عن وجودهم السياسي، فيما حلفاؤها في اليمن في حرب مستمرة منذ العام 2015.
هذا وضع لا يسمح للمحور المقاوم رؤية حقيقة أن الكل غارق في الدفاع عن نفسه بسبب أزمات مفتعلة هدفها إضعافهم لحماية إسرائيل. هذا ما يجري في لبنان، وسورية، والعراق وإيران، باستثناء اليمن. لا أحد في الغرب يريد دولا قوية في لبنان أو سورية أو إيران أو لأن قوتها تشكل تهديدا لإسرائيل، وبالتالي يتم إشغال هذه الدول في صراعات داخلية تستنزفها وتبقيها ضعيفة وغير فاعلة.
الحل بالتالي لا يكمن بالانشغال فيما تريده إسرائيل وحلفاؤها، ولكن في تجسيد وحدة هذا المحور بحيث يشكل أي اعتداء على أحد أطرافه اعتداء على الجميع.
عندما يرد "حزب الله" على اعتداءات إسرائيل على الفلسطينيين، وعندما ترد إيران على اعتداءات إسرائيل على سورية، وعندما ترد فصائل المقاومة في فلسطين والعراق واليمن على الاعتداءات على إيران، ستتوقف هذه الاعتداءات وستقوم إسرائيل بإعادة حساباتها كثيرا قبل أن تقدم على قتل الفلسطينيين أو تدمير ميناء في سورية أو تفجير مصنع في إيران.
الفلسطينيون رأس الحربة في الدفاع عن أرضهم، هذه حقيقة، لكن المرحلة تغيرت، ولم يعد كافيا استشهاد المئات منهم لتحرير أرضهم عندما يكون أكثر ما لديهم هو بندقية سرقها أو قام ببيعها أو إيصالها أحدهم للمقاومين.
المحور لا يحدث الكثير عن وجوده في وسائل الإعلام، ولكنه يتجسد بممارسات واضحة تسعى لتعديل ميزان القوة لحسابه، وفي تثبيت معادلات جديدة لمصلحته.