التنمّر التركي..صادق الشافعي

الأحد 27 نوفمبر 2022 09:41 ص / بتوقيت القدس +2GMT



ما تقوم به الدولة التركية من أعمال عسكرية واسعة وعنيفة في عمق الأراضي الوطنية السورية، مستغلة الأوضاع والظروف التي تعيشها سورية ونظامها الوطنيان، يشكل حالة من التنمّر العدواني ضد سورية وأهلها ونظامها وقواتها.
لا يغير من هذه الحقيقة كل التبريرات التي تعلنها تركيا وتختبئ وراءها. إنها حالة تنمر تستغل الوضع الخاص وربما الشاذ المفروض على سورية وتعيش فيه منذ بضع سنوات.
بركات هذا التنمر وعملياته العدوانية تمتد لتشمل العراق أيضاً وإن بنسبة ودرجة ومستوى أقل.
وللمفارقة المؤلمة فإن الدولتين: السورية والعراقية كانتا ولفترة زمنية سابقة تشكلان ركنين أساسيين من أركان "النظام العربي". وكانت الدولتان بالإضافة إلى دول عربية أخرى تشكل الثقل الأساسي في المنطقة العربية.
إن السبب والمبرر الوحيد الذي يعلنه النظام التركي لتبرير أعماله العسكرية العدوانية هو الحفاظ على أمنه الوطني وحماية أراضيه من هجمات القوى والتنظيمات المسلحة الكردية، كما يدعي.
ولتحقيق هذا الهدف أعلن النظام التركي أنه قام وسيقوم بضرب وملاحقة هذه القوى الكردية التي تخوض صراعاً مسلحاً ضد النظام التركي ومنذ عدة سنوات؛ لتحصيل مطالب الأكراد كقومية مستقلة بأن يكون لها كيانها السياسي الوطني المستقل. وهي تقوم لتحقيق ذلك بنضال مسلح إلى جانب النضال السياسي لنيل الحقوق التي تنادي بها.
لكن العمليات العسكرية التي يشنها النظام التركي ضد القوى المذكورة لا يقتصر أذاها الواسع على هذه القوى وعلى قواتها العسكرية، بل يمتد ذلك الأذى ليطال هيئات وأطرافاً كثيرة أولها سكان المناطق التي تتواجد بها التنظيمات الكردية وفي أولهم أهل البلاد (السوريون) وقواتهم النظامية والمسلحة. إضافة إلى تجمعات أو مخيمات للاجئين وفارين آخرين من أكثر من منطقة.
تستفيد تركيا من أكثر من عامل في تعاملها مع جيرانها ورسم سياساتها بشكل عام، ووضع خطط قواتها المسلحة بشكل خاص في العمليات العسكرية المذكورة التي تقوم بها على الأراضي السورية:
أول هذه العوامل، أن الدولة التركية، وباستثناء دولة الاحتلال بخصوصيتها المعادية وكذلك باستثناء نسبي يذهب لإيران، ترى أنها القطب أو مركز القوة الوحيد والمتبلور والأكثر استقراراً نسبياً في كل المنطقة وعلى كامل اتساعها.
وهذا ما مكنها من توسيع ومد دائرة نظرها وتدخلها وتأثيرها - ومعها طموحاتها ومصالحها - إلى أوسع مدى وعلى بعد شاسع نسبياً من حدودها الجغرافية.
وثاني هذه العوامل، أنها دولة مستقرة نسبياً في أوضاعها السياسية والمجتمعية والاقتصادية والعسكرية، وفي تحالفاتها الأممية أيضاً (حلف الأطلسي).
وثالث هذه العوامل، الأوضاع الدولية في ظل الحرب في أوكرانيا وتأثيراتها على أوروبا بشكل خاص وعلى العالم بشكل عام، خاصة الأزمة الغذائية وأزمة الطاقة التي امتدت لتطال العديد من دول العالم. ومنذ بداية الحرب وتركيا تحاول لعب دور الوسيط الفاعل مستفيدة من موقعها الجغرافي أولاً وعلاقاتها مع أوروبا وأميركا من جهة ومع روسيا على الجهة المقابلة.
ورابع العوامل، استفادتها في عملياتها العسكرية ومعظم تحركاتها ومناوراتها السياسية من حال السكوت والموافقة والدعم الضمني، وربما وغالباً المؤيد، الذي تقفه الولايات المتحدة. وبالذات مع وجود حضور مصلحي أميركي مؤثر سواء على المستوى السياسي بشكل عام، أو الحضور العسكري أيضاً، وفي مواقع قريبة جداً من مناطق التدخل التركي وبالذات العسكري منها.
وخامس العوامل، استفادتها من حال السكوت الملفت للنظر وعدم الفعل المواجه والمتصدي، أو حتى المعارض بجدية وعلنية، من روسيا لعملياتها.
خصوصاً أن هذه العمليات تتم في غالبيتها الكبرى على الأراضي السورية، حيث تتواجد قوات روسية كتعبير ملموس عن اتفاقية الصداقة والتعاون الموقعة بين البلدين.
وبالطبع فإنها (تركيا) تستفيد من العمليات العسكرية (الغارات الجوية بالذات) المتكررة بفوارق زمنية قصيرة التي تقوم بها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد الدولة السورية ومؤسساتها وضد قطعات ومواقع جيشها العربي السوري.
إن هذه العوامل مجتمعة مقرونة بالأوضاع الداخلية التركية وطموحات أردوغان وحزبه في النجاح بالانتخابات القادمة، تقودان إلى التنمر التركي على كل من سورية والعراق.
والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه الآن: كيف يكون التعامل مع هذا التنمر؟