توّجه جهات إسرائيلية انتقاداتها لجرائم الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة، أو لجاهزيته القتالية، وتحذّر من فقدان السيطرة، فيما تؤكد صحيفة “هآرتس”، في افتتاحيتها، أن “حكومة التغيير” حققّت رقما قياسيا من ناحية قتل الفلسطينيين في العام الجاري.
ويقول اللواء في الاحتياط يتسحاق بريك إن قيادة جيش الاحتلال فقدت السيطرة في الضفة الغربية، ويعلل ذلك بالقول، ضمن مقال نشرته صحيفة “معاريف”:” في ضوء عملية “كاسر الأمواج” المستمرة منذ الربيع الماضي، بالإضافة إلى تكثيف حضور القوات العسكرية في الضفة الغربية، أصدر مراقب الدولة، مؤخراً، تقريراً سريعاً توصل فيه إلى الخلاصة التالية: الجيش الإسرائيلي، بوضعه اللوجستي الحالي، غير مستعد للقتال في الضفة الغربية، وبعد سنوات من التحذيرات يمكن القول: إن هذا كان ظاهراً بوضوح”.
وسبق أن حذر بيرك في الماضي عدة مرات من تراجع قوة الجيش الإسرائيلية مشدداً على عدم جهوزيته لمعركة محتملة متعددة الجبهات. ويوضح بريك، المعروف برؤيته النقدية الحازمة، أنه شاهد هذا كله وأكثر، خلال عمله مفوضاً مسؤولاً عن استيعاب الجنود، مستذكرا “تقريراً حساساً” أعده قبل أربع سنوات عن جهوزية الجيش الإسرائيلي للقتال، وصل إلى المجلس الوزاري المصغر ورئيس الحكومة ووزير الأمن ولجنة الأمن والخارجية في الكنيست وإلى رئيس الأركان.
ويضيف: “وحتى اليوم، وبعد انتهائي من تولي منصبي، تصل إليّ تقارير من كبار القادة في الجيش، ومن صغار الجنود، يتحدثون فيها عن الوضع السيء للجيش من الناحية اللوجستية، ومن ناحية ظروف الخدمة العسكرية، بالإضافة إلى الوضع المزري لسلاح الاحتياطيين”.
فقدان الدافعية
ويشير إلى أن “مراقب الدولة” كشف الحقيقة المرة بالقول: “ثمة خلل كبير وعدم محافظة على الدافعية في جيش الاحتياطيين، والاستجابة في مجال الطب العسكري ضعيفة، وقوائم الغذاء فقيرة والكميات قليلة وغير كافية، والأوقات المخصصة للتدريب لا تكفي المقاتلين الموجودين على جبهة النشاطات العملانية، وهذا كله غيض من فيض الوضع الراهن للجيش الإسرائيلي”.
وينوه بريك أنه منذ سنة 2006، بدأ يظهر تقصير إستراتيجي حقيقي في مجال الصيانة واللوجستيات ترافَقَ مع عملية خصخصة المجال اللوجستي في الجيش الإسرائيلي. ويكرّر بريك هنا تنبيهات سابقة له، مشيراً إلى أن عملية خصخصة منظومات أساسية في الجيش، والتي كان يمكن عدم إجرائها، تسببت بفقدان السيطرة في أوقات الطوارئ، مع ما ينطوي عليه ذلك من تداعيات مصيرية على أداء الجيش الإسرائيلي عند نشوب قتال طارئ متعدد الجبهات.
نقاط الخلل
ويتساءل بريك: ما مهمة آلاف المصانع التي أُسند إليها الاهتمام بمنظومات أساسية تابعة للجيش الإسرائيلي؟ لافتاً إلى أن الصيانة وتعديل الوسائل القتالية وتأمين قطع الغيار للجيش هي على عاتق شركات تصنيع السلاح، والخدمات اللوجستية للقوات تقوم بها شاحنات تابعة لشركات مدنية (الغذاء والذخيرة والعتاد والنقل وإصلاح المركبات والعتاد الثقيل وغيره).
ويضيف محذرّا: “حالياً يعتمد الجيش بصورة كلية على هذه المصانع الأساسية في حالات الطوارئ، الأمر الذي قد يتسبب بخلل كبير في أداء الجيش عند وقوع أحداث طارئة، أو عند اندلاع قتال”.
