نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعدته رجا عبد الرحيم من مدينة جنين في الضفة الغربية، وصفت فيه أوضاع السكان هناك بعد استشهاد 14 فلسطينيا في عملية عسكرية إسرائيلية ردا على سلسلة من العمليات داخل إسرائيل أدت أيضا إلى مقتل 14 شخصا.
وبعنوان: “نحن مجهدون: فلسطينيون يشجبون المداهمات الإسرائيلية كعقاب جماعي” قالت الكاتبة إن سكان هذه المدينة الفلسطينية عادة ما يقضون رمضان في متابعة المسلسلات الدرامية والكوميدية، أو يصلّون ويشربون القهوة أو يدخنون الأرجيلة في المقاهي التي تظل مفتوحة طوال الليل. ولكن هذا العام، يقضي سكان جنين ليل رمضان وسط عمليات عسكرية إسرائيلية واسعة داخل الضفة الغربية بانتظار المداهمة المقبلة.
ونقلت عن العاملة في المسرح إسراء عورتاني (32 عاما) قولها “نحن متعبون. بدأنا نفكر: متى سيأتي الدور علي أو على ابني أو أحد أفراد العائلة؟”.
وشهدت مدن الضفة الغربية في الأسابيع الماضية سلسلة من المداهمات ردا على عمليات داخل إسرائيل. وفرضت سلطات الاحتلال حظرا اقتصاديا مؤقتا واعتقلت عشرات الأشخاص. وتقول إسرائيل إنها زادت من نشاطاتها العسكرية وركزتها على المدن والقرى التي جاء منها المهاجمون. إلا أن المواطنين الفلسطينيين ونقاد إسرائيل يرون أن العملية تصل إلى حد العقاب الجماعي، وستترك آثارا سلبية وتؤدي إلى تأجيج دورة الكراهية وإراقة الدماء.
وقتلت إسرائيل منذ بداية رمضان عددا من الفلسطينيين، وكان آخرهم محمد زكارنة (16 عاما) الذي تقول أمه إنه كان في طريقه لتناول الإفطار مع العائلة بعد العمل، ورفض الجيش الإسرائيلي التعليق. وقتلت قوات الاحتلال أيضا غادة سباتين (47 عاما) الأرملة وأم لستة أطفال بعد إصابتها في قدمها عندما تقدمت من حاجز تفتيش قرب مدينة بيت لحم. وطالبت السلطة الفلسطينية بالتحقيق في مقتلها، لكن الجيش الإسرائيلي لم يعلق. وأطلق جيش الاحتلال النار يوم الأربعاء على المحامي محمد عساف (34 عاما) بعدما أوصل أبناءه إلى المدرسة في مدينة نابلس.
وتقول الصحيفة إن العملية العسكرية تأتي بعد سلسلة من الهجمات التي تعد الأسوأ منذ عام 2016، وكان آخرها في 7 نيسان/ أبريل، حيث نفّذه مسلح فلسطيني من جنين أمام حانة مكتظة في تل أبيب، وقتل شخصين وجرح 13 آخرين، قبل أن يستشهد برصاص قوات الاحتلال. وشجب الرئيس الفلسطيني محمود عباس الهجمات. كما شجبت السلطة الفلسطينية المداهمات في الضفة الغربية ووصفتها بالعقاب الجماعي، وطالبت المجتمع الدولي بالتدخل.
وفي بيان لوزارة الخارجية الفلسطينية، قالت إنها تحمّل إسرائيل تداعيات عملها. وتحتل إسرائيل الضفة الغربية منذ عام 1967 وتسيطر على نسبة 60% من أراضيها، وتدير نظامين قانونين واحد لخمسة ملايين فلسطيني وآخر للمستوطنين ويقيد حركة الفلسطينيين، وهو نظام وصفته منظمات حقوق الإنسان بالتمييز العنصري.
وردّت إسرائيل على اتهامات الأمم المتحدة بأنها تمارس النظام العنصري بأنه ليس من الإنصاف وصفها بهذا، لأنها تواجه تهديدات من الأراضي المحتلة. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت يوم الأحد، إن إسرائيل تدافع عن نفسها وإنه “لا قيود” على قوات الأمن.
ونقلت الصحيفة عن مواطنين ومسؤولين في جنين، إن إسرائيل داهمت المدينة كل يوم وليلة تقريبا. وتقوم القوات الإسرائيلية بمداهمات في المناطق الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية. وفي واحدة من الغارات في كانون الثاني/ يناير، استُشهد فلسطيني- أمريكي عمره 78 عاما بعد احتجازه من قبل جنود الاحتلال في بلدة جلجيليا قرب رام الله.
وقال دبلوماسي غربي في رام الله، إن أفعال إسرائيل تعمل على تأجيج الهجمات بدلا من احتوائها. وأضاف أن النهج الإسرائيلي يحمل مخاطر خلق موجة من الإحباط واليأس وحسّ الضحية.
وقبل مغادرتها للعمل، تستمتع عورتاني للأخبار المحلية خشية مواجهتها الجيش وهي في طريقها، وتقول إنها ربما تتعرض للقتل أو الشلل، فمن سيرعى أطفالها الثلاث؟
وتعمل عورتاني في “مسرح الحرية” الشهير الذي ألغى كل برامجه في شهر رمضان احتراما للضحايا الذين قتلوا في المداهمات الإسرائيلية للمدينة والمخيم. واستُهدفت جنين بالعقوبات الاقتصادية. ففي 9 نيسان/ أبريل، أغلق وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس المعبر الحدودي بين جنين وإسرائيل مما أدى لمنع عشرات الآلاف من الفلسطينيين في إسرائيل من القدوم إلى المدينة للتسوق، ولم يعد تجار ورجال أعمال من المدينة قادرين على العبور أيضا إلى إسرائيل، كما توقفت حركة البضائع من جنين، وألغي 5.000 تصريح صدرت لمواطنين من المدينة. وفُتح المعبر يوم السبت، إلا أنه لا يعرف إن بقيت القيود الأخرى.
وتقول تهاني مصطفى، المحللة في مجموعة الأزمات الدولية: “الهدف هو زيادة الضغط، لكنه لن ينجح، ولو نجح لما شاهدنا دوامة العنف التي نشاهدها سنويا”، مضيفة أن إسرائيل تعيد إنتاج الرد القاسي نفسه لما ترى أنها استفزازات فلسطينية. وفي أعقاب عملية تل أبيب، تذكر بعض الإسرائيليين الانتفاضة الثانية والتي قتل فيها 3.000 فلسطيني و1.000 إسرائيلي.
وفي جنين بالتحديد، تذكّر الفلسطينيون تلك الانتفاضة التي تركت آثارها على المدينة ومخيمها، حيث قامت إسرائيل بهدم مئات العمارات ردا على سلسلة من العمليات الفدائية، وفي كل مكان، هناك صور لشهداء الانتفاضة الثانية، بعضهم من التنظيمات المسلحة وآخرون مدنيون، بانتظار وضع صور شهداء الموجة الحالية.
وقال صاحب محل مجوهرات في المدينة، إن الفلسطينيين نجوا من تلك الانتفاضة، وسينجون من الموجة الحالية: “عندما تعاقب كل السكان، سينفجرون جميعا، ومثلما يريد الإسرائيليون الأمان عندما يذهبون إلى السوق، فنحن كذلك نريد الأمان عندما نذهب إلى السوق”.