الـمـلـيـار الـثـامـن (1 من 2)..عبد الغني سلامة

الإثنين 28 نوفمبر 2022 11:43 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الـمـلـيـار الـثـامـن (1 من 2)..عبد الغني سلامة



في كل يوم يُولد نحو مائتي ألف طفل حول العالم، أحد هؤلاء الأطفال أكمل بميلاده المليار الثامن لتعداد سكان العالم، متصادفاً مع يوم ذكرى إعلان الاستقلال الفلسطيني 15-11-2022.
من نافذة غرفة ذلك الطفل المحظوظ سنطل معاً على الأفق البعيد، لنتخيل صورة مستقبله، ومعه صورة مستقبل البشرية جمعاء.
كيف وصلنا هذا الرقم؟ وما دلالاته؟
في المراحل المبكرة من التاريخ كان تعداد كل البشر يعادل سكان قرية صغيرة، وكانوا يقطنون ركناً قصياً في شرق إفريقيا. وهناك، في مرحلة ما من ذلك الزمان الغابر، وفي إحدى عصور الجدب والقحط، تعرّضَ الجنس البشري لخطر الانقراض، فبعد أن ظلّت تلك المجموعات البشرية حبيسة القارة السمراء، قررت أخيراً البحث عن مخرجها من الغابة إلى أفق العولمة، فتوجهت طلائعها إلى العالم البعيد (كان ذلك قبل نحو مائة ألف سنة من الآن). يقول بعض العلماء: إنهم دخلوا من جنوب فلسطين، بينما يقول علماء آخرون: إنهم عبروا البحر لأول مرة في التاريخ من باب المندب حتى وصلوا اليمن، ومن ثم واصلوا مغامرتهم حتى ملؤوا الجزيرة العربية، قبل أن يجتاحوا ربوع الأرض. وهكذا، وبعد أن كان تعدادهم بضعة آلاف، صاروا أربعة ملايين عند نهاية عصور الجليد، أي قبل عشرة آلاف سنة، ثم صاروا مائتي مليون في زمن المسيح.
وكما يَسْهل على الأثرياء مضاعفة ثرواتهم بعد امتلاكهم المليون الأول، صار ممكناً لبني البشر بلوغ المليار الثامن خلال قرنين. علماً أنهم احتاجوا أزيد من مائتي ألف عام (هي عمر الهوموسابينس) حتى يصلوا عتبة المليار الأول، حيث بلغوها بالفعل في العام 1805.
وبعد 122 سنة، أي في العام 1927، صار المليار مليارَين، ثم مضت 33 سنة لتعبر البشرية عتبة مليارها الثالث في العام 1960، ثم لتصل المليار الرابع بعد 14 عاماً، أي في العام 1974، ثم الخامس بعد 13 سنة، أي في العام 1987، ولتكمل المليار السادس في العام 1999 قبل أن يلفظ القرن العشرين أنفاسه الأخيرة، ثم المليار السابع في العام 2011. ولبلوغ المليار الثامن قدمت آسيا وأفريقيا نحو نصف مليار إنسان إلى العالم. وجاءت الزيادة الحالية من عشر دول، تتقدمها الهند فالصين ثم نيجيريا.
كان عالم رياضي اسمه مالثوس خرج على العالم سنة 1830 بنظرية مرعبة حول الانفجار السكاني، خلاصتها أن عدد السكان يتضاعف لوغاريتمياً، بزيادة أسرع من وتيرة إمدادات الغذاء للسكان، وأنَّ العالم ما لم يبادر إلى التنبّه إلى هذه المسألة، ويلجأ إلى تنظيم النسل، فإن الحروب والكوارث والمجاعات ستكون الخيار الحتمي للبشرية.
