كل ما يجري بشأن تقرير القاضي الجنوب إفريقي ريتشارد غولدستون مضحك مبك، يعكس تخبط جميع أطراف الموقف الفلسطيني. فالرئيس محمود عبّاس، يخسر نقاطا إضافية، سواء بتأجيل النظر في القرارات الصادرة عن لجنة القضاة الأربع الذين كلفهم غولدستون إلى آذار المقبل، أو بتشكيل لجنة تحقيق في الموضوع. وكأنه ليس هو من اتخذ قرار التأجيل. فإذا لم يكن صاحب القرار في قضية مثل هذه، فهذا يستدعي تحقيقا من نوع آخر، لا تشكيل لجنة تبدو "لجنة تبرير"، أكثر منها لجنة تحقيق. طبعا يضاف لذلك خسارات أخرى سببها موقف عباس أثناء حرب غزة. وقبل ذلك خسارة غزة ذاتها لقوات حماس، (تمت مكافأة من خسروها بعضوية لجنة مركزية فتح). بالمقابل أجزم وبالمطلق أنّ "حماس" كانت ستهاجم محمود عبّاس لو أُقر القرار. تماما كما أجزم أنّ اللاهثين وراء إقرار القرار لم يقرؤوه، ولم يقرؤوا تقرير التحقيق الدولي (574 صفحة باللغة الإنجليزية). ولكن الموضوع،في الحالتين، فرصة لاستمرار حلقة الهستيريا الفلسطينية الداخلية، وللاقتناص من المنافسين الداخليين. فالقرار يساوي بوضوح بين إسرائيل وحماس، إذ إنّه "يتهم كلا من الجيش الإسرائيلي والمليشيات الفلسطينية بممارسة الإرهاب والقتل ضد المدنيين من الجانبين"، فهل هذا ما تريده حماس؟!. غولدستون الذي كما يقول هو عمل مرارا مع المحاكم الإسرائيلية وأقاربه إسرائيليون يعيشون في "إسرائيل"، يقول: "إسرائيل وحماس ارتكبا جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية". هذا يعني أن أي نتيجة مرجوة من القرار، على شكل ملاحقة جنائية، ستمس وبقرار دولي – لأول مرة - حماس كما الإسرائيليين. لإعطاء لجنة التحقيق الفلسطينية مصداقية، يجب أن تكون من رجال قانون مستقلين مشهود لهم بالنزاهة والحياد، وأن لا يكونوا فلسطينيين فقط. فليست قضية فلسطين والمساعي في الأمم المتحدة ولجان التحقيق الدولية موضوعا فلسطينيا فقط، بل يجب أن تضم قضاة ومحققين عربا. وليست قرارات حرب غزة فقط ما تستحق التحقيق، ولكن أيضا قرار آخر مهم، قطعت السلطة الفلسطينية نصف الطريق فيه، ثم وضعته على الرف. هو قرار محكمة العدل الدولية عام 2004، حول جدار العزل في الضفة الغربية. فقد تم كسب قرار من المحكمة، كان يجب أن تتم متابعته في الأمم المتحدة، وفي الهيئات الدولية لتحويله إلى قرارات بالمقاطعة والعقوبات ضد إسرائيل. ولكن ولأسباب غامضة، وذرائع منها تحميل العرب مسؤولية عدم متابعة القرار، وضع القرار على الرف. الرئيس الفلسطيني الحالي، هو صاحب نظرية العمل الدبلوماسي والتفاوضي للحصول على الحقوق الفلسطينية. ولكن إذا كانت المقاومة المدنية السلمية مجمدة، وإذا كانت الهيئات الدولية التي يفترض أن تطالب وتحمي حقوق الفلسطينيين توقَف بموافقة فلسطينية، فمن الطبيعي أنّ تتراجع الإدارة الأميركية بقيادة باراك أوباما عن حماسها لحل القضية الفلسطينية، ومن الطبيعي أن تستمر الخسائر الفلسطينية والعربية. عن صحيفة الغد