فى السياسة الميكيافيلية تسقط كل ألأعتبارات ألأخلاقية وألأخلاقية والأنسانية ، وتسيطر ألأعتبارات والمصالح النفعية المادية ، وفى سبيل ذلك يرسى ميكيافيلى لمبدأ الغاية تبرر الوسيلة ، والغاية والهدف عنده هو الحفاظ على الحكم والسلطة ، وطاعة الحاكم ، وبسط سيطرته ونفوذه والقضاء على منافسيه ومعارضيه وخصومه ، مبررا للحاكم اللجؤ ألى كل الوسائل وألأساليب بما فيها الخداع والكذب ، ولذلك يطلب من أميره أن يكون أسدا وثعلبا فى آن واحد ، ألأسد رمزا للقوة والسطوة ، والثعلب رمزا للدهاء والخداع والكذب . والهدف الذى من أجله قدم ميكيافيلى نصائحه ألى أميره ما زال قائما حتى وقتنا الحاضر ، وهو الذى يفسر لنا الكثير من ألأعراض السياسية التى تعانى منها دولنا ومجتمعاتنا ، من تخلف وعنف وأزمات أقتصادية وأمنية وتراجع فى مستوى الحقوق والممارسة ألديموقراطية .هذه المقدمة السريعة كان لا بد منها وحالة المصالحة الفلسطينية تتراجع وتتدهور و العلاقات الفلسطينية الفلسطينية تتحول إلى حالة من العداء الغير مسبوقة فى مراحل النضال من اجل أنهاء ألأحتلال ، ويفقد الخطاب ألأعلامى والسياسى الفلسطينى كل قيم النضال ، وقد يكون نموذجا للسياسة ألميكيافيلية ، فالمفردات الأعلامية التى نسمعها ، لم نسمعها حتى فى حربنا ألأعلامية مع أسرائيل . والسؤال الذى نطرحه فى هذا الزمن اللامعقول فلسطينيا ، الى أى مدى تنطبق الوصفة اليكيافيلية على الحالة الفلسطينية المعقدة ؟ وهل بات التمسك بالحكم والسلطة هو الهدف والمحرك لهذا الخلاف والصراع الفلسطينيى بين حركتى فتح وحماس على الرغم من كل ما قيل عنها أنها سلطة على ورق ؟وبإستقراء ومتابعة الواقع الفلسطينى وأحداثه ومشاهده الدراماتية منذ أن سيطرت حماس على غزه ، وحتى قبل أن تفوز فى ألأنتخابات وتشكل الحكومة الفلسطينية ، نجد أن مظاهر الميكيافيللية ونصائحها قد سيطرت على التفاعلات السياسية الفلسطينية ، وحكمت ألى حد بعيد العلاقات بين فتح وحماس ، ولقد تأكد ذلك من خلال اللغة التى قد سادت جلسات الحوار الفلسطينى وأستمرارها دون مبرر ألا بهدف الحصول على أكبر قدر من المكاسب لكل طرف ، وبعد أكثر من عامين على جلسات الحوار ، وبعد أكتمال ورقة المصالحة الفلسطينية المصرية ـ وقبل لحظات من التوقيع أنقلبت ألأمور بشكل غير متوقع وهذه المرة بسبب تأجيل التصويت على تقرير جولدستون والذى هدد المصالحة بالكامل وبلغة ميكيافيلية هل كان هذا هو السبب الرئيس ؟ اليست المصالحة علاج لكل نقاط الخلاف الفلسطينية ؟اوليست هى الضمانة لعدم تكرار ما حدث لتقرير جولدستون أو غيره فى المستقبل؟ وعلى الرغم من أحتواء تداعيات التأجيل بشكل سريع مما يعطى ألأنطباع أن العقبة الكبيرة فى طريق المصالحة قد زالت ، عدنا ثانية نبحث عن أسباب للتأجيل ، ولو نظرنا بعمق لكل ما يحدث لأمكن القول أن ورقة المصالحة فيها ما يكفى لتحقيق والوصول ألى نقاط أتفاق أكبر من ألأختلاف ، لكن تبقى اللغة المكيافيلية مسيطرة على فكر البعض .وكان المرسوم الرئاسى بالدعوة لأجراء ألأنتخابات الرئاسية والتشريعية فى موعدها ، وانا من المؤيدين لأحترام الدستورية والألتزام بها مع توفر ظروف نجاحها ، ليفجر ما تبقى من خلاف ، لكنه فى الوقت ذاته يضع الجميع أمام خياراته المحدودة . وعلى الرغم من أن لا خلاف على الدستورية والشرعية التى توفرها ألأنتخابات للجميع ،ألا أن هذا المرسوم أخذ كمبرر لتوقف المصالحة ، والمنطق يقول عكس ذلك تماما .وهنا وهذا ما أحذر وأتخوف منه ، أن تكون هناك حلقة ميكيافيللية مفقوده وغير مرئية داخل القوتين الرئيسيتين ، بل قد تكون هناك أيضا حلقات منها كثيرة لا تريد المصالحة أن تتم وتريد للأنقسام أن يستمر تحت الحجج والذرائع التى يسوقها كل طرف وكل منهما لديه القدرة على خلق وأبتداع الكثير منها ، فدائما العقل التآمرى لديه مثل هذه القدرة ، وكل ذلك بهدف ميكيافيللى بالمحافظة على الحكم و السلطة ، والذى يقع تحت سيطرتهاويدها ومساحته لا تتجاوز حدود الكرسى أو القاعة التى يمارس فى داخلها . هذه الحلقة يقف ورائها ما يبرر الحديث عنها ، ومرة ثانية انا لا أشكك فى دستورية المرسوم الرئاسى وأهمية ألأستحقاق الدستورى وحتميته ، لكن السؤال هنا وبلغة ميكيافيللية أليس كان من الممكن التاجيل حتى يتم التوقيع ،؟ وهل أن أفراد هذه الحلقة كانت لا تريد للمصالحة أن ترى النور لذلك ضغطت فى أتجاة أصدار المرسوم لأنها تعرف موقف حماس مسبقا ، متذرعة بألأستحقاق الدستورى . وبالمقابل وفى الجانيب ألأخر اليس من الممكن التوقيع على ورقة المصالحة قبل الخامس من والعشرين من أكتوبر ، وكنا بذلك تفادينا هذه ألأزمة الجديدة والمفتعلة ، وبالتالى من كان يريد ذلك كان يعرف مقدما أن هذا سيدفع الرئيس عباس لأصدار المرسوم ، وبالتالى تذهب المصالحة أدراج الرياح ، وهنا تلتقى مصالح الحلقة المكيافيللية فى الطرفين ، وكل هذا لأحتفاظ كل منهما بالحكم فى منطقة نفوذه وسيطرته .,اخيرا أرجو ان اكون هذه المرة مخطئا فى تصورى وتفسيرى لما حدث ، لأنه لو كان هذا ألأمر صحيحا فلن ترى المصالحة النور ولينتظر الشعب الفلسطينى مزيدا من المعاناة والحصار وهذه المرة على يد قادته وسياسيه الذين أختارهم للحكم والسلطة . اكاديمى وكاتب عربى