ومن المتوقع أن يصل سكان الأرض نحو 16 مليار نسمة مع نهاية هذا القرن. وطبعاً هذه المليارات من الأفواه بحاجة إلى كميات هائلة من الطعام والمياه والملابس والمدارس والشوارع والمدن. وهذه أرقام مخيفة، وتدق جرس الإنذار لمخاطر هذا الانفجار السكاني الهائل، حيث من المتوقع نشوب حروب طاحنة على المياه والموارد، وحدوث مجاعات، وموجات ضخمة من الهجرة الجماعية نحو الشمال، ضمن سيناريوهات مرعبة، أحدها الحرب النووية.
فيما تقول وجهة نظر مقابلة: إنَّ في الأرض ما يكفي من الموارد والخيرات لمليارات البشر ليعيشوا برغد وطمأنينة، ولكن المشكلة في غياب العدالة في توزيع الموارد، والدول الغربية أساس المشكلة، فلو اختار سكان العالم العيش وفق النمط الأميركي، فسيحتاجون أكثر من خمسة كواكب حتى تكفيهم. وبدلاً من أن تعدّل سلوكها تلقي اللوم على الدول النامية، وتطالبها بالحد القسري من النمو السكاني.
وحسب دراسة نشرتها مجلة «ذي لانست» سيبلغ عدد سكان الكوكب ذروته في ستينيات القرن الحالي، حينها سيصل نحو 10 مليار، ليسلك بعدها مساراً انحدارياً حتى نهاية القرن، وحينها سيصل عدد البشر إلى أقل من 9 مليار إنسان. والسبب تراجع معدل النمو السكاني السنوي من 2.1% (ستينيات القرن الماضي) إلى أقل من 1% في العام 2020. ومن المتوقع أن ينخفض هذا الرقم إلى 0.5% بحلول العام 2050 حسب تقديرات الأمم المتحدة.
تؤكد منظمة الصحة العالمية أن 1 من كل 7 أشخاص في العالم لا يحصلون إلا على الحد الأدنى من الغذاء، أي الحد الذي يقيم أودهم ويؤخر عنهم الموت لا أكثر. وهناك قرابة مليارَي إنسان لا تتوفر لديهم مياه شرب نظيفة، ولا حتى مراحيض! ويموت يومياً بسبب الجوع، أو بسبب سوء التغذية، قرابة المائة ألف إنسان (منهم عشرون ألفاً يموتون وهم يتضورون جوعاً)، والمرعب أن نصف هؤلاء الموتى من الأطفال، ومن البديهي أنهم من دول العالم الثالث.
وهنالك أيضاً مئات الملايين من المشردين والمعوزين، وممّن لا يجدون مأوى، والعاطلين عن العمل، وضحايا الحروب والصراعات الإثنية والطائفية، وضحايا المخدرات والعصابات والإتجار بالبشر. وغيرها من المعطيات التي تدل أن البشرية رغم تقدمها العلمي والتكنولوجي ما زالت متخلّفة إنسانياً.
ومع كل هذه الأرقام، وعلى الرغم من التعداد الهائل لسكان الأرض، إلا أنه يمكن لنا أن نتصور انقراض الجنس البشري كلياً، واختفاءه عن مسرح الحياة لسبب ما، قد يكون بفعل جنون الطبيعة، أو بفعل جنون البشر، ولكن العلماء يؤكدون أن الحشرات لن تختفي أبداً، لأنها تمتلك آليات مقاومة يفتقر لها الإنسان، حينها سترث العقاربُ الأرضَ، وربما تستطيع تطوير ذكائها حتى تتمكن من كتابة قصيدة رثاء لمن كانوا يسكنون الأرض في يوم ما. هذا السيناريو السريالي له أسبابه ومقدماته.
فإذا كان رقم ثمانية مليارات يبدو لنا الآن ضخماً، فإنه سيبدو ضئيلاً في المستقبل البعيد، (ليشطح كلٌ في خياله بقدر ما يريد)، وهؤلاء ستضيق بهم الأرض شيئاً فشيئاً، وليس هناك ما يطمئن أو يؤكد أن الكوكب سيتّسع لهم، أو أنهم سيتعايشون معاً بأمن وسلام، سيّما أن البشر اعتادوا على الحروب والتدمير، وتخريب البيئة، في ظل رأسمالية متوحشة.