خبر : الوحدة الوطنية هي الرد على وهن الجسد ونزيف الإرادة ...بقلم: فراس ياغي

الخميس 24 سبتمبر 2009 01:08 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الوحدة الوطنية هي الرد على وهن الجسد ونزيف الإرادة ...بقلم: فراس ياغي



  نشر مقالان هذا الأسبوع لقياديين من حركة فتح، الأول لرجل حكيم عاصر الثورة منذ بدايتها وعايش التجربة من ألفها إلى يائها وحمل همومها واستحق أن تكرمه بعضوية اللجنة المركزية لحركة "فتح" في مؤتمرها السادس وهو للأخ "عثمان أبو غربية" بعنوان " ما العمل؟ سؤال مطروح فلسطينيا وعربيا" ونشر في "وكالة فلسطين برس"، وآخر للدكتور "جمال نزال" وهو عضو في المجلس الثوري لحركة "فتح" بعنوان "تصريحات هنية ومحاولة اغتيال غامضة" في "الكوفية برس"، وشتان بين المقالين: فالأول يعلم جيدا أن استمرار الانقسام يضعف الجسد الفلسطيني ويمزقه، بل يضعف إرادته في استمرار رفض ومقاومة محاولات فرض الشروط عليه، وهو في مقالته يتعامل مع الكل الفلسطيني ويتحدث عن المجموع الفلسطيني، ولا ينظر للقضية الفلسطينية باختزالها بصراع داخلي يجب أن ينتهي، لأن استمرار وجوده "نزيف يستفيد منه الاحتلال" كما يقول الأخ "أبو غربية".  بينما الثاني لا يرى في القضية كلها سوى الصراع مع "حماس"، ويدعو إلى تجاوزها في أي شيء وكل شيء، فهي "ليست شرطا لنجاح الانتخابات" كما يقول، والحوار معها لا يجدي نفعا، وهي لن "تجعلنا أغنياء بشيء جديد نسعى إليه أو فقراء عن شيء هو عندنا الآن"، مع العلم أن الرئيس عباس والقيادة الفلسطينية تعتبر حركة حماس جزء من الشعب الفلسطيني وتكوينه السياسي، كما أننا كنا أغنياء قبل الانقسام بوحدتنا وموقفنا الواحد في مواجهة الاحتلال، والآن فقراء بسبب تمزقنا وانقسامنا.  كما أن هذا الحديث غريب أن يأتي  في هذه الفترة بالذات، خاصة بعد طرح "الورقة المصرية" والتفاؤل الكبير الذي عم الشعب الفلسطيني بأكمله نتيجتها معتقدا أنها ستؤدي لجسر الهوة وعودة اللحمة الوطنية بين جناحي الوطن، والأغرب من كل ذلك أن يأتي هذا الحديث من عضو مجلس ثوري منتخب وفي موقع مسئول، والحمد لله أنه يعترف انه من الأقلية في حركة التحرير الفلسطيني "فتح" الذين يدعون إلى هكذا مواقف، حيث يقول "ولكني أنتمي إلي أقلية في الحركة ممن لا ثقة لهم بقدرة حماس على الوصول لاتفاق أو التزامها به"، وهو من حقه أن يعبر عن رأيه كما يريد، ولكن الرأي ليس بالتحريض المزيف، حيث يعتبر نفسه ضعيفا لدرجة أنه كما يقول " احذر من منح حماس مربع ولو بحجم نصف سنتمتر في الضفة، لأن أي مربع لأي حركة انقلابية يعادل مساحة رقعة الدم التي ستخلفها في كل مسالكها الشيطانية"، وهو ينسى أننا بطريقة عملنا في غزة وبعدنا عن قواعدنا وعدم التحامنا بجماهيرنا، وطريقة قيادتنا للأمور في غزة والصراعات الداخلية بين قياداتنا، هو من سمح لحركة "حماس" لتقوم بانقلابها، وكان يفترض بالمؤتمر السادس لحركة "فتح" أن يناقش كيف آلت إليها الأمور في غزة؟!، ولماذا هزمنا؟!