الثورة المصرية في ذكراها السبعين..صادق الشافعي

السبت 30 يوليو 2022 10:06 ص / بتوقيت القدس +2GMT




في 23 من الشهر الجاري، تم الاحتفال على مستويات متعددة ومختلفة بالذكرى السبعين لثورة يوليو، التي قام بها الجيش المصري وأقصى بها النظام الذي كان قائما آنذاك في مصر.
قام بالثورة ما عرف بتنظيم الضباط الأحرار الذي تزعمه وقاده جمال عبد الناصر.
في هذه المناسبة، يتكرر في كل عام السؤال: لماذا يتم الاحتفال بهذه الثورة في كل عام حتى بعد كل هذه السنين، خصوصا أن الاحتفال لا يقتصر على الشكل البروتوكولي الرسمي بل يشمل إطارا واسعا من المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية والشعبية إضافة إلى حضورها القوي في نفوس أهل الوطن العربي.
ببساطة واختصار، يحصل ذلك لأن ثورة يوليو شكلت حدثا نوعيا ومؤثرا بعمق في مصر بكل مركباتها الرسمية ومكوناتها الشعبية وحركة المجتمع فيها، واستمرت بذلك لسنوات عديدة.
كما استمرت كذلك ولنفس السنوات، في القيام بدورها وتأثيرها على الأوضاع في معظم - إن لم نقل كل - الأقطار العربية وعلى المستويين الرسمي والشعبي.
وتمثل ذلك بشكل خاص في دعمها لأي نضال وطني يسعى للتحرر والاستقلال أولا، أو يسعى إلى التغيير والتطور التقدمي.
ويبقى الأهم، أن الثورة المصرية فرضت حضورها الوازن بقوة وفعل أوسع على القضية الوطنية الفلسطينية، قضية كل العرب، وعلى حال الصراع مع الاحتلال الصهيوني. وفرضت نفسها قائدة للنضال الوطني العربي ضده وضد دولته.
ودفعها ذلك إلى الدخول في أكثر من اشتباك أو حرب مباشرة مع دولة الاحتلال، والى الصراع معها في أكثر من مجال وشكل آخر.
لقد توازى الحضور الوازن المذكور مع دعمها الفاعل والمؤثر لأي حركة نضالية تحريرية وطنية وسلمية في أي بلد عربي.
وتوازى أيضا وربما قبل ذلك، مع معارك نضال الثورة الوطني المصري وبالذات ضد بقايا الاستعمار البريطاني لمصر ذاتها وضد بقايا حضوره وتعبيراته.
واهم تلك المعارك كانت معركة تأميمها لقناة السويس ومعركة بنائها للسد العالي.
وقد تتوج هذا النضال الوطني بانتصارها المدوي في الحرب العدوانية التي شنها عليها تحالف دولي نظمته وقادته الدولة البريطانية، وعرفت تلك الحرب بحرب السويس أو العدوان الثلاثي.
تتوج ذلك النضال الوطني لمصر في إنهائها للاستعمار البريطاني.
والمهم أن ما تقدم من أشكال نضالية لم يكن المظهر الوحيد للنضال الوطني المصري بقيادته الوطنية الجديدة، بل انه ظل متوازيا أيضا مع نضال وطني ديمقراطي داخلي طابعه الأساس هو الطابع الاجتماعي المتعلق بحياة الناس وحقهم في تأمين حياة كريمة لهم أفضل مما هم فيه، وبتطلعاتهم إلى حياة تضمن لهم - إلى جانب معايشهم - حقوقهم وحرياتهم، كما تضمن لهم المساواة في الحقوق بين الناس على اختلاف فئاتهم وطبقاتهم الاجتماعية.
وقد نجحت القيادة الجديدة في تأمين ذلك بدرجة عالية. وتمثل ذلك بشكل أساسي في قوانين الإصلاح الزراعي التي قلصت الفروقات بين الفلاحين وملاكي الأراضي الإقطاعيين، كما تمثل في حركة التأميم الواسعة نسبيا للممتلكات والمصانع والمشاريع الإنتاجية الكبيرة، خصوصا أن ذلك ترافق مع صدور قوانين تضمن حقوق العمال ومشاركتهم في إدارة تلك المصانع والمشاريع.
