على خلاف ما أشيع حول نجاح جهود الوسطاء، بالتوصل إلى توافقات حول تهدئة تشمل كل المناطق الفلسطينية، بما فيها الضفة الغربية والقدس المحتلة، فإن الفصائل الفلسطينية، لم تعط حتى اللحظة ردا نهائيا على هذه الطلبات، وفضلت البقاء في حالة التأهب، لعدم ثقتها بوعود الاحتلال، وخشيتها من هجمات جديدة خاصة في أيام عيد الفصح اليهودي، والعشر الأخيرة من رمضان، حيث يكثف الوسطاء اتصالاتهم، لضمان منع انفلات الأمور.
وعلمت صحيفة“القدس العربي” أن اتصالات الوسطاء التي تضاعفت خلال اليومين الماضيين تجاه رام الله وغزة وتل أبيب، وبحثت التصعيد وإمكانية العودة إلى حالة الهدوء، قوبلت برد حاسم من الفصائل الفلسطينية في غزة، التي تهيأت رسميا للمشاركة في “معركة القدس”، وعبر رد نهائي مفاده أن مدى التوتر وارتفاع مستوى التصعيد الميداني مرتبط بأفعال الاحتلال على الأرض. ولم تمانع فصائل المقاومة في غزة، التي أجريت معها اتصالات من قبل الوسطاء، إزاء العودة إلى الهدوء، شرط أن تنزع إسرائيل صاعق التفجير الذي قامت بتفعيله من خلال هجمات الجيش والمستوطنين ضد الضفة الغربية والقدس المحتلة وتحديدا المسجد الأقصى.
وحسب مصدر من المقاومة فإن الفصائل أبلغت الوسطاء أنها ستستمر في حالة التعبئة العامة ورفع أقصى درجات التأهب، في الأيام المقبلة، لمعرفة إلى أين ستذهب الأمور الميدانية في الضفة والقدس، وإن الهدوء الميداني مرتبط بمدى التزام إسرائيل بالتوافقات التي جرت مع الوسطاء، وأهمها إبعاد الجماعات الاستيطانية المتطرفة عن المسجد الأقصى، ومنع خطط ذبح القرابين، وإتاحة المجال أمام المصلين لأداء الصلوات في المسجد الأقصى بكل حرية. كما جرى التأكيد على أن مشاهد الدم وعمليات الإعدام الميداني على الحواجز وفي المناطق التي تشهد مواجهات شعبية تنذر بخطر مقبل، خاصة وأن غزة لم تعتد على السكوت على ما يجري في الضفة، في إطار سياسة المقاومة القائمة على “وحدة الميدان”، بعدما رفضت بشكل قاطع مخططات الاحتلال الرامية لـ “فصل الساحات” الفلسطينية عن بعضها البعض.
ونقل الوسطاء المصريون والقطريون والأمميون الذين تحدثوا بشكل مكثف مع قادة حركة حماس خلال الساعات الـ 48 الماضية، تلك المطالب لإسرائيل، وعادوا مجددا بتأكيد أن حكومة تل أبيب تريد إعادة الأمور إلى مربع التهدئة، كما أكدوا أنهم طلبوا من السلطات الإسرائيلية التقدم بخطوات تثبت ذلك، فيما وعدت الأخيرة بذلك بعد انتهاء فترة إغلاقات عيد الفصح اليهودي. كما نقل الوسطاء رسائل إسرائيلية تؤكد عدم السماح إسرائيليا للجماعات الاستيطانية المتطرفة بذبح القرابين في ساحات المسجد الأقصى.
وللتدليل على الأمر أعلن وزير الجيش الإسرائيلي بني غانتس عن رفع الطوق الأمني الشامل الذي فُرض على الضفة الغربية وقطاع غزة في أول أيام عيد الفصح اليهودي، وذلك بعد تقييم للوضع أجراه مع كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين، كما أطلقت سلطات الاحتلال سراح غالبية الأسرى الذين اعتقلتهم في أحداث القدس يوم الجمعة الماضية.
