خبر : استقالة عباس... ودوامة "حماس"!:....د.. أحمد جميل عزم

الخميس 29 أكتوبر 2009 01:23 م / بتوقيت القدس +2GMT
استقالة عباس... ودوامة "حماس"!:....د.. أحمد جميل عزم



يكاد لا يوجد طرف من أطراف القضية الفلسطينية لا يتحدث عن استقالة محمود عبّاس، فخلال الأيام الماضية طالبته "حماس" وخصوصاً رئيس المجلس التشريعي عبدالعزيز الدويك بالاستقالة، وصدرت بيانات من عرب 1948 وأعضاء "كنيست" عرب تطالبه بذلك، ونقل الإعلام الإسرائيلي تقارير أنّ عبّاس هدد بالاستقالة رداً على ضعف الموقف الأميركي من عمليّة التسوية والاستيطان. والجهة الوحيدة التي ترفض وتنفي الاستقالة ونيتها هي مجموعة مساعدين للرئيس الفلسطيني والمُطالبة بالاستقالة تعكس رغبة جامحة لدى كثيرين بالقفز في الفراغ الدستوري والقانوني والسياسي. لقد كان الحديث عن استقالة عبّاس منطقيّاً وربما صحيحاً، قبل سنوات، عقب فوز حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية، والتعارض الشديد في البرامج والصلاحيات. وكانت مبررات الاستقالة حينها هي بلورة وتحديد نوع النظام السياسي الفلسطيني. فهذا النظام هو رئاسي برلماني، (أقرب ما يكون للنظام الفرنسي). ومن أعراف هذا النظام أنّه إذا حدث تعارض بين الرئاسة والبرلمان، فإمّا أن يستقيل الرئيس أو تستقيل الحكومة، وتجرى انتخابات جديدة فإذا عاد المستقيل إلى مكانه بقوة الشارع فإنّ هذا نوع من الاستفتاء على وجهة نظره، ويصبح لزاماً على الطرف الآخر التسليم بإرادة الناخبين. وأكبر المشكلات المستمرة في المعادلات السياسية الفلسطينية الراهنة هي أنّ "حماس" ترفض التسليم أو حتى التفكير بأنّ النظام السياسي رئاسي برلماني، وهي ترى أنّ انتخابات المجلس التشريعي تعطيها تخويلا كاملا بما تريد متناسية أنّ مؤسسة الرئاسة شريك كامل في السلطات التنفيذية والتشريعية، وفي قيادة أجهزة الأمن أو الدبلوماسية، مع أنّ هذه صلاحيات واضحة في نظام السلطة الفلسطينية، كما هي في أي نظام رئاسي آخر كما في الولايات المتحدة أو فرنسا. وربما كان منطق الأمور أنّ عبّاس الذي ناضل إبّان ترؤسه الحكومة الفلسطينية للحصول على صلاحيات أمنية، وعدم حصر هذه الصلاحيات في يد مؤسسة الرئاسة، زمن عرفات، أن يصل لمعادلة لتعظيم سلطات الحكومة أمنيّاً. ولكن هذه تبقى قضية أخرى. لو استقال عبّاس في البدايات، وعاد منتخباً لقوي موقفه السياسي كثيراً، وقد كان الفوز ممكناً حينها، أكثر مما هو الآن. وكان الموقف سيعد استكمالا لإنجازه الديمقراطي في إجراء الانتخابات التشريعية. أمّا الآن فمطالب الاستقالة تبدو غريبة وقفزة في الهواء. وأول مظاهر الغرابة، أنّ "حماس" التي لا تريد عبّاس في السلطة هي من يعيق ترشيح غيره للرئاسة، فبرفضها المصالحة تعطّل الانتخابات الرئاسية والتشريعية على السواء، وتعطّل أي احتمال نظري أو عملي لانتخاب رئيس جديد. وثاني مظاهر الغرابة، أنّ التركيز الكبير على انتهاء ولاية عبّاس، يلغي حقيقة أنّ المجلس التشريعي تنتهي صلاحيته خلال شهرين وسيصبح الجميع سواء، فضلا عن أن رئيس المجلس التشريعي (الدويك) انتهت ولايته في رئاسة المجلس منذ سنوات. وبذلك فإنّ قضية انتهاء فترة الولاية معضلة تواجه الجميع، بل إنّ عبّاس بموجب قرارات جامعة الدول العربية، وبموجب رئاسته منظمة التحرير الفلسطينية، لا يعاني دوليّاً بقدر ما تعاني "حماس" والمجلس التشريعي. وثالث مظاهر الغرابة، أنّ الاستقالة تعني فراغاً سياسياً في ظل الوضع الراهن، إذ لن يكون هناك بديل مقبول جماهيرياً ودولياً وقانونياً بشكل تلقائي. وربما تكون العلة الأساسية، هي القفز لانتخابات ومجالس تشريعية وسلطة تحت الاحتلال، ولكن بما أنّ كلا الطرفين الفلسطينيين المتصارعين اختارا ذلك، فإنّ انتخابات جديدة للرئاسة الفلسطينية والمجلس التشريعي تبدو هي أسهل سبل الخروج من المأزق الراهن. والهرب من المصالحة والدعوة لاستقالة الرئيس الفلسطيني هو هرب من الانتخابات واستحقاقاتها، وسعي لحسم التنافس الداخلي بطرق أخرى.