تغيُّر الموقف الأميركي كان نتاج الإحباط الذي سيطر على أوباما, بعد التعنت الإسرائيلي اليميني المتطرف , الذي يؤمن بسياسة التوسع.ويبدو أن الأمور تتجه نحو التصعيد , في ظل سيطرة القيادات الإسرائيلية المحسوبة على التيار المتشدد في إسرائيل على الحكومة الإسرائيلية , هذا التيار الذي يعمل ليل نهار من أجل فرض رؤية اليهود , التي بدأت بالظهور مع تولي الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو ليبرمان, وما الذي يحدث بالقدس والمسجد الأقصى , من حفريات , وتهويد وتغيير أسماء المدن العربية إلى يهودية , وهدم المباني المقدسية وطرد سكانها إلا بداية تنفيذ المخطط اليهودي الرامي إلى تحقيق أوهام اليهود في المنطقة.نتنياهو يسابق الزمن, ويحاول فرض واقع جديد من خلاله يستعد لجولة مفاوضات جديدة , على قاعدة جديدة تتمكن من خلالها الولايات المتحدة إقناع الرئيس أبو مازن باستئناف المفاوضات من جديد , بلا شرط أو قيد , خاصة بعد تراجعها عن مطلبها للإسرائيليين بضرورة وقف الاستيطان،الإدارة الأميركية من جانبها تركت الطرف الإسرائيلي ولم تعد تمارس أي ضغوط عليه , وفي نفس الوقت ترغب بإحداث اختراق على مسار المفاوضات , ليس إلا على حساب الفلسطينيين , فنراها تضغط وبقوة على الجانب الفلسطيني , عبر بث أوهام الدولة الفلسطينية , وعبر إجراء العديد من اتصالات الطمأنة , والزيارات المكوكية , إضافة إلى احتمال اتخاذ مواقف عدة ,منها : أولاً : الاستمرار بدعم السلطة مادياً , عبر تدفق الأموال من الجهات المانحة , وتقديم المعونات , والمساعدات , للأجهزة الأمنية والوزارات والمؤسسات المختلفة , ودفع رواتب الموظفين في الضفة وغزة . ثانياً : تشجيع الانقسام الفلسطيني , عبر التدخل في شروط المصالحة , وحث السلطة على التمسك بشروط الرباعية المتمثلة بالاعتراف بإسرائيل والاتفاقات السابقة ونزع سلاح الفصائل , وما التهديد الأميركي للسلطة بقطع المساعدات عنها إن هي تخلت عن شروط الرباعية عبر المصالحة الفلسطينية إلا تعزيز لموقف السلطة تجاه حماس , ولإيصال رسالة للأخيرة بأن السلطة تمارس عليها ضغوط كبيرة ولا تستطيع القبول بشروط حماس , وعلى هذه الأخيرة أن تغير من موقفها وتتقدم خطوة نحو الأمام من أجل المصالحة . هذا الانقسام يجعل أبو مازن يتصرف بمعزل عن باقي فصائل المقاومة , وبالتالي الخضوع للإرادة الإسرائيلية والأميركية بخوض جولة تلو الأخرى من المفاوضات التي لن تعطي الفلسطينيين إلا مزيداً من الشقاء , وتكسب الإسرائيليين مزيداً من الوقت لفرض رؤيتهم المتطرفة . ثالثاً : الدعوة للانتخابات دون توافق حتى وإن كانت بدون غزة والقدس , بتشجيع أميركي وأوروبي , وضوء أخضر عربي , وبالتالي تفرغ العقل الفلسطيني , وانشغاله بأموره الداخلية , والإعداد للانتخابات التي ستوافق إسرائيل على تسهيلها وإجرائها في الضفة مقابل الإذعان للمطلب الإسرائيلي بإجراء المفاوضات دون شرط أو قيد. رابعاً : تحسين صورة السلطة عبر إطلاق سراح بعض المعتقلين , ورفع عدد من الحواجز , وتسهيل إقامة قادة فتح بالضفة , كل هذا بثمن , وهو التوقف عن المطالبة بتجميد الاستيطان . خامساً : التوقف إعلامياً من قبل قادة العدو عن التصريحات التي تهدد سلطة أبو مازن مثل دعوة السلطة للاعتراف بيهودية الدولة . سادساً : الإيعاز للإسرائيليين من قبل الإدارة الأميركية بتأخير صفقة الأسرى مع حركة حماس , إلى ما بعد الانتخابات إن كان هناك حقاً قرار بإجرائها بأي ثمن , لأن عقد الصفقة يزيد من شعبية حركة حماس على حساب حركة فتح التي تتزعم السلطة في الضفة المحتلة . السلطة وحركة فتح وعلى رأسيهما الرئيس أبو مازن , في موقف حرج , أمام الضغط الأميركي والإسرائيلي , واستحقاقات المرحلة المقبلة , خاصة بعد فضح أمر تأجيل تقرير غولدستون, وبعد الهبة الشعبية الفلسطينية والعربية والإسلامية التي نددت بموقف الرئيس عباس والذي يجد نفسه الآن في موقف لا يحسد عليه , فلا يستطيع الآن التراجع عن موقفه السابق بعد أن صرح إعلامياً وفي أكثر من مرة بأنه لن يعود للمفاوضات مع الإسرائيليين إلا بوقف كامل للاستيطان , لذا أعتقد أن المرحلة المقبلة ستشهد تجميداً للاستيطان بشكل مؤقت ويعلن عن هذا الموقف إعلامياً , لإنقاذ الرئيس عباس من مأزقه, ومن ثم انطلاق المفاوضات , دون النظر لعودة الاستيطان من عدمه . القادم إذن مخطط يلوح بالأفق , ولن يستطع أبو مازن ولا حركة فتح , مواجهة هذا المخطط , بعد أن أسقطوا كافة الخيارات وابقوا خيار المفاوضات , وجعلوا من حركة فتح حركة تعتمد على الأموال التي تصل إليها من أجل ألاستمرار بالتفريط والتنازل .كاتب من غزة