انتصار العنصرية الفاشية في "إسرائيل" ينذر بـ"الانفجار العظيم"من البحر إلى النهر

الأربعاء 02 نوفمبر 2022 03:31 م / بتوقيت القدس +2GMT
انتصار العنصرية الفاشية في "إسرائيل" ينذر بـ"الانفجار العظيم"من البحر إلى النهر



القدس العربي/سما/

لم يهبط غبار الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية بعد، ولم تنته عملية فرز الأصوات رسمياً بشكل نهائي، لكن من الواضح أن معسكر نتنياهو قد فاز بالحكم، وأن الفاشية الكاهانية (أتباع الحاخام العنصري الراحل مئير كهانا) قد انتصرت.

في المقابل تقلص حجم “اليسار الصهيوني”، وتراجع التمثيل العربي في الكنيست، رغم ارتفاع نسبة التصويت لدى فلسطينيي الداخل، حيث بلغت نحو 55% مقابل 45% في الانتخابات السابقة عام 2021. وبعد فرز 80% من الأصوات فإن النتائج على النحو التالي:

الليكود (31 مقعدا)

“يش عتيد” (24)

 الصهيونية الدينية (14 مقعداً)

 شاس (11)

 يهدوت هتوراة (09)

يسرائيل بيتنا (05)

 العمل (04)

الجبهة/التغيير (05)

 والقائمة العربية الموحدة (05)

 ولم تعبر نسبة الحسم قائمة “التجمع الوطني الديموقراطي” برئاسة سامي أبو شحادة، و”ميرتس” بقيادة زهافا غالؤون، والبيت اليهودي برئاسة أييلت شاكيد.

 في محصلة النتائج العامة نجح معسكر نتنياهو بتأمين أغلبية 61 مقعداً على الأقل (من بين 120 مقعداً عدد مقاعد الكنيست)، وهو يشق طريقه للعودة لسدّة الحكم وتشكيل حكومة سادسة، بعد خمس جولات انتخابية متتالية منذ ربيع 2019، وهذه المرة مع شركاء أشد تطرفا من تيارات الصهيونية المتدّينة التي ارتفعت قوتها بما يتعدى تنبؤات استطلاعات الرأي. وهذه المرة لن يتردد نتنياهو بتشكيل حكومة ضيقة تعتمد على الكاهانية العنصرية، أولاً لأنه عملياً لا يكترث بالمجتمع الدولي الذي امتنع عن معاقبة إسرائيل، مكتفياً بضرائب شفوية، ناهيك عن رغبته بمثل هذه الحكومة من أجل الإقدام على تعديل القانون أو القيام بإجراءات أخرى من أجل إلغاء لائحة الاتهام ضده خادماً مصلحته الشخصية في الأولوية الأولى.

 وقد وصل نتنياهو هذه الجولة الانتخابية جائعاً للسلطة، وجريحاً يدافع عن نفسه من السقوط النهائي، وربما من السجن، ولذا حرص على أن يكون منظمّا ومهتما بترتيب أوراق أحزاب معسكره، وباجتذاب جماهير هدف محددة في مدن الضواحي التي يقطنها يهود شرقيون بالأساس، وأنصار “الليكود” ممن استنكفوا عن التصويت له في الجولة السابقة.

  كما واصل نتنياهو في استخلاص الدروس من أخطائه مستمراً باستراتيجية الاحتواء، بدلاً من الاستعداء، في تعامله مع فلسطينيي الداخل، الذين ردوا له الصاع صاعين في جولات سابقة، عندما حرضّ عليهم وحاول نزع شرعيتهم، وبالتالي تدفقوا على الصناديق للمشاركة بقوة في إسقاطه.

 في المقابل كان رئيس الحكومة، رئيس حزب “يش عتيد”، قد أهمل معسكره، ولم يهتم بتوحيد حزبي “العمل” و”ميرتس”، الذي لم يعبر حتى الآن نسبة الحسم، علاوة على عدم التدخل لمنع تفكيك “المشتركة”، وبالتالي خسارة أصوات “التجمع الوطني”، التي تعادل نحو ثلاثة مقاعد، وكانت كافية لتغيير موازين القوى في غير صالح نتنياهو.

