يديعوت أحرونوت- بقلم ناحوم برنياع تجري قيادة جهاز الأمن مؤخراً جدالاً على الوضع في “المناطق” [الضفة الغربية]. قد نصوغ الأسئلة على النحو التالي: هل نتجه إلى انتفاضة ثالثة؟ وكبديل، هل نتجه نحو وضع عضال، وإرهاب بقوى متدنية، في القدس والضفة تجاه الجنود والشرطة، وتجاه المستوطنين؟ هل يمكن لانفجار عام، يقيم علاقات جديدة بين إسرائيل والفلسطينيين، أن يكون أفضل من استمرار التدهور؟ والفيل الذي في الغرفة، ذاك الذي يمنع الضباط لابسي البزات من الحديث عنه: ما دور الحكومة المرشحة فيما سيحصل، ماذا ستفعل وماذا سيفعلون لها؟
واحد على الأقل من قادة أذرع الأمن أطلع نتنياهو على الوضع هذا الأسبوع. ومع ذلك، يمكن الافتراض بأن السياسة ستنتصر في منافسة بين احتياجات الأمن والاضطرار السياسي. نتنياهو يأكل بعد الانتخابات ما طبخه قبلها.
الجيش الإسرائيلي لا يرى النهاية رغم مضي سبعة أشهر من حملة “كاسر الأمواج”. الوضع تحت السيطرة، نشاط الإرهاب مقيد، ولكن لا سبيل لوضع حد له. فهو يعتمد على شبان بلا أمل، بلا مستقبل، ليس لهم هوية تنظيمية ولكن لهم وفرة من الوسائل القتالية. ما كان ينتهي ذات مرة بالحجر ينتهي اليوم بإطلاق النار.
الانفجار الذي يتحدثون عنه قد يأتي من ثلاثة اتجاهات: الأول، حدث إرهابي جماعي، من النوع الذي شهدناه في أثناء الانتفاضات، والثاني، تفكك السلطة الفلسطينية؛ فأبو مازن ابن 87، ولن يدوم إلى الأبد؛ الثالث، حدث فتاك بين الفلسطينيين والمستوطنين. الشارع الفلسطيني يرد بالتسليم بقتل المسلحين. الموت جزء من الصراع، يثور على موت غير المشاركين، ولا سيما إذا حصل باحتكاك مع مستوطنين.
في الحكومة المرشحة وزراء يسعون لحل السلطة الفلسطينية. يفكرون بضربها، ودفن فكرة الدولتين، ثم ضم الضفة. أما الجيش والشاباك فيعتمدان على الأجهزة: في الأماكن التي يريدون ويمكنهم أن يعملوا، فهذا عملهم حيوياً للأمن، لكن الأجهزة آخذة في الضعف، ولا مفر من التفكير في اليوم التالي. نتنياهو يعرض أبو مازن كعدو. عندما يختفي سيفقد نتنياهو عدوه الأكثر راحة.
تركيبة الحكومة وروحها تقلقان واشنطن، وغرب أوروبا، والأردن، والإمارات، وفي الأساس في الداخل. بن غفير لا يقف وحده، فهو الاستثنائي الذي يشهد على القاعدة. هذا سبب آخر للانشغال بتعيينه.
طوبى لعود الثقاب
يقف مكتب وزير الأمن الداخلي في حي الشيخ جراح شرقي القدس؛ عشر دقائق سيراً عن شارع الخصام الذي أعطى إيتمار بن غفير مجده. بني المكتب في الأصل لرئيس الوزراء مناحم بيغن. عندما أوشك على الانتقال أوضحت له حكومات أجنبية بأن ليس لها مفر غير مقاطعته: فأقدام قادتها لن تطأ مكتب رئيس وزراء في أرض محتلة. فهم بيغن بأن ما يراه من هنا، لا يراه آخرون من هناك، فتراجع. التراجع لم يضر بحد ذاته بصورته كزعيم وطني يميني.
من يرى في بن غفير مهرجاً غير ضار، فسيطبل وراءه معية الكاميرات داخل المكتب. فهل ستعلق صورة الحاخام كهانا على الحائط؟ سيسأل بلطف حضرة الوزير. هل تفضل جلب صورة باروخ غولدشتاين من المخزن؟ وحضرة الوزير سيرد، بابتسامة دوبي سخية، لنحيا ونرى.
ليس تصميم المكتب هو ما يقلقني، ولا ماضي الوزير المرشح. إن ما يقلقني ويقلق غيري هو المستقبل. من اليوم الذي أعلن فيه بن غفير بأنه سيكون وزيراً للأمن الداخل، أحاول أن أفهم ما الذي سيفعله هذا التعيين لأداء الشرطة في الميدان، ولعلاقات اليهود – العرب، وأساسا، لوضع الأمن في الضفة وإسرائيل. الخطر واضح وفوري. لا يدور الحديث عن سياسة، بل عن دم.
كل يوم خميس ينعقد محفل في غرفة الجلسات في مكتب الوزير في رمات غان، يبحث في الإرهاب اليهودي. يشارك في الجلسات رجال الدائرة اليهودية في الشاباك ورؤساء المباحث في الشرطة. المعلومات سرية. بعضها يتعلق بخطوات تجاه زبائن بن غفير في الماضي وشركائه في الطريق. عومر بارليف، الوزير الحالي، يشارك في كل بحث. هل بن غفير مؤهل للمشاركة؟
تطبيع غير المطبع، هكذا يسمي ذلك نائب الوزير يوآف سغلوبيتس.
