بداية أعتذر لقرائي الأعزاء عن الانقطاع ولهم مني كل الحب والوفاء."اليوم خرج أبو مازن أكثر قوة ويمكن السير قدماً في العملية السلمية" قالها نتنياهو أثر الانتخابات الفتحاوية وانتخابات اللجنة التنفيذية، ولم يكن نتنياهو الأول الذي امتدح أبو مازن واصفا إياه بالرابح الأكثر حظاً في الانتخابات الفتحاوية، بل ذهب معظم المحللون وأهل الرأي إلى هذه النتيجة. وفي الجانب الآخر انخدع "أبومازن" بهذا الانتصار الموهوم وظن أنه حصل على الشرعية الفتحاوية وشرعية المنظمة وبقي الشرعية الشعبية، فسارع بالحديث على الانتخابات التشريعية والرئاسية وعاد إلى اسطوانة القانون الأساسي الفلسطيني الذي يعدمه متى يشاء ويحييه متى يشاء مثل النمرود الذي إدعى أنه يحيي ويميت مستغلاً سلطته وتحكمه في الرعية فأطلق سراح سجين وأعدم سجين. لكن الحقيقة الغائبة عن الأعين والتي تقرأ ما بين سطور الانتخابات الفتحاوية وإفرازات لجنتها المركزية ومجلسها الثوري تقول غير ذلك، تقول إن الخط المرسوم لأبي مازن والذي سار عليه بكل (منخدعا) بطمأنينة وثبات هو إعطاء الشرعية الفتحاوية لمجموعة من المتنفذين الأمنيين في القيادة الفلسطينية وعلى رأسهم محمد دحلان الذي عاد إلى المسرح السياسي أكثر قوة متسلحاً بعضوية اللجنة المركزية بل مسئولا للملف الإعلامي الأكثر أهمية في عصرنا الحديث. وبينما محمد دحلان يُصنع على نار هادئة لابد من أبي مازن أن يُحرق بنار ملتهمة استعرت قبل موعدها المرسوم لها "الانتخابات التشريعية التي تأتي بحكومة مفصلة يكون أحد رجالها الأقوياء محمد دحلان"، ولكن الخبث الأمريكي والصهيوني استعجلوا قطف الثمار بعدما وجدوا أن المصالحة الوطنية الفلسطينية باتت قاب قوسين أو أدنى وأن الانتخابات التشريعية قد تؤجل إلى نهاية العام القادم، فلعبوا على حرق أبو مازن سياسياً عبر اللقاء الثلاثي في واشنطن بدون أي امتيازات لمحمود عباس التي أجمعت كل وسائل الإعلام أنه الخاسر الوحيد من هذا اللقاء، ثم جاءت تسريبات المشاركة في الحرب على غزة لتسكُب البنزين على النار ليعلو لهيبها، وختمت بتقرير ريتشارد جولد ستون الذي يعتبر خرطوم بترول سُلّط على رأس أبو مازن وأصبح الحرق على المكشوف من قِبل إسرائيل التي روجت بأن أبو مازن هو الذي أمر بالتأجيل عبر فاكس رسمي للمراقب الفلسطيني إبراهيم خريشة الذي شم رائحة الخطورة فطلب كتاب رسمي ولم يكتفِ بالمكالمة الشفوية، ثم فصلت إسرائيل بأن الضغط الإسرائيلي على أبي مازن جاء عبر التهديد بتسريب شريط يظهر فيه أبو مازن مع باراك يطالبه بالاستمرار في الحرب على غزة بحضور تسيبي ليفني، بالإضافة إلى الشركة الوطنية للاتصالات التي يرأسها ياسر محمود عباس ابن أبو مازن وأن التهديد والإفلاس المادي سيلحق بولده والسلطة إن لم يستجيب للطلب الإسرائيلي بسحب التقرير، وهكذا وجد أبو مازن نفسه عارياً في وسط النيرات المستعرة من هنا ومن هناك دون حبيب أو صديق أو رفيق الذين يتباينون ما بين متشف ومسرور ومترقب ولكن الأمكر والأخبث كان محمد دحلان الذي أول من صرح بوجوب تشكيل لجنة تحقيق تضع النقاط على الحروف وتحاكم وتجرم كل من يقف وراء هذه العملية، رغم علمه الأكيد ومعرفته التامة بأن أبو مازن وبعض مستشاريه يقفون وراء القضية وبالتالي سيتخلص منهم بحجر واحد وهذه هي اللعبة الكبرى والضربة القاضية، لذلك أطلق هذا التصريح الخطير ثم خنس وبدأت المخالب تتهشم بلحم أبو مازن فهذا يطالبه بالاستقالة وهذا بالتنحي وهذا بالمحاكمة وهذا بالخيانة العمالة وحتى وصل الأمر به أن يرفض اجتماعاً عاجلاً للقادة العرب لبحث قضية المسجد الأقصى والاعتداءات الصهيونية المتتالية عليه والتي استشرت بعد اللقاء الثلاثي في واشنطن.وهكذا فليس أمام أبو مازن إلا اتخاذ قرارا مسئولا، الاستقالة وتحمل تبعياتها أو الاستمرار بالرئاسة منبوذا من الإجماع الفلسطيني و ضاربا بعرض الحائط كل الناعقين له بأقصى العبارات وأخسها وفي كلتا الحالتين النتيجة واحدة " الشمس لا تغطى بغربال " أبو مازن خسر مستقبله السياسي وسحقت شعبيته ورمته إسرائيل جيفة قذرة محمله إياه ازدواجية اللعب معها كما صرحت به مصادر إسرائيلية للرد على جورج ميتشل المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط في زيارته المرتقبة للمنطقة قائلة : "إن لكل شيء حدود, وأن على أبو مازن أن يجني ما زرعت يداه, إذ كان يتوجب عليه ألا يلعب لعبة مزدوجة, فمن جهة يؤيد عملية الرصاص المصبوب, ومن جهة أخرى يؤيد تقرير جولدستون"، وبالتالي سيسقط أبو مازن أمام أي مرشح للرئاسة مهما صغر ، وهنا سيتدخل الأنف الصهيوني الأمريكي مرة أخرى ليصنع فارسا فتحاويا من ورق لتبقى حركة فتح حصان طراودة تحركه متى وكيف تشاء عبر ترشيح شخصية فلسطينية اللسان أمريكية القلب صهيونية الدم لتقف سدا منيعا أمام الخصوم والأنداد الذين سيترشحون للرئاسة المرتقبة، فياض صاحب الملعقة الذهبية والأوراق النقدية (قليل الشعبية، الرجل الثاني)، وشخصية حمساوية، أو شخصية مستقلة تدعمها حماس، وهكذا لا تجد فتح أمامها سوى ترشيح من تعتقد أنه الفارس الملهم محمد دحلان.وأخيرا أبو مازن سيصبح شيئاً من الماضي، ونسي المثل الشعبي "أكلت يوم أكل الثور الأبيض" وها هو يذوق طعم السم الذي قدم للرئيس الراحل أبو عمار ليقتله بالبطيء ولكن جرعة أبو مازن كانت كبيرة وسريعة، وإن كانت قتلة أبو عمار غير ظاهرين فإن رماة أبو مازن أحياء يرزقون وهم ندماء طاولات الليالي الحمراء.