السلطة الوطنية الفلسطينية لم تسحب طلبها النظر في تقرير لجنة غولدستون عن جرائم الحرب التي ارتكبتها اسرائيل في قطاع غزة، وإنما طلب ممثلو المجموعة العربية والدول الإسلامية وأفريقيا في مجلس حقوق الانسان إرجاء البحث في التقرير بموافقة السلطة الفلسطينية. أدين موقف العرب والمسلمين والافريقيين، ثم أدين السلطة الفلسطينية معهم، لإرجاء النظر في التقرير، كما أدين الفئات الفلسطينية كلها فهي لم تجد في الموضوع سوى تبادل تهم حقيرة لو صح نصفها أو ربعها لأصبح الكل خونة. أفضل من هؤلاء جميعاً ساره لي وتسون المسؤولة عن الشرق الأوسط وشمال افريقيا في منظمة مراقبة حقوق الانسان في نيويورك، فهي اتصلت بي وأنا في جلسة عمل في بيروت الأسبوع الماضي وبلغتني عن ارجاء درس التقرير. كان الألم بادياً في صوتها، واتصلت بها بعد ذلك وكان رأيها أن يطلب مجلس حقوق الانسان من مجلس الأمن الدولي النظر في التقرير إلا ان الضغوط الأميركية الهائلة على السلطة (وأزيد من عندي التهديدات الإسرائيلية) أدت الى الإرجاء. الآنسة وتسون قالت إن التقرير سيعرض من جديد خلال ستة أشهر ولن تجد الولايات المتحدة خياراً سوى قبوله ودعم قرار ينص على محاسبة أو مساءلة دولية إذا لم تلتزم اسرائيل وحماس بالتحقيق في ما حدث. وهي تقول إنها للأسف لا تتوقع أن تحاسب اسرائيل أو حماس اللتين خالفتا قوانين الحرب فهذا ما تشير اليه التجارب السابقة. سارة لي وتسون تريد الحقيقة، والفصائل الفلسطينية تريد تصفية حسابات، والعرب والمسلمون والأفارقة لا حول لهم ولا طول، ولا سلام اطلاقاً مع حكومة نتانياهو، والتنازلات كلها هدية مجانية لدولة فاشستية تُدنّس الحرم الشريف. ثمة نَتَن في السياسة الإسرائيلية يتجاوز الحكومة الحالية والنّتِن الذي يرأسها وجيش الاحتلال النازي والمستوطنين، وأجده يتسرب الى الصحافة الإسرائيلية، وهي شبه مستقلة ونافذة. مايا بنغال تكتب في «معاريف» رأيها وتنقل عن بنيامين نتانياهو وتقول إن مجلس حقوق الانسان في جنيف أصدر تقارير ضد اسرائيل في السنوات الأخيرة أكثر مما أصدر ضد 180 دولة أخرى مجتمعة، وان نتانياهو قال في اجتماع الحكومة الإسرائيلية الأسبوع الماضي إنه إذا روجت السلطة الوطنية للتقرير فهي «ستضر بالحرب على الإرهاب لأنها ستعطي شرعية للإرهابيين الذين يقتلون مدنيين ويختبئون وراء مدنيين...». إذا كانت إدانة اسرائيل تفوق بقية العالم مجتمعاً فالخطأ في اسرائيل لا بقية العالم، وفي حكومتها الفاشستية، واللغة تقصر عن وصف وقاحة أن تكون اسرائيل على حق والعالم على خطأ. أما رئيس الوزراء، سليل رؤساء الوزارة الإرهابيين، فيتَهم بالإرهاب ناساً يقاومون الاحتلال، والإرهاب هنا من المحتل والحرب على الإرهاب حرب عليه وحده. أما حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله فأبطال مقاومة في وجه جيش نازي هو الذي يقتل النساء والأطفال، بحسب أرقام جماعات السلام وحقوق الإنسان الإسرائيلية. في «يديعوت اخرونوت»، وهي أكثر الصحف الإسرائيلية انتشاراً نقل غاي بيشور عن ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي قولهم «إن الحرب القادمة ستكون في تل أبيب» بسبب الصواريخ التي يكدسها أعداؤها في المنطقة، ويزيد شارحاً أن هذه الصواريخ جريمة ضد الانسانية لأنها موجهة فقط ضد المدنيين الإسرائيليين...». من أين أبدأ؟ نسأل بيشور ما يقترح علينا من سلاح؟ إذا وقعت حرب أخرى فالسبب استمرار الاحتلال، أي أن سببها اسرائيل، لا أصحاب الأرض المحتلة. والصواريخ ليست جريمة ضد الانسانية فالجريمة ضد الإنسانية هي اسرائيل التي قامت في أراضي الفلسطينيين، وتواصل السرقة والاستيطان حتى اليوم، وإلى أن يقوم إرهاب حقيقي بأسلحة دمار شامل وندفع جميعاً ثمن النازية الإسرائيلية. ولعل القارئ لاحظ أن الكاتب يحذر من خطر قادم، قد يحدث أو لا يحدث، ويتجاوز أن اسرائيل وحدها تقتل المدنيين، خصوصاً النساء والأطفال. كيف يمكن التعامل مع هؤلاء الناس؟ إذا كانت أول وثاني جريدة في اسرائيل تلتزمان خط حكومة فاشستية ماذا يبقى لطلاب السلام العرب والإسرائيليين؟ «يديعوت اخرونوت» قالت في نهاية الشهر الماضي إن وزير الدفاع ايهود باراك، وهو إرهابي آخر، يواجه نتائج تقرير غولدستون من زاوية أخرى، فقد ذكر أنه «اقترح على أهارون باراك، الرئيس السابق للمحكمة العليا (الإسرائيلية) أن يرأس لجنة تحقيق لدرس المزاعم أن الجيش الإسرائيلي استهدف المدنيين الفلسطينيين في غزة، وأن مصادر سياسية ذكرت أن الرئيس السابق للمحكمة العليا يميل الى قبول العرض لأنه يرى أن دحض المزاعم ضد اسرائيل مهمة قومية...». هكذا حرفياً. أهارون باراك يميل لرئاسة لجنة تحقيق لدحض التهم لا لمعرفة الحقيقة. هذه عدالة على الطريقة الإسرائيلية. هذه نجاسة سياسية على طريق مزيد من الموت والدمار. ساره لي وتسون وأمثالها في منظمة العفو الدولية الذين وقفوا موقفاً مماثلاً أفضل من الجميع