ولقد تعززت الصورة النضالية لدولة مصر ولقيادتها عندما انفتحت على النضال التحرري على المستوى الدولي وأخذت مواقع ريادية أولى في أحلافه التي كان لها دور مهم في إقامتها مثل مجموعة دول عدم الانحياز. وكلها كانت تقف في مواقع مناصرة لشعوب العالم المناضلة من اجل تحررها وتقدمها الاجتماعي والاقتصادي، وفي موقع المناهض والمتصدي لدول السيطرة والتوسع والاستغلال لتلك الشعوب.
وحين تشكل الإطار التنظيمي للنضال الوطني الفلسطيني "منظمة التحرير" وانطلقت منظمات المقاومة الفلسطينية كان لمصر، شعبا ودولة ومؤسسات، دور ريادي في إقامتها وفي دعم وإسناد النضال الوطني الفلسطيني بكل الطرق وعلى كافة المستويات والمجالات.
والى درجة تجعل قول الزعيم الوطني الفلسطيني الرئيس ياسر عرفات منطقيا ومنسجما تماما مع الواقع القائم، فهو كرر في مواقف ومناسبات كثيرة قوله، "أنا مصري الهوى".
والواقع انه لم يكن وحده كذلك، بل كان معه عشرات الآلاف من الفلسطينيين. ويكفي أن نشير إلى عشرات إن لم تكن مئات آلاف الفلسطينيين الذين درسوا وتأهلوا في الجامعات المصرية مجانا تقريبا. وهنا يحضرني مثل حسي واقعي يعطي فكرة عن عدد الطلبة الفلسطينيين في الجامعات المصرية.
بعد أيام من انتهاء حرب حزيران 1967 وانقطاع الكثير جدا من الطلبة الفلسطينيين عن أهاليهم، أعلنت سفارة الكويت في القاهرة أنها ستقدم مساعدة مالية لكل طالب فلسطيني يدرس في أي جامعة أو معهد في أي مدينة مصرية. وتولى اتحاد طلاب فلسطين مسؤولية حصر الطلاب الفلسطينيين وإعداد كشوف بأسمائهم ليتم الصرف على أساسها.
ولأن الحرب قامت في أوائل حزيران فقد كان كل الطلاب تقريبا ما زالوا متواجدين في مصر.
كان العدد الذي أحصاه اتحاد الطلاب يقترب كثيرا جدا من خمسة وعشرين ألف طالب وطالبة، موزعين على السنوات الدراسية للكليات المختلفة في المدن المصرية.
وقد وفت سفارة دولة الكويت بما وعدت به.
وإضافة إلى المجانية التقريبية في الأقساط الجامعية، كان هناك الاحتضان والترحيب المجتمعي إلى جانب رخص تكاليف الحياة بما يجعل التعليم الجامعي في مصر في نطاق قدرة قطاع واسع جدا من الآباء الفلسطينيين.
وتتعزز الصورة إذا أضفنا إلى ما تقدم الغنى والتقدم والسعة والانتشار الذي كانت تعيشه الحياة الفنية والثقافية في مصر، ويصبح معقولا ومقبولا انطباق قول "أبو عمار" على آلاف كثيرة ممن درسوا وتخرجوا من الجامعات المصرية في تلك السنين.  
في الإجابة عن سؤال قد يأتي من أي جهة أو شخص؟ ألم يكن لثورة يوليو أخطاء وقصورات وسلبيات؟
لا يمكن أن يكون الجواب إلا بنعم.
فهي في النهاية تجربة إنسانية خصوصا أنها حصلت في ظروف صعبة ومعقدة.
ولكن في مناسبات الاستذكار تفرض الإيجابيات نفسها خصوصا أنها كانت السائدة في زمنها.