ماذا كان يمكن ان يحصل، لو افترضنا ان مجلس حقوق الإنسان صوت على احالة تقرير غولدستون على مجلس الامن؟ من المؤكد ان الولايات المتحدة كانت ستمارس حق النقض لمنع اي تتمة للتقرير الذي تضمن اتهامات لإسرائيل وحركة «حماس» بارتكاب «جرائم حرب» خلال العدوان على قطاع غزة. اي ان النتيجة كانت ستكون اياها لو لم تعمد السلطة الفلسطينية الى طلب التأجيل على التصويت حتى آذار (مارس) المقبل. وهنا تفترق حسابات السلطة و «حماس» من الموقف من التقرير. فالسلطة اعتبرت انه من غير المفيد معاندة الموقف الأميركي وخسارة داعم لحل الدولتين. فيما اعتبرت «حماس»، المدانة هي ايضًا في التقرير، ان القضية ستتحول الى ادانة للموقف الأميركي الذي يؤيد الاحتلال ويكشف هشاشة التوجه الجديد لإدارة الرئيس باراك اوباما، وتالياً تُنقذ الحركة من الاتهامات لها. لكن هذه الحسابات المبسطة لدى السلطة اصطدمت فوراً بكل تعقيدات الوضع الداخلي الفلسطيني وتعقيدات ادارة المعركة مع اسرائيل. ما جعلها تشكل ارتكابًا وغلطة سياسية ووطنية، لم يغطّها الارتباك في تبرير الموقف ولا الدعوة المتأخرة الى احالة التقرير على مجلس الامن. بعيداً عن توصيفات الذل والعار والخيانة الخ... التي انصبت على السلطة ورئيسها من خصومه، خصوصاً الاسلاميين، لا يبدو مفهوماً، على مستوى ادارة الصراع مع اسرائيل في المرحلة الحالية، التغاضي عن الممارسة الوحشية للاحتلال سواء في الأعمال الحربية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة او في سياسة الاستيطان في الضفة الغربية. فهذه الأعمال هي تعبير عن سياسة اسرائيلة واحدة، لا يمكن معها التقدم في اي مفاوضات سلام. لا بل وظيفتها الاساسية اجهاض اي ضغوط على الدولة العبرية لحملها على قبول شروط السلام. وأعطت قضية الاستيطان مثلاً ساطعاً على هذا التوجه. وفي هذا المعنى، يصبح الرضوخ الفلسطيني للضغط الاميركي لمنع ادانة اسرائيل، خوفاً على المفاوضات، هو في ذاته نسفاً لها... لكن النتيجة هي ان السلطة بدت كمن يدافع عن هذه الممارسة الاسرائيلية التي أُفترض انها ستقضي على «حماس» خلال العدوان على غزة. هذه السقطة الوطنية، ضاعفت آثارها التطورات السياسية الحالية التي تواجه السلطة فيها ايضاً تحديًا كبيراً. القاهرة حددت موعد توقيع وثيقة المصالحة الفلسطنية، بعد عشرين يوماً، لكن عناصر هذه المصالحة عادت كلها دفعة واحدة الى الطاولة، في ظل الحملة السياسية الحالية من «حماس» وحلفائها على السلطة، والتشكيك بجدوى سياستها ومشروعها الوطني. اضافة الى التشكيك بكيفية اعادة تركيب القيادة الفلسطينية، خصوصاً على المستوى الأمني. وجاءت محاولات المتطرفين اليهود الدخول الى المسجد الأقصى، وحماية السلطات الاسرائيلية لهم وقيامها بحملة تطاول الفلسطينيين المدافعين عن الاقصى لتنزع من السلطة ورقة ذات اهمية استثنائية في النزاع مع اسرائيل. وبفعل هذه المعركة، نجح الاسلاميون، سواء في الضفة والقدس او داخل الخط الاخضر، في تصدر المعركة التي كان على السلطة ان تقودها. لقد ارتكبت السلطة، ومن حولها، خطأ الخلط بين نزاع «فتح» و «حماس» وبين ادارة الصراع مع اسرائيل، بما فيه المفاوضات. على نحو بدت وكأنها تتخلى عن المسائل - الرموز في القضية الفلسطينية، وهي الاحتلال وممارساته والاعتداءات في القدس. فيما عمد الاسلاميون الى تصدر المعركة في الموقعين، وعلى حساب السلطة. مع كل ما ينطوي عليه ذلك من عودة الى البحث في الشرعية الوطنية والسياسية ومن توصيف لأصحاب القضية. وهنا لا ينفع السلطة كثيراً اجراء تحقيق لتحديد المسؤولية في قضية التقرير ولا الطلب المتأخر بالعودة الى مجلس الامن او التشديد على رغبة في مصالحة او تمسك بمفاوضات. لم تعد تنفع التكتيكات السياسية، حفاظاً على موقع وشرعية. ان هذا الموقع والشرعية يُحفظان لمن يتصدر معركة القضايا - الرموز في القضية الفلسطينية. وهنا سجلت «حماس» نقاطاً اساسية لمصلحتها وعلى حساب السلطة.