، ولكن للأسف تم المرور على هذا الملف وكأنه لم يكن، فلم يتم مناقشته باستفاضة، ولم يتحمل أحد المسئولية عما حدث، بل إن تقرير اللجنة الخاصة بأحداث غزة لم يعرض حتى في المؤتمر. إن محاولة تحميل الآخر المسئولية لوحده دون النظر لنفسه أو حتى ممارسة نقد ذاتي من باب المراجعة مسألة غريبة عن تنظيم قائد وحركة تحرر لم تنجز مشروعها حتى الآن وبعد أكثر من أربعين عاما، فرغم العامل الموضوعي الأساسي المحيط بالقضية الفلسطينية، وموازين القوى المختلة بشكل كبير، إلا أن العامل الذاتي أيضا مهم وأساسي، فالانتفاضة الأولى هي من فرض أجندة القضية الفلسطينية على جدول أعمال العالم، وهي من فرض التنازل عن حلم ووهم "إسرائيل" من البحر إلى النهر، وهي التي أدت إلى اتفاق "اوسلو" رغم نواقصه الكبيرة، ولولا الانتفاضة لما فكرت إسرائيل مطلقا بالحديث مع منظمة التحرير الفلسطينية، فالوحدة الوطنية والفعل الجماهيري والذي اشتركت فيه كافة فئات الشعب الفلسطيني كان هو الأساس، وهذا هو معيار أساسي للشعوب للتحرر من نير الاستعمار، وهذا ما هو مطلوب عمله في الوقت الراهن، فالفعل الفلسطيني الشامل والمبني على أسس واضحة وبشرط وجود وحدة وطنية داخلية، هو الرد العملي على وهن الجسد ونزيف الإرادة، والفعل الفلسطيني الجماهيري هو الذي سيعيد للقضية عافيتها، وهو الذي سيعزز المناعة العربية ويدفع العالم أكثر للعمل بجدية نحو مفهوم حل الدولتين الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى على الزوال، نتيجة للاستيطان والجدار وتهويد القدس.  ومن قاد الانتفاضة الأولى يستطيع قيادة العمل الفلسطيني القادم بحكمة اكبر وباستفادة كبيرة من تجربة الانتفاضة الثانية الفاشلة وغير المنظمة، والتي أدت لفوضى أوصلتنا لما نحن عليه حتى الآن، المطلوب أولا أن نستعيد الوحدة السياسة والجغرافية للوطن وفقا "للورقة المصرية" كمقدمة للبناء عليها لاحقا، واستعادة دورنا الوطني والقومي والعالمي، فنحن في الانقسام أصبحنا مجرد أدوات، أو كما قال الأخ اللواء "جبريل الرجوب" عضو اللجنة المركزية لحركة فتح "حديقة خلفية" يفعل بها اللاعبين الأساسيين في الإقليم والعالم كما يشاءون.  ولقد علمتنا التجربة أن الفعل الجماهيري هو الوحيد القادر على مواجهة أعتى القوى، وبلعين ونعلين وغيرها شواهد حية، يجب تكبيرها وتفعيلها، والمردود الجماهيري لا يمكن أن يكون فعالا إلا في نطاق برنامج سياسي واقعي ومن خلال وحدة سياسية أساسها منظمة التحرير ووفقا لما اتفق عليه في "قاهرة المعز" سابقا ولاحقا، ومن يدعو لتعزيز الانقسام بحجة إثبات قناعاته الذاتية ليس له في العمل السياسي ولا يمكن أن يكون عامل تحدي يعزز الصمود ويفعل الإرادة، فنحن كشعب فلسطيني ليس أمامنا إلا خيار واحد، هو الثبات والصمود والمواجهة الجماهيرية وعدم التفريط بالحقوق الوطنية غير قابلة للتصرف.  