سيحج بن غفير بعد تعيينه إلى الحرم، وذلك جزء من موقفه. طوبى لعود الثقاب: حتى لو لم يطالب بتغيير حرف واحد في العلاقات في الحرم، فوجوده في المكان سيشعل النار.
لمنفعة القارئ، جمعت بضعة أحداث شرطية في الولايات الحالية والتي تطلبت تدخل الوزير. ماذا سيفعل بن غفير، التخمين ليس صعباً.
هكذا مثلاً، بتعليمات من بار- ليف، يجتاز اليهود الذين يحجون إلى الحرم تفتيشات دقيقة، بما فيها تفتيشات جسدية. والسبب أن بينهم من يحاول تهريب أغراض صلاة إلى الحرم. في “العُرش” مثلاً أُمسك بشاب هرّب عوداً أخضر في سرواله. وقد خطط لامتشاق العود في ساحة المسجد بهدف إغاظة حراس الأوقاف وإثارة أعصاب أفراد الشرطة والتسبب بحدث عنيف في المكان الأكثر حساسية في الشرق الأوسط.
في واحد من الأحداث داخل الحرم، رشق مخلون بالنظام الحجارة على أفراد الشرطة من داخل المسجد الأقصى. رداً على ذلك، ألقى أفراد الشرطة قنابل صوت داخل المسجد. وكان الضرر أكبر من النفع. في أعقاب الحادثة، وجه بار-ليف الشرطة بألا يستخدموا القنابل إلا بأمر من المفتش العام أو قائد اللواء.
لقد درجت الشرطة على إطلاق النار على المخلين بالنظام من الفلسطينيين ببنادق روجر. والهدف من ذلك إصابتهم بالأرجل. قضى بار-ليف بأنه يجوز للشرطي إطلاق النار من الروجر فقط حين يشعر بخطر على الحياة. المفتش العام كوبي شبتاي ثار. “لا صلاحيات لك”، كتب للوزير، وأرفق فتوى قانونية. توجه بار-ليف إلى المستشار القانوني مندلبليت، الذي أمر المفتش العام بإطاعة تعليمات الوزير.
تعهد بن غفير في الحملة بسياسة معاكسة: إطلاق النار على المخلين بالنظام بكل الأدوات، بكل الرتب، في كل الأماكن؛ وسيكون هناك إسناد تلقائي لكل نار يطلقها شرطي أو جندي. باختصار، الشرطة مثابة فيلم طرنتينو. إذا كان من صوتوا له من الجنود يشكلون 30 في المئة، كما قال لي مصدر سياسي، فمعقول الافتراض بأن 50 في المئة من أفراد الشرطة صوتوا له. “هذه مجرد أقوال”، يهدئ نتنياهو. أفراد الشرطة لا يفكرون بأنها مجرد أقوال. بل يفكرون بأنها تعليمات العمل.
مكافحة الجريمة في الوسط العربي، التي بدأت تعطي ثمارها الأولية، تستوجب التعاون مع رؤساء البلديات والنواب. عشية الانتخابات، دعا الوزير المرشح لحملهم جميعهم على طائرة وإبعادهم إلى سوريا. هذه بشرى ليست طيبة لمواصلة الحرب ضد الجريمة.
لقد درجت الشرطة على إنزال أعلام فلسطين خلال الأحداث. وكان هذا أحد الأسباب للحادثة المحرجة، بمقاييس دولية، التي وقعت في أثناء جنازة الصحافية شيرين أبو عاقلة في أيار. وعقب الحدث، طلب بار-ليف تفعيل التفكر. نحن غير ملزمين بمهاجمة كل علم. لم تستطب الشرطة هذا، لكنها اضطرت للإذعان.
المفتش العام كوبي شبتاي، هو ضابط مقاتل، لا يحتاج إلى وزير يشجعه. أحياناً يحتاج إلى عكس هذا، إلى وزير يلجمه.
في تشرين الأول قتل مخرب المجندة نوعا لازار في مدخل مخيم اللاجئين شعفاط. فرضت الشرطة طوقاً متنفساً على المخيم. وبعد ثلاثة أيام أدرك كل من “الشاباك” و”الشرطة” بأنه لا توجد منفعة أمنية في الطوق. وحذرت الاستخبارات من أنه إذا لم يرفع الطوق، فستحدث موجة أعمال إخلال بالنظام في وادي عارة، وشرقي القدس وحيفا. ولكن لم يتطوع أحد لتسجيل اسمه على قرار غير شعبي. أما بار-ليف فحسم بدلاً منهم.
باختصار: تعيين بن غفير وزيراً للأمن الداخلي ليس فشلاً أخلاقياً وتسيباً سياسياً فحسب، بل هو لعب بالنار. ونتنياهو يدرك ذلك، لكن ليس مهرب له. لعل هذا هو انتقامه على تحقيقاته في الشرطة. وليس بن غفير سوى عملية رد.