ما أن فازت حركة المقاومة الإسلامية حماس في انتخابات كانون الثاني (يناير) 2006، حتى تعرضت تجربتها هذه إلى حصار مطبق بمستويات محلية وإقليمية ودولية، ولقد أبدت السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها حقيقة حركة فتح ورموز بارزة فيها، تؤمن بالخط التفاوضي المطلق مع (إسرائيل)، عن رغبتها في إجراء انتخابات جديدة أو حتى إجراء استفتاء بحجة أن برنامج حماس السياسي جلب الحصار على الشعب الفلسطيني. هذا في حين انه لم يمض على الانتخابات التشريعية الثانية سوى بضعة شهور، في موقف غريب جدا من قادة السلطة الفلسطينية، الذي لا يتماشى أصلا مع رغبة وإرادة الشعب الفلسطيني، وما تم نظمه تشريعا وقانونا في القانون الأساسي الفلسطيني بكل تعديلاته المتتالية. ولقد تبين فيما بعد أن جل الغرض من هذا الموقف بإعادة الانتخابات أو إجراء استفتاء جديدين، كان الغرض منهما هو إبعاد حماس عن المشهد السياسي الفلسطيني، ذلك أن برنامج الحركة السياسي لا يمكن قبوله أساسا، ثم إن أي برنامج سياسي متكامل حتى في سياق الحدود الدنيا التي يمكن أن يقبل بها الشعب الفلسطيني، لا يمكن أن تقبل به (إسرائيل) أو أمريكا أو اللجنة الرباعية، التي تسيطر عليها الإرادة الأمريكية والإسرائيلية، في الحين نفسه أن قيادة السلطة الفلسطينية وتيار فتح المفاوض فيها إمكانات إستراتيجيته التفاوضية قائمة بالأساس على ما يتيحه التفاوض مع الإسرائيليين. وعلى هذا فان مقولة الواقعية السياسية التي لا تتحلى بها حماس في إستراتيجيتها وسياستها ثبت عدم صحتها في ظل رفض تيار فتح المفاوض عمليا وبالتجربة لكل الاتفاقات التوفيقية بشأن برنامج الحد الأدنى لحقوق الشعب الفلسطيني، وهذا واضح مليا من خلال الموقف من وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني (وثيقة الأسرى في حزيران/يونيو 2006 )، وكذلك الحال مع اتفاق مكة في مطلع العام 2007. ذلك لان كل المحاولات التوفيقية بين حماس والسلطة الفلسطينية، كان الغرض منها حدا أدنى من الحقوق والثوابت الفلسطينية التي تؤدي إلى غرض الطلب من (إسرائيل) بالانسحاب من جميع الأراضي المحتلة عام 1967، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهو ما لا يمكن أن يكون له مجرى في إطار التفاوض الفلسطيني الرسمي مع (إسرائيل). ولقد دلت الشواهد التي مورست في إطار العلاقة المواجهة مع حماس في طرفها السلطوي مع قيادات السلطة السياسية والأمنية في فترة لاحقة لتشكيل حماس حكومتها العاشرة، ثم تاليا الحكومة الاتحادية الحادية عشرة، أن المسألة إنما تتعلق بتوجه أساسي له أطراف إقليمية من دول الاعتدال العربي ومن الولايات المتحدة الأمريكية وأطراف أوروبية معينة تريد إزالة حماس من المشهد السياسي ولو بالقوة الميدانية، وهذا تجلى بوضوح في تجربة حماس غزة مع مشروع الجنرال دايتون الذي فشل بفعل حسم حماس العسكري في حزيران (يونيو) 2007. وحتى في سياق العودات الحوارية بين حماس وفتح تحديدا بعد حرب (إسرائيل) الأخيرة على غزة، ثبت أن هذه الجولات لم يكن الغرض النهائي منها تثبيت اتفاقية فلسطينية فلسطينية بين أطرافها الأساسية المسيطرة على الساحة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنما أن هذه الجولات التي وصلت إلى ست أو يزيد، كان الغرض منها تكتيكيا، ليس إلا. لان الالتقاء غير وارد في ظل تبني جهة لخيار مفاوضات ليس له قاعدة سياسية في إطار ثوابت وطنية فلسطينية، ولا مرجعية قانونية دولية واضحة ومحددة، في ظل الحديث وتطبيقه في خارطة الطريق أو المبادرة العربية أو لقاء انابوليس مع نهاية العام 2007. وواضح أن السلطة الفلسطينية الرسمية تريد شراء الوقت من اجل الوصول إلى إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، في سياق التعويل على الفوز بها ضمن حالة انبعاث الأمل للتيار الفتحاوي الأساسي في السلطة الفلسطينية بتحقيق فوز كاسح، بعد ما تعرضت له تجربة حماس الديمقراطية إلى انتكاسات بفعل الحصار والدمار الذي لحق بها وبالشعب الفلسطيني من جهات عديدة على رأسها أمريكا و(إسرائيل). ولهذا تابعنا ما يقوله الرئيس محمود عباس في الفترة الأخيرة عن استعداده التام لقبول كل مطالب حماس، بشرط قبول الأخيرة بإجراء الانتخابات في كانون الثاني (يناير) القادم 2010. المتوقع ولقد سُئلت مرات عديدة سواء من صحافيين أو متابعين عاديين للأوضاع الفلسطينية، حول سيناريو إجراء أو عدم إجراء الانتخابات الثالثة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي هذا الشأن، وبناء على التقديم السابق يمكن القول بشأن ما هو متوقع حول الانتخابات القادمة على النحو التالي:سيناريو يقول بأن السلطة الفلسطينية في رام الله، وفي سبيل