نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقال رأي لغيرشون غورينبرغ قال فيه إن أزمة سياسية كشفت عن وهم مشروع الاستيطان في الضفة الغربية. وأشار في البداية لما قالته مستوطنة “لكنني أعيش في إسرائيل”، والمناسبة، كما يقول، هي نقاش حول مستقبل الضفة الغربية. وقدّم الكاتب رؤيته قائلاً إن المستوطنين يعيشون خارج إسرائيل، إلا أن المشاركة معه عبّرت عن شكّها من كلامه وقدمت دليلاً أنها تعيش ضمن الحدود السيادية لإسرائيل. ودليلها أن الرسائل التي تصلها من الخارج تصل إلى بيتها في المستوطنة، باسمها وبإسرائيل تحته.
ويعلّق الكاتب: “بعيداً عن إمكانية البريد العثور عليها، فالضفة الغربية هي بالتأكيد خارج حدود إسرائيل. ولكنني التقيت الكثير من المستوطنين الذين يعتقدون بشكل قاطع أنهم يعيشون داخل إسرائيل، والكثيرون يعتقدون أن التفريق بينهما ليس مهماً”.
وواحد من الأسباب التي تدفعهم لهذا الاعتقاد، هو أن الحدود بين الأراضي السيادية لإسرائيل والأراضي المحتلة لا تظهر على الخرائط الرسمية. وأكثر من هذا، فالتمييز ليس له أثر على حياة المستوطنين، وبخلاف بقية الإسرائيليين الذين يغادرون البلد، فإن المستوطنين يخضعون لبرنامج الصحة الوطني الإسرائيلي. ويحصلون على ما يساوي رواتبهم من المعهد الوطني للتأمين خلال 15 أسبوعاً من إجازة الأم بعد الولادة ( أو إجازة الأب بسبب ولادة طفل له)، وهم مشمولون بقانون الخدمة العسكرية.
وبالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية فالحياة في الأراضي المحتلة هي واقع حياة. ويعيش المستوطنون “كما لو في الأرض”، لكن الحكومة تعاملهم “كما لو أنهم” مقيمون في داخل إسرائيل.
واليوم ونتيجة لتطور سياسي غريب، فالوضعية القانون لحالة “كما لو في الأرض” قد تنتهي. وربما حاول تحالف بيت الأوراق، الذي يقوده نفتالي بينيت، إعادة تجديد الوضعية.
وفي الوقت الحالي فقد كشفت الأزمة عن الوهم الذي قام عليه مشروع الاستيطان. وتقوم الوثيقة التأسيسية لوضعية “كما لو في الأرض” على نظام الطوارئ الذي أعلنه وزير الدفاع في حينه موشيه دايان في الرابع من تموز/يوليو 1967. وقبل ثلاثة أسابيع من ذلك التاريخ، احتلت إسرائيل الضفة الغربية، قطاع غزة ومرتفعات الجولان. ولم يكن هناك أي مستوطنات ولا خطط لإنشائها، مع أن الإسرائيليين كانوا يقومون برحلات يومية خارج الحدود. وجاء في أمر دايان أنه لو قام أحدهم بارتكاب جريمة، فستقبض عليه الشرطة الإسرائيلية، ويحاكم أمام محكمة إسرائيلية داخل إسرائيل. وكان يقصد من هذا العثور على حل سريع. وفي أوامر الطوارئ الإسرائيلية فهي تخص أوضاعاً ماسّة لا يمكنها انتظار تشريعات. وعادة ما تنتهي في أشهر إلا في حالة قرر البرلمان تمديدها. وفي كانون الثاني/يناير 1968 مدّدت الكنيست الأمر لمدة عام آخر. وفي ذلك الوقت لم يكن هناك إلا عدد قليل من المستوطنات، وكانت الحكومة أمام طريق مسدود لتقرير مستقبل الأراضي المحتلة، وعليه ظل الأمر أو الحل السريع في مكانه. ومدّد البرلمان الأمر لمدد أطول وزاد عليه. وعندما بدأت إسرائيل العمل بالتأمين الصحي الوطني، تم تضمين بند في الأمر الطارئ لكي يشمل المستوطنين. وجرى تعديل آخر قضى بتوسيع القوانين التي تشمل الإسرائيليين لكي تغطي من يعيشون في الضفة الغربية، وكأنهم يعيشون داخل إسرائيل. ومع مرور الزمن زادت قائمة القوانين. وهذا الوضع يعكس الواقع الاستعماري في الضفة الغربية.
وكما أشار الكاتب من قبل، يتمتع المستوطنون بالحقوق التي يستمتع بها من يعيشون بالمدن الإسرائيلية، أما بقية السكان فلا.
وآخر مرة تم فيها تمديد الأمر الطارئ كانت في 2017، وستنتهي صلاحيته في 30 حزيران/يونيو، وطلبت حكومة بينت من الكنيست هذا الأسبوع تمديده لمدة خمس سنوات أخرى. لكن التحالف الحاكم امتد وشمل كل الطيف السياسي، بمن فيه حزب عربي، وما جمع هذه الأحزاب هو حرمان بنيامين نتنياهو من البقاء في السلطة. وفي الوقت نفسه أعلن حزب الليكود، الذي يتزعمه نتنياهو، بأنه لن يصوّت مع أي قانون للحكومة بهدف إسقاطها. وعليه فقد هزم قرار التمديد، حيث صوّت نائبان عربيان ضده ورفضا تشريع الاحتلال وحجب آخرون أصواتهم. وصوتت كتلة نتنياهو الداعمة المتحمسة للاستيطان ضد القرار. وربما كان هذا إيذاناً بسقوط حكومة بينيت، أو مناوشة قبل أن يجري التصويت مرة ثانية ويمرر.
وفي الوقت الحالي، سلّطت الأزمة الضوء على النظام القانوني المزدوج في الضفة الغربية وجعلته محلاً لعناوين الأخبار. وتكشف عن نصف حقيقتين، وكلاهما شكل من أشكال التزوير السياسي. فمن جهة يعتبر الأمر الطارئ نوعاً من الارتجال المؤقت، وسمح للحكومات المتعاقبة تجنّب الضمّ القانوني للضفة الغربية، الذي كان سيؤدي لعاصفة دبلوماسية ويعني منح المواطنة الكاملة لكل سكان الضفة من الفلسطينيين، لكنه استمر لمدة 55 عاما.
ومن جهة ثانية، بدا وكأن البنية القانونية المهمة للمستوطنين مثل البيوت التي بنوها، هي قلعة من أعواد الثقاب. ويمكن أن تهدم بسهولة وعبر إعادة اصطفاف في البرلمان. وعلى دعاة حلّ الدولة الواحدة، الذين يفترضون بقاء المستوطنات في جدالهم، الانتباه: فمشروع الاستيطان ليس ثابتاً كما يبدو. وعلى المستوطنين أنفسهم، عندما يقرأون عناوين الأخبار اكتشاف أنهم كانوا ضحية احتيال عقاري، فهم لا يعيشون في إسرائيل.