إن التمسك برفض التفاوض بدون وقف وتجميد الاستيطان بما فيها النمو الطبيعي، مسألة يجب أن نعززها ونرددها دائما، وتجاوزها يعني أننا قبلنا مسبقا بما تخطط له الحكومة اليمينية في "إسرائيل"، فالتفاوض هو أولا على الأرض، والاستيطان هو فرض حقائق على الأرض المتفاوض عليها، وهذا يعني استباق نتائج المفاوضات مسبقا، كما أن الشعب الفلسطيني شبع مفاوضات مع حكومات إسرائيل المتعاقبة، ولا يعقل أن نذهب مجددا للمفاوضات بدون تنفيذ ما اتفق عليه سابقا، فالاتفاقيات مسألة تبادلية، والسلطة الفلسطينية نفذت المطلوب منها ولا زالت، في حين الجانب الآخر لم ينفذ شيء، ولا يزال يتحدث بمنطق القوة والتهديد، وليس لديه من قوة المنطق شيء، خاصة أن منطق الأشياء واضح، بقرارات دولية من مجلس الأمن والأمم المتحدة والاتفاقيات الموقعة.  من هنا، فان اللقاء الثلاثي الذي تم في "نيويورك" ليس بذي أهمية، وجاء تلبية لدعوة من الرئيس "أوباما"، ومحاولة من قبل الرئيس الفلسطيني للتأكيد على أنه ليس من يعرقل تنفيذ المتفق عليه، وليس في وارده مقاطعة حكومة "نتنياهو" لمجرد المقاطعة، فكل شيء يجب أن يكون تبادلي، و"نتنياهو" معروف للرئيس "أبو مازن" جيدا، فقد فاوضه سابقا، ويعلم جيدا أنه مراوغ وأنه لا يمكن تحقيق شيئا معه، ويعرف أن أحداث النفق عام 1996 والضغوطات التي مارستها عليه إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق "كلينتون"، هي من فرض عليه الذهاب إلى " واي ريفر"، وهذه تجربة يجب قراءتها جيدا، فبدون فعل جماهيري على الأرض وضغوطات دولية وأمريكية بالذات، فلا يمكن تحقيق أي شيء مع الحكومة الإسرائيلية الحالية.  إن الواقع الفلسطيني أصبح لا يحتمل ولا يطاق، والشعب الفلسطيني ليس بحاجة إلى نمو اقتصادي وحركة على الطرق على أهميتها، وإنما بحاجة إلى الانعتاق من الاحتلال والاستيطان، وقد أثبت التجربة منذ "مدريد" وحتى أيامنا هذه، أن الفعل المفاوض وحده لا يمكن أن يؤتي ثماره، وان العمل الجماهيري الواعي والسلمي والبعيد كل البعد عن انجراف غير مسئول هو من يفرض على الجانب الآخر التنازل والتسليم بحقوقنا الشرعية من أجل التوصل لاتفاقية سلام، كما أن شعار الدولة الواحدة ثنائية القومية يجب عدم إسقاطه أبدا، فإسرائيل لا تريد دولتين مستقلتين متجاورتين تربطهما ليس فقط علاقات الجيران، وإنما اتفاقيات خاصة بسبب التشارك في كل شيء، وإسرائيل لا تريد عربيا في دولتها، وتريدها "يهودية" التعريف ونقية العرق، لذلك لا بد من التفكير جديا بإعادة تعريف الصراع القائم، وعدم إسقاط أي خيارات ممكنة وقادرة على الرد على منطق القوة التي لا تزال تفكر بها إسرائيل بدل قوة المنطق، وإسرائيل تعلم جيدا أن من يعطيها حق الوجود ليس قوتها المغتصبة، وإنما قبول فلسطيني وعربي بها، وهذا لا يمكن تحقيقه بدون سلام يستند لتسوية تعطي الشعب الفلسطيني حقه في دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وحل عادل لمسألة اللاجئين وفقا للقرار الاممي 194، وبغير ذلك فما يجري مجرد سراب وطحن في الهواء لن يحقق سوى مزيدا من التدهور ومزيدا من الصراع.     رام الله