حالات طوارئ
ويرى بريك أنه بعد عملية نقل المسؤولية من الجيش إلى شركات مدنية، تخلى الجيش بصورة غير معهودة عن مسؤوليته في التشغيل الصحيح لهذه المصانع في زمن الحرب. مؤكدا أنه ليس هناك أي ضمانة في ما يتعلق بعمل هذه المصانع في حالات الطوارئ، أو عند نشوب قتال يمكن أن يكون فعالاً.
ويخلص بريك للقول إن السبب الرئيس لهذا الضرر الخطر في أداء الجيش يكمن في عدم شراء الجيش لهذه المصانع الأساسية، بسبب الرغبة في توفير الموارد والمال، منوها أنه في المجال اللوجستي هناك حاجة إلى آلاف السائقين في الشركات المدنية، ونتيجة لذلك قد يكون ثمة نقص في مجال تقديم المساعدة للجيش في حالات القتال المتعدد الجبهات.
ويتابع: “في الوضع الراهن يتعين على الجيش أن يقوم بمراجعة عميقة جداً لطريقة سلوكه وثقافته التنظيمية والقيادية المليئة بالعيوب، إذ لا يمكن الاستمرار في هذه الطريقة. لقد فقدت القيادة الرفيعة المستوى في الجيش السيطرة بصورة مطلقة، وهي ستتسبب بفشل الجيش في الحرب المقبلة المتعددة الجبهات”.
“إسرائيل اليوم”: الرد على الإرهاب الفلسطيني بالانتخابات
ودعا وزير خارجية الاحتلال الأسبق يوسي بيلين (العمل) إسرائيل للرد على “الإرهاب” الفلسطيني بمنح الأمل للفلسطينيين والمبادرة للسماح للفلسطينيين بإجراء انتخابات عامة تشمل الشطر الشرقي من القدس أيضاً. ويقول بيلين، في مقال نشرته صحيفة “هآرتس”، إن التسويات قصيرة الأمد غير مجدية، ويقارن الحالة الفلسطينية بالحالة الإيرلندية التاريخية والراهنة بالقول إن التسوية الانتقالية في إيرلندا كانت مريحة لكل الأطراف، ولكن تبين قِصر يد الاتفاقات الانتقالية الممتدة: قبل بضعة أيام، انتهى إحصاء في شمال إيرلندا، كانت نتائجه الرسمية تحولاً ديموغرافياً. ملوحاً بالفزاعة الديموغرافية يتابع بيلين: “من الآن فصاعداً هناك أغلبية كاثوليكية في الشمال أيضاً. بدأ الكاثوليك يطالبون باستفتاء شعبي الآن. أما البروتستانت فلا يسارعون إلى أي مكان؛ لأنهم يعرفون ما ستؤول إليه النتائج. يعود التوتر إلى بلفاست. وثبت مرة أخرى أن تسوية انتقالية أيضاً مهماً كانت ناجحة، ليست بديلاً عن تسوية دائمة مزعجة. وثبتت مركزية الديموغرافيا مرة أخرى”.
ويدعو بيلين في مقاله المنشور في “هآرتس” إلى تعطيل ما يصفها بـ “الذريعة”، محذراً من فشل الحلول العسكرية: “لرؤساء المستوطنين حل للمواجهات المتعاظمة في مناطق الضفة الغربية وهو حملة “سور واقٍ ثانية”. واضح لهم أن الطرف الآخر لا يفهم إلا لغة القوة، وأن القوة وحدها هي التي ستؤدي إلى الهدوء. خطأ. حملة “السور الواقي” لم توقف “الإرهاب” الفلسطيني. كان حجم الإرهاب، بعد الحملة، مشابهاً بحجومه قبلها. والانتفاضة لم تتوقف إلا بعد انتخاب محمود عباس رئيساً للسلطة الفلسطينية في بداية 2005 وبأمره الصريح”.
ويرى بيلين أن إعادة الخيار السياسي إلى جدول الأعمال كفيلة بأن تسهم في تهدئة الميدان (حتى لو كانت تغضب رافضي السلام من الطرفين، وتدفع بعضهم باستخدام العنف). ويتابع: “إن مفتاح عودة هذا الخيار موجود بيد إسرائيل التي تجتذب اليوم إلى شرك العنف الفلسطيني التي تعدها لها المحافل الفلسطينية المتطرفة”.