ورغم ذلك لم تثق فصائل المقاومة بتلك الوعود بعد أحداث اقتحام الأقصى مجددا صباح اليوم الأحد، وتخشى من قيام المستوطنين بتنفيذ عمليات ذبح القرابين في أيام العيد المتبقية، خاصة وأن هذه الجماعات اقتحمت بشكل كبير الأقصى صباح الأحد، بناء على دعوات سابقة لتكرار الأمر طوال فترة العيد، بحماية من قوات الاحتلال، التي قمعت المصلين الفلسطينيين.
وفي دلالة على ذلك حملت حركة حماس الاحتلال مسؤولية اعتدائه على المعتكفين والمصلين داخل المسجد الأقصى المبارك والتي وقعت من جديد فجر الأحد، عقب أحداث الجمعة، كما حملتها تداعيات السماح للمستوطنين باقتحام وتدنيس باحات الأقصى. وقالت الحركة منذرة “إن استمرار الاعتداء على المعتكفين والمصلين، وعلى قدسية الزمان والمكان، سيرتد على الاحتلال ومستوطنيه”. وقال رئيس الحركة إسماعيل هنية، إن حركته أكدت لكل الأطراف التي تواصلت معها أن “الأقصى مسجدنا، ولنا وحدنا، ولا حق مطلقا لليهود فيه، ومن حق شعبنا الوصول إليه والصلاة والاعتكاف فيه، ولن نخضع لكل إجراءات القمع والإرهاب الصهيوني”، مؤكدا أن الشعب الفلسطيني “يدافع عن نفسه وأرضه، ومن حقه الطبيعي أن يستمر في مقاومته”، وأنه سيواصل الدفاع عن القدس.
وكان عضو المكتب السياسي لحركة حماس زاهر جبارين أكد أن الحركة تواصل جهودها الميدانية واتصالاتها السياسية لـ “وقف العدوان الصهيوني على شعبنا ومقدساتنا، وخاصة المسجد الأقصى المبارك، بكل الوسائل الممكنة”، مؤكدا أنه لا هدنة مع الاحتلال، وأن ما يتم تداوله عبر وسائل إعلام عبرية وعربية “عار عن الصحة ولا أصل له”. ودعا جماهير الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والداخل المحتل، إلى “مواصلة الزحف لشد الرحال والرباط والاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك”، فيما قال العضو الآخر في المكتب السياسي عزت الرشق، إن رسالة الحركة كانت واضحة لكل الوسطاء بأن القدس والمسجد الأقصى “خط أحمر وأي استفزاز لشعبنا في مقدساته سيقابل بالمواجهة”، وأضاف “لا نسعى لحرب جديدة في غزة، لكن المقاومة في غزة تتابع كل التطورات، ويدها على الزناد، لأننا شعب واحد”.
من جهتها قالت حركة الجهاد الإسلامي إن تجدد الاقتحامات والاعتداءات على المسجد الاقصى “تكشف النوايا الحقيقية للاحتلال الذي يمارس التضليل والخداع لتمرير مخططات الإرهاب اليهودي”، وقالت إن هذه الانتهاكات والاعتداءات الخطيرة “تدفع نحو المواجهة الشاملة”. ودعت لاستمرار الرباط في المسجد الأقصى”. وأكدت الحركة، في تصريح لها، إنه “لا قيمة لأي وصاية على المسجد الاقصى إذا لم توفر حماية حقيقية للأقصى ولا تقوم بالواجبات الأساسية لمنع تهويد الأقصى ووقف الانتهاكات”، والمعروف أن المملكة الأردنية، هي صاحبة الوصاية على المقدسات الإسلامية في مدينة القدس المحتلة.