إقناع حركة حماس بإجراء الانتخابات القادمة في موعدها، من خلال الوصول إلى اتفاق توافقي بينهما تًدخُل فيه عناصر الحد الأدنى من البرنامج الوطني المشترك، ويتم قبله أو أثناؤه أو بعد التوصل إلى هذا الاتفاق إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية الذين تجاوز عددهم الألف معتقل، مع السماح لكوادر حماس وعناصرها المختلفة بحرية الحراك الميداني تحضيرا لهذه الانتخابات. وبرأيي أن هذا السيناريو غير مرجح وضعيف جدا، ذلك أن أي برنامج سياسي يضمن الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني، لن تقبله (إسرائيل) ولا المرجعيات الأمنية الضابطة للأوضاع في الضفة الغربية، وعلى فرض أن السلطة وبموافقة أمريكية وإسرائيلية ستجعل الالتزام بهذا الاتفاق شكليا لحين الفوز المتوقع من السلطة الفلسطينية بفوز حركة فتح في هذه الانتخابات، فان ما يأتي من مراحل لاحقة على الفوز في انتخابات 2010 سيجعل هذا الـــبرنامج التوافقي المتفق عليه مقيدا وملزما للسلطة الفلسطينية وقيادة فتح أمام الشعب الفلسطيني في سياق أي مفاوضات يتمخض عنها أي اتفاق مع إسرائيل. أما السيناريو الثاني فيتعــــلق بإجــراء الانتخابات في الضفة الغربية المحتلة، التي أصبح بعض السياسيين والكتاب يصفونها بدولة الضفة الغربية، على اعتبار أن السلطة في رام الله بقيادة الرئيس عباس ومشايعيه، بدأوا باتخاذ إجراءات على الأرض، لجعل مركز القرار والعمل والانطلاق في الضفة الغربية، من خلال عقد المؤتمر السادس لحركة فتح في مدينة بيت لحم، وإضفاء الشرعية الانتخابية فيه على وجوه فتحاوية في جلها من الضفة الغربية سواء تعلق الأمر باللجنة المركزية للحركة أو المجلس الثوري، أو من خلال محاولة بث الروح في اطر منظمة التحرير الفلسطينية عبر دعوة المجلس الوطني لجلسة أو دورة طارئة لتعيين ستة أعضاء جدد في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. وهذا معناه حسب بعض المراقبين والمحللين السياسيين مقدمة ضرورية من قبل الرئيس عباس لإضفاء مزيد من الشرعية على تصرفاته وقراراته وخطواته السياسية في المستقبل، وان كانت عملية إضفاء الشرعية هذه مشوبة بعدم القانونية والديمقراطية كما جرى مع مؤتمر فتح، ومع دعوة المجلس الوطني للمنظمة الفاقد للأهليتين القانونية والسياسية، وان هذه المقدمة الضرورية ستقود إلى إجراء الانتخابات الثالثة في كانون الثاني (يناير) القادم، حتى لو لم توافق عليها حماس بسبب عدم التوصل إلى اتفاق بين فتح وحماس وعدم إطلاق سراح المعتقلين في الضفة الغربية. وكل هذا من منطلق أن الذي يتجاوز اتفاق القاهرة 2005 بشأن المنظمة أو النظام الأساسي لحركة فتح بشأن عقد المؤتمر، بصلاحية التحضير له من لجنة منبثقة عن اللجنة المركزية وليس عن بعض أعضاء المجلس الثوري في رام الله كما جرى على ارض الواقع، يمكن أن يتجاوز المعطيات الفلسطينية القائمة بين انقسام فتح وحماس، وبين الحاجة إلى اتفاق وطني بينهما لإجراء الانتخابات. هذا السيناريو ممكن الحدوث، لكن يعترضه الأمر الواقعي بحقيقة غياب قطاع غزة عن المشاركة في الانتخابات، وهنا حقيقة من الصعب تجاوزها، ممكن تجاوز بعض الأمور القانونية أو الناظمة حسب اللوائح سواء ما تعلق بقطاع الانتخاب في حركة فتح أو بالمنظمة، لكن سيكون من غير المقبول في نظر الشعب الفلسطيني إجراء انتخابات مبتورة ومجزوءة في الضفة الغربية دون قطاع غزة، وعلى كل حال لا يمكن استبعاد هذا السيناريو، في ظل حملة التبريرات والمسوغات التي ستقودها السلطة الفلسطينية برام الله وبمساندة أطراف إقليمية ودولية. السيناريو الأخير، هو أن انتخابات كانون الثاني (يناير) 2006، قد تكون هي آخر انتخابات للسلطة الفلسطينية، في إطاريها الرئاسي والتشـــريعي، وذلك بسبب الصعوبة البالغة في التوفيق بين طرح حماس السياسي وطرح قيادة السلطة وفتح في رام الله، وان العلاقة التي بينهما باتت تدافعية ازالية سواء في غزة أو الضفة الغربيـــة، لصــــالح برنامج في مواجهة برنامج سياسي آخر، وفي ظل عدم المصالحة والاتفاق، فان الانقسام بين الضفة وغزة سيكون قائما، وبالتالي تكون عملية إجراء الانتخابات القادمة في 2010 سواء في الضفة الغربية أو في غزة مستحيلة، لسيطرة كل طرف على منطقة بعينها بالكامل. هذا بالإضافة إلى أن أي تغيير قادم على مستوى المنطقة العربية الإسلامية، في مواجهة المشروع الأمريكي والإسرائيلي، إذا ما جاء لصالح خيار المقاومة، سيكون له تأثير واقعي دراماتيكي مزلزل على مشروع السلطة الفلسطينية برمتها، وربما بعد ذلك يكون الحديث عن الانتخابات نوعا من العبث، وهذا السيناريو ممكن وقوي، وقد يَرجح السيناريو الثاني، والله اعلم. ’ محام وناشط حقوقي فلسطيني