تغيرّات عميقة
وتعكس نتائج الانتخابات تحوّلات عميقة وجذرية لدى الإسرائيليين، أهمها تصاعد التيار الديني المتزمت والتيار الصهيوني العنصري الفاشي، بل انتصار “الكاهانية”، كما قالت صحيفة “هآرتس” في افتتاحيتها هذا الصباح، وكما قال وزير الشؤون الإقليمية في الحكومة المنتهية ولايته عيساوي فريج، في تصريح للإذاعة العبرية، إن إسرائيل باتت أكثر عنصرية، وإن الكثير من الإسرائيليين صوتوا بدوافع الكراهية للعرب وتابع معرباً عن خيبة أمله وقلقه: “نحن لسنا في منزلق خطير، بل نحن على حافة الهاوية”.

يتمثل هذا المّد الفاشي الصهيوني بارتفاع قوة “الصهيونية الدينية” من خمسة إلى 15 مقعداً، وحزب “شاس” من ثمانية إلى 12 مقعداً، ويهدوت هتوراة من سبعة إلى تسعة مقاعد، فيما حافظ الليكود على قوته مع 32 مقعداً.

 وتستمد هذه الأحزاب المتشّددة قوتها من كراهية متفاقمة للعرب، وحملات التحريض والترهيب من العرب، وحملات شعبوية لنزع الشرعية عن الأحزاب العربية، حتى عندما شاركت القائمة العربية في الائتلاف الحاكم المنتهي ولايته.

وكان قادة أحزاب اليمين المعارضة قد سارعوا للزعم بعد كل عملية فلسطينية باتهام “حكومة التغيير” بأنها عاجزة لأنها ضعيفة ولأنها تعتمد على قائمة “الإخوان المسلمين”، في إشارة لـ “لقائمة العربية الموحدة” برئاسة منصور عباس، رغم أن الأخير اعترف بإسرائيل دولة يهودية، وقدم تنازلات سياسية كثيرة. وكانت هذه الجهات اليمينية قد استغلت هبة الكرامة في مايو/أيار 2021، والصدامات التي تخللتها بين العرب واليهود داخل أراضي 48 لترهيب الإسرائيليين من “العدو الداخلي”، علاوة على التلويح بفزاعة “فقدان الأمن الشخصي” في منطقة النقب، بسبب ما اعتبروا أنه عدم احترام العرب البدو هناك للقانون والتصرف كما يحلو لهم وتهديد جيرانهم اليهود.

تمرد الإسرائيليين الشباب وانتصار الكراهية
واستقطب حزب “الصهيونية الدينية” بقيادة باتسلئيل سموطريتش وايتمار بن غفير الكثير من دعم الفئات العمرية الشبابية اليهودية، ومن بينهم الكثير من شباب اليهود المتزمتين الأورثوذوكس (الحريديم) ممن تمرّدوا على النخب السياسية اليهودية التقليدية، وباتوا يبحثون عن “قيادة قوية” تنسجم مع توجهاتهم المتطرفة ومع كراهيتهم للعرب، فجاءت حملات أحزاب اليمين الشعبوية مع خطاب الكراهية والترهيب بعدة فزاعات، كما حصل في دول غربية أخرى تشهد ارتفاعاً في تيار الفاشية المستفيدة من حملات العداء للأغراب والمهاجرين والإسلاموفوبيا.

تقاليد الفزعة العربية
وبخلاف استطلاعات الرأي الإسرائيلية، زادت نسبة المشاركين العرب في عملية الاقتراع بـ 10% لكنها لم تكن كافية لحماية قائمة “التجمع الوطني الديموقراطي” من السقوط، وذلك بسبب ارتفاع نسبة التصويت لدى اليهود بنحو 6% مما رفع نسبة الحسم، وذلك بخلاف كافة الاستطلاعات التي تنبأت بتراجع نسبة التصويت، مثلما فشلت أيضاً توقعات المتنبئين بأحوال الطقس ممن حذروا من يوم ماطر، لكن المطر لم يأت وبقي يوم الانتخابات خريفياً لطيفاً.

 وكانت نسبة تصويت أصحاب حق الاقتراع العرب قد بقيت منخفضة طيلة النهار بسبب حالة ركود ولامبالاة وعزوف عن المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية تجلت في انتخابات الكنيست عام 2021، وهي حالة ناجمة عن خيبة أمل من “حكومة التغيير” وعدم استشعار فارق جوهري بين يمين ويسار، وخيبة أمل من الأحزاب العربية التي فككّت القائمة المشتركة عدة مرات. يضاف لذلك انشغال أعداد كبيرة من فلسطينيي الداخل بموسم قطيف الزيتون البالغ ذروته هذه الأيام، ولكن الأحزاب العربية التي استشعرت الخطر الداهم عليها لجأت لما يعرف بـ “الفزعة”، عبر حملات استغاثة ومناشدة واستنهاض همم دفعت فئات من الناخبين العرب لمغادرة بيوتهم والذهاب لصناديق الاقتراع، علماً أن حملات اليمين والخوف من تصاعد “الصهيوينة الدينية” قد لعب دوراً أيضاً في زيادة التصويت العربي.