وأكد داود شهاب، القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، أن الشعب الفلسطيني سيفشل مخططات الاحتلال مهما كلف الثمن، وقال “لا يوجد خيار يكفل ردع الاحتلال سوى خيار المقاومة والمواجهة، وما يجري في القدس أمر لا يمكن السكوت عليه”.
وفي رسالة تحذير جديدة بعثتها فصائل المقاومة في غزة لإسرائيل، تنذر بدخول معركة الدفاع عن الأقصى، أطلقت فجر الأحد، رشقات من الصواريخ باتجاه بحر غزة، حيث اعتادت الفصائل سابقا على إطلاق هذه الصواريخ كتحذير للاحتلال، من إمكانية توجيهها صوب المناطق الإسرائيلية بدلا من البحر.
وإلى أن تنتهي أيام العيد اليهودي، وحتى نهاية شهر رمضان، لمعرفة مدى الحرية التي ستمنح للفلسطينيين في الوصول إلى المسجد الأقصى، بما في ذلك ضمان حرية الاعتكاف، ووقف عمليات القتل اليومية، ستظل الفصائل الفلسطينية على أهبة الاستعداد تحسبا لأي طارئ، أو أن تنكث حكومة تل أبيب وعودها التي قدمت للوسطاء.
ومن المقرر حسب ما علمت “القدس العربي” أن تبقى قناة الاتصال قائمة خلال الأيام المقبلة ما بين الوسطاء وقيادة فصائل المقاومة في غزة، والجانب الإسرائيلي، لتفادي وقوع مواجهة مسلحة جديدة.
زيارات من أجل التهدئة
ولا يستبعد أن يقوم الوسطاء بزيارات إلى كل من غزة وتل أبيب، لضمان عدم انفلات الأمور إلى مرحلة لا يمكن السيطرة عليها، تقرب من المواجهة المسلحة. وكانت الفصائل الفلسطينية في غزة، أعلنت نهاية الأسبوع الماضي، حالة التعبية العامة، وقالت إن غرفة العمليات المشتركة، ستبقى في حالة انعقاد دائم لمتابعة التطورات واتخاذ ما يلزم من قرارات لحماية الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته.
الى ذلك رفض الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة تصريحات رئيس وزراء الاحتلال نفتالي بينيت حول أحقية أي شخص الدخول للمسجد الأقصى والصلاة فيه، وقال إنها تعد “محاولة لتشريع التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى المبارك”، محذرا من خطورة ما أقدمت عليه سلطات الاحتلال في الأقصى، وشدد على أن ما جرى في المسجد هو “تصعيد خطير”، محملا الاحتلال المسؤولية عنه، وطالب الإدارة الأمريكية بالخروج عن صمتها ووقف العدوان الذي قال إنه “سيشعل المنطقة بأسرها”، حاثا الفلسطينيين على “شد الرحال إلى المسجد الأقصى”.
من جهته قال عضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لحركة “فتح حسين الشيخ إن “التصعيد الإسرائيلي الخطير في الحرم الشريف، بهدف التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى يعد عدوانا سافرا على مقدساتنا وسيفشله شعبنا بوحدته وصموده وثباته”، داعيا المجتمع الدولي إلى التدخل للجم حكومة الاحتلال، وقال إن الصمت الأممي “لم يعد مقبولا”.
وقد أعلنت الرئاسة الفلسطينية أن الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية، يواصلون تحركهم على الصعيد الدولي، بما في ذلك إرسال رسائل وإجراء اتصالات مع عدد من قادة العالم والمنظمات الدولية، بهدف وضع قادة العالم والمنظمات الدولية في صورة الأوضاع الخطيرة التي تمر بها الأراضي الفلسطينية من اقتحامات للمدن والمخيمات والقرى، وبشكل خاص ما يجري في القدس، وقالت إن الاتصالات تهدف إلى مطالبة دول العالم والمنظمات الدولية بالتدخل لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وإلزام سلطات الاحتلال الإسرائيلي باحترام القانون الدولي، ووقف الاعتداءات.