الحكم المدني..عمرو الشوبكي

الأحد 31 يوليو 2022 12:15 م / بتوقيت القدس +2GMT
الحكم المدني..عمرو الشوبكي



أعلن قائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس المجلس العسكري السوداني محمد حمدان دقلو «حميدتي» تَرْك أمر الحكم للمدنيين وتفرّغ القوات النظامية لأداء مهامها الوطنية، وأعلن دعمه لقرار الفريق البرهان، قائد الجيش، بانسحاب المؤسسة العسكرية من الحوار الوطني واستعدادها لترك الحكم.
وأكد حميدتي عدم تمسك الجيش بالسلطة، وأنه سيتيح الفرصة لقوى الثورة والقوى الوطنية أن يتحاوروا ويتوافقوا دون تدخل المؤسسة العسكرية، و»قررنا بصورة صادقة أن نترك أمر الحكم للمدنيين، وأن تتفرغ القوات النظامية لأداء مهامها الوطنية السامية المنصوص عليها في الدستور والقانون».
وبصرف النظر عن تشكك البعض في النوايا الحقيقية لقادة الجيش السوداني، إلا أنه من الواضح أن هناك استعدادا حقيقيا لترك السلطة للمدنيين، بشرط أن تنجح القوى المدنية، وخاصة قوى الحرية والتغيير «شهدت ثلاثة انقسامات»، في تقديم بدائل سياسية وبناء مؤسسات حزبية قادرة على الحكم والإدارة.
صحيح أن السودان يعاني من أزمات كبيرة ومركبة، كثيرٌ منها يتحمله نظام البشير الذي لم يؤسس فقط لحكم استبدادي استمر ٣٠ عاما، وإنما عَمِل على إضعاف مؤسسات الدولة وأخونتها، والقضاء على حيادها ومهنيتها، وهو أمر لا يزال يعاني منه السودان حتى اللحظة، كما شهدت البلاد عقب نجاح الثورة أزمات حكم وإدارة منذ تولي حمدوك رئاسة الحكومة وحتى انقلاب البرهان على المسار السياسي المأزوم في ٢٥ تشرين الأول من العام الماضي، وهو ما رفضه قطاع واسع من الشعب السوداني، وعرفت البلاد على اثره احتجاجات واسعة ما زالت مستمرة حتى الآن.
وقد رفعت قوى التغيير الجذري بجانب قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي، «على ما بينهما من خلاف»، شعارَ رَفْضِ التفاوض مع الجيش، كما طالب التيار الأول بحل قوات الدعم السريع وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية قبل إجراء الانتخابات وليس من خلال سلطة منتخبة، واعتبرت أن انسحاب الجيش من المجال السياسي سيحل كل مشاكل السودان.
والحقيقة أن تبسيط مشاكل البلاد بهذه الطريقة أمر لا علاقة له بالواقع، فالمطلوب من القوى المدنية أن تقدم بدائل قابلة للتحقيق لكثير من السياسات القائمة، وبناء مشروع سياسي وحزبي منظم ومؤسسي، ولا تكتفي فقط بالصوت الاحتجاجي.
مطلوب من القوى المدنية والأحزاب السياسية الكبرى، مثل حزب الأمة وغيره، أن تتوافق على خريطة طريق تنهي المرحلة الانتقالية في أسرع وقت، والاتفاق على شكل النظام السياسي الجديد «رئاسي ديمقراطي»، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تؤسس لشرعية نظام جديد قادر على إصلاح مؤسسات الدولة، وفي القلب منها المؤسسة العسكرية، لا أن تطالب قوى منقسمة على نفسها باسم الثورة بإصلاح الجيش وباقي المؤسسات.
ما زالت أمام السودان وقواه المدنية فرصة كبيرة لبناء دولة مدنية ديمقراطية، وتحويل طاقة ثورته العظيمة إلى مشروع حكم وليس احتجاجا أو إقصاءً.