هآرتس - بقلم: تسفي برئيل “حكم رهط كحكم تل أبيب”، هذا ما قاله رئيس الحكومة نفتالي بينيت في كانون الأول الماضي. الجريمة في المجتمع العربي غير خاصة بهذا الوسط، بل تخصنا جميعاً. بعد بضع سنوات من الإهمال التي وصلت فيها الجريمة إلى أبعاد غير محتملة، ننتقل الآن من الدفاع إلى الهجوم. لم يكلف بينيت نفسه في حينه عناء زيارة مدينة رهط، وإصبعه المهددة نحوها رفعها من فوق تلة بعيدة.
ثمة شك ما إذا كانت ريماس أبو علي، ابنة الـ 14، التي أصيبت الأحد الماضي في بطنها برصاصة طائشة، قد اقتنعت بأن رئيس حكومتها ينوي الدفاع عن حياتها، والـ 126 مواطناً عربياً الذين قتلوا عام 2021 والسكان الأربعة من يافا الذين قتلوا في هذه السنة، أدركوا متأخرين جداً بأنه لم يكونوا يأملون بأن الدولة ستدافع عنهم. صحيح أنهم يعيشون في دولة قانون، لكن عندما تم حل لغز 35 في المئة فقط من عمليات القتل في المجتمع العربي مقابل 80 في المئة في المجتمع اليهودي في 2020، وكان معدل حل لغز الجرائم 23 في المئة في المجتمع العربي مقابل 73 في المئة في المجتمع اليهودي في 2021 (“هآرتس”، 3/1)، فإن كل يوم يبقى فيه العربي على قيد الحياة يعتبر هدية.
لم يتأثر أهالي رهط من إغراق المدينة برجال الشرطة، ولا من الـ 14 لائحة اتهام التي تم تقديمها، أو من تقارير دراماتيكية نشرت بين المراسلين بشأن العثور على بندقية في روضة أطفال. ولم يستغربوا عندما سمعوا بأن لدى قائد الشرطة في رهط، نائب المفتش عاموس دمري، معلومات مهمة تقول بأن الشرطة شخصت 300 شخص مسؤولين عن كل الجريمة في المدينة. وكأنه إذا تم إبعاد هؤلاء المسؤولين عن الجريمة، ستصبح مدينة رهط نموذجية مثل هلسنكي أو على الأقل مثل تل أبيب. بجرة القلم التي سيرتفع فيها معدل الحاصلين على “البغروت” من 50 في المئة إلى 90 في المئة، سيتم تخليصها في لحظة من حضيض مستوى الدخل للفرد في الدولة، وستنتهي فيها البطالة العميقة، وسينقل خبراء دوليون إلى بلادهم هذا النموذج المدهش.
لكن إذا فصلنا الجريمة في رهط عن أسبابها الاقتصادية والاجتماعية فليس من النافل أن نسأل إذا كانوا قد شخصوا في هذا الأسبوع فقط هؤلاء المجرمين الـ 300 أم أن أسماءهم كانت معروفة منذ سنوات طويلة، لكن لم يهتم أحد بذلك؛ لأن ساحة جريمتهم لم تكن تل أبيب؟ وما عدد المجرمين الذي تعرفه الشرطة في كفر قاسم وجلجولية وأم الفحم؟ وماذا حدث لقسم “سيف” الذي تشكل بضجة كبيرة لمحاربة الجريمة في المجتمع العربي؟ وبالأساس، متى ستصل الجريمة إلى “أبعاد لا تحتمل”، تقتضي الانتقال من الدفاع إلى الهجوم مثلما أعلن بينيت؟ بعد 100 قتيل آخر؟ 200 قتيل؟
قد يحدث ذلك حين يشعر اليهود بالخوف ويمتنعون عن السفر في شوارع النقب، وتتهم منظمات اليمين رئيس الحكومة “الخائن” بغياب الحاكمية وضياع النقب، الذي هو أيضاً لم يعنهم بشكل خاص إلى أن تقرر ربط القرى البدوية بشبكة الكهرباء. يا لها من صرخة غضب انطلقت من أفواههم، إلى أن فهموا أنهم يستطيعون استغلال النقب (السائب وغير المسيطر عليه) لصالحهم، وربط بؤرهم الاستيطانية غير القانونية بشبكة الكهرباء. ما هو جيد للبدو جيد للمستوطنين، ولكن السيطرة لن تكون انتقائية، سواء في التشريع أو في إنفاذ القانون أو في تجسيد السيادة. لا يمكن أن يعيش السكان في حالة خوف دائم من جيرانهم، سواء في رهط أو الطيبة أو في الخليل أو في “كفار سفرا” أو في يطا.
من يطالب بسيطرة الحكومة على النقب لا يمكنه مواصلة استخدام الشعار الكاذب “حكم رهط مثل حكم تل أبيب”. يجب عليه الاعتراف بأن “حكم رهط مثل حكم “حومش” و”أحيا” و”افيغيل” وعشرات البؤر الاستيطانية غير القانونية الأخرى”. لأنه عندما يستطيع مستوطنون في “المناطق” [الضفة الغربية] اقتلاع أشجار وإصابة رعاة وإحراق بيوت وإطلاق النار على مواطنين دون الخوف من الاعتقال أو التحقيق، وعندما يتمتع زعران مكشوفون ومعروفون الذين عددهم أكثر بكثير من 300 بمرافقة الجيش وهم يحجون إلى “حومش” فإن للمجرمين في رهط نموذجاً للمحاكاة، بل ويعرفون أنه من الأفضل تبني الترجمة الاستيطانية لمفهوم سيطرة الحكومة.