تبعات الانتخابات على الصراع
لكن رغم ارتفاع نسبة تصويت العرب، نجح معسكر نتنياهو بالعودة للحكم، وهو يتجّه لتشكيل حكومة للمرة السادسة في مسيرته، رغم كونه متهما بلوائح اتهام خطيرة بالفساد، وهذا بعدما كان قد فشل في جولات سابقة بالعودة لمنزل رئاسة الوزراء، وبمساهمة الناخبين العرب الذي نجحوا في إسقاطه عدة مرات، ومعه ساهموا في إسقاط “صفقة القرن”. على خلفية كل ذلك هناك من يرى أن “العملية قد نجحت لكن المريض مات”، في إشارة لفوز نتنياهو واليمين المتشدد، رغم ارتفاع نسبة تصويت العرب بشكل كبير.5 ورغم أن الأحزاب المتشددة أميل للاعتدال عندما تشارك في السلطة فإن هناك احتمال ألا يحصل ذلك في إسرائيل في هذه المرة، خاصة أن قادة الصهيونية الدينية عادوا وأكدوا، ليلة أمس، أنهم مصممون على تشكيل حكومة يمين كاملة، وتطبيق ما وعدوا به من تشديد قبضة الشرطة على العرب لـ “حفظ الأمن في الشارع واستعادة الشعور بالأمان” وفتح الحرم القدسي الشريف للصلاة اليهودية وغيره. مثل هذه الحالة المرتقبة تنذر بتوترات متزايدة بين العرب واليهود، وتصبح خطيرة مع اقترانها بتوترات أشد مع الشعب الفلسطيني، خاصة في ظل توقعات بزيادة الانتهاكات للحرم القدسي الشريف ومحاولة الزحف قدماً نحو تقاسم الأقصى مكانياً وزمانياً كما حصل مع الحرم الإبراهيمي في الخليل.

برميل بارود
مع الكشف عن هذه النتائج، ربما تعود السياسة العربية في إسرائيل للتراجع والعزوف عن المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية، خاصة إذا ما تحققت التوقعات الخاصة باحتمال تصعيد الصراع مع الاحتلال. في ظل حكومة يكون فيها نتنياهو أسيراً سياسياً بيد حزب “الصهيونية الدينية” المتجهة لتغييرات خطيرة تعتبر نوعاً من اللعب بالنار هناك مخاوف حقيقية من أن تقدم أوساط صهيونية متطرفة على المساس بالقدس وبالأقصى وتصعيد انتهاك حرمته، مما ينذر بانفجار شديد كون الأقصى “برميل بارود” يسبب العبث به بانفجار كبير، كما تدلّل تجربة التاريخ في القرن الأخير، خاصة هبة البراق عام 1929 التي سادت فيها صدامات مدوية من الجليل إلى الخليل، ومقتل وإصابة المئات من اليهود والعرب، وكذلك هبة القدس عام 2000، التي أشعلتها زيارة شارون للحرم القدسي الشريف، ودفعت نحو الانتفاضة الثانية.

 على خلفية كل ذلك، وفي ظل انسداد الأفق السياسي، ربما تفضي هذه النتائج الإسرائيلية إلى تأجيج الصراع مع الشعب الفلسطيني على طرفي الخط الأخضر، ودفعه نحو مسار “الصراع البلقاني”، الذي يعني الانزلاق لنوع من الحرب الأهلية، فالأجواء مرشحة لأن تكون مشبعة بالبنزين أكثر فأكثر، وتنتظر عود ثقاب يشعل البلاد، ومن المرجّح أن تكون الشرارة مقدسية. ولذا ربما تكون اليوم قد بدأت مرحلة جديدة تقود تحولات نحو عودة الصراع للمربع الأول، إلى 1948، حيث يجد الفلسطينيون، في طرفي الخط الأخضر، أنفسهم أمام نظام فصل عنصري أبرتهايد، أكثر من أي فترة مضت.