المجموعات المسلحة غير المُنظّمة في الضفة تربك قوات الاحتلال
ويرى المحلل العسكري الإسرائيلي طال ليف رام، في تحليل نشرته “معاريف”، أن خلايا المقاومة الفلسطينية غير المنظمة داخل الضفة الغربية المحتلة تربك قوات الأمن الإسرائيلية. وللتدليل على مقولته يضيف: “في رحلة على طول طريق 60 من حوارة، من قاعدة لواء شمال الضفة الغربية الموجودة بجوار المدخل الجنوبي لنابلس، وحتى مفترق حوارة، الإثنين الماضي، في ساعات المساء المبكرة، أحصينا في القرية نفسها فقط، التي تقوم على محور سير حيوي للمستوطنين والفلسطينيين على حد سواء، أكثر من 30 جندياً وشرطياً من حرس الحدود. كانوا يرابطون في مهام حراسة مختلفة، بقرب سيارات الدورية في المفترقات على طول الطريق، وأمام بوابات الدكاكين، وعلى أسطح المنازل. يجسد عدد الجنود العالي داخل القرية التوتر والخوف من تصعيد إضافي في هذه الجبهة. بعد ساعات قليلة من سفرنا على طول الطريق، جرت محاولة عملية أخرى، حيث أُطلقت النار من بعيد نحو قوة من الجيش الإسرائيلي، ترابط في أحد المفترقات المجاورة للقرية. انتهى الحدث بلا إصابات. عشية يوم الغفران، في ساعات الصباح، مرة أخرى مواجهة عنيفة بين مستوطنين وفلسطينيين، بعد أن وصلت مجموعة من اليهود إلى محيط مدرسة فلسطينية قرب مفترق مستوطنة يتسهار، وبدأ بين الطرفان تراشقاً متبادلاً للحجارة”.
ويقول إن العلاقات بين الفلسطينيين والمستوطنين شهدت في حوارة منذ القدم ارتفاعات وهبوطات. لا توجد هنا قصة حب، لكن المصالح المشتركة في الهدوء على طول الطريق المشترك تغلبت، مثلما تغلبت أيضاً العلاقات الاقتصادية والتجارية التي توثقت في السنوات الطيبة التي كانت هنا حتى السنة الأخيرة”.
ويعتبر رام طال أن تسخين الأجواء في حوارة يروي أجزاء من قصة تصعيد الأشهر الأخيرة في شمال الضفة: ظاهرة عمليات إطلاق النار الكثيرة تعود إلى قلب المدن الفلسطينية، مثل جنين ونابلس، لكن الخطر الحقيقي على استقرار المنطقة يوجد في المواقع التي فيها احتكاك يومي بين المستوطنين والفلسطينيين. زاعماً أن الجيش الإسرائيلي غاضب من غياب تحمّل المستوطنين المسؤولية، ومن الانكشاف الزائد لخطر إطلاق النار على المدنيين، من نساء وأطفال ومقاتلين في حدث زائد، بينما على سبيل المثال كان يمكن إجراء تظاهرة المستوطنين في مكان آخر وليس في مفرق حوارة.
ويشير طال رام أيضاً للاعتبارات السياسية الانتخابية، في تفسير التصعيد غير المسبوق من قبل الاحتلال في العام الأخير، فيقول: “هذه الرسالة هي الأخرى رفعها رائد الفرقة، آفي بلوط، في لقاء مع المستوطنين في المنطقة، لكن يبدو أنهم في الجيش حذرون جداً من أن يقولوا ذلك ويعبروا عن تحفظاتهم وانتقاداتهم بشكل واضح، خوفاً من أن يعلقوا في ورطة سياسية، وبالتأكيد حين نكون عشية الانتخابات”.
افتتاحية هارتس: كفى لقتل الفلسطينيين
وانضمت صحيفة “هآرتس” للانتقادات الموجهة للتصعيد الإسرائيلي من قبل الجيش والمستوطنين، وتقول في افتتاحيتها، اليوم، إن حكومة التغيير “ضربت رقماً قياسياً في قتل الفلسطينيين: نحو 100 قتيل فلسطيني منذ بداية السنة”. وتشدد على أن هذا العدد محظور قبوله، و”أساساً إذا ما فحصنا ملابسات قتل كل واحد منهم يكاد الجيش الإسرائيلي لا يحقق في أي من هذه الحالات، وأن حجوم القتل الذي تستقبله الحكومة والجيش والجمهور في إسرائيل بعدم الاكتراث هو أمر مهدد وخطير جداً، وينذر بانفجار فلسطيني جديد”.