كانت الجولة الأخيرة ، لمبعوث الإدارة الأمريكية لعملية السلام إلى الشرق الأوسط ، جورج ميتشل والتي استمرت أكثر من أسبوع هي امتداد لجولات سابقة متكررة حاول من خلالها ميتشل دفع حكومة نتنياهو للإعلان عن تجميد الاستيطان كاستحقاق وليس كشرط من اجل تمهيد الأجواء أمام انطلاق واستئناف مفاوضات المسار الإسرائيلي – الفلسطيني إلا أن الذي حدث هو فشل ميتشل أو بتعبير أدق عدم ممارسة ممثل الإدارة الأمريكية الضغوط الكافية على حكومة نتنياهو لتجسيد استحقاق وقف النشاط الاستيطاني ، طبقا لخارطة الطريق من اجل استئناف مفاوضات السلام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني .... غادر ميتشل المنطقة قبل أيام وقبل لقاء القمة دون حدوث التزام إسرائيلي بوقف أو على الأقل تجميد الاستيطان كما يطالب بذلك الجانب الفلسطيني وكما تنص على ذلك خارطة الطريق وما ترتب على ذلك من قيام الرئيس اوباما – الذي يشارك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة – من ترتيب لقاء قمة جمعه مع الرئيس عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بهدف كسر الجليد أو تمهيد الطريق أمام عودة الحياة إلى مسار المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية .... قبل القمة وبعدها مباشرة حدث ثمة جدل كبير ليس فقط على صعيد المراقبين والمحللين والمتابعين للشأن السياسي في المنطقة بل حدث هذا الجدل على صعيد الرأي العام الفلسطيني والعربي بخصوص تداعيات وملابسات والمكاسب العائدة من وراء مشاركة الرئيس عباس في هذه القمة وتمحورت الاستفهامات على النحو التالي : · ما الذي دفع الرئيس عباس للمشاركة في هذه القمة – بحضور نتنياهو – على الرغم من عدم التزام إسرائيل بتجميد الاستيطان وهو المطلب الفلسطيني الذي تم التمسك به طويلا كشرط من اجل استئناف المفاوضات مع إسرائيل ؟ · وهل يمكن القول أن الرئيس عباس قد خضع لضغوطات كبيرة من جانب الرئيس الأمريكي وكذا من جانب بعض القادة العرب للمشاركة في هذا اللقاء ؟ · وهل كان بالإمكان –طبقا للياقة والتقاليد الدبلوماسية – أن يرفض الرئيس عباس دعوة الرئيس اوباما للمشاركة في لقاء القمة ؟ · ولماذا أصر الرئيس الأمريكي على ترتيب هذا اللقاء وبحضور عباس ونتنياهو دون التزام هذا الأخير بوقف النشاط الاستيطاني كما تؤكد على ذلك خارطة الطريق؟ · وهل يمكن اعتبار الرئيس عباس هو الخاسر الأكبر من وراء مشاركته في هذا اللقاء وهو الأمر الذي يعني بالمقابل أن نتنياهو هو الرابح الأكبر وهو الذي لم يستجيب للمطلب الفلسطيني الخاص بوقف النشاط الاستيطاني كاستحقاق تفرضه خارطة الطريق ؟ · وهل ستؤثر مشاركة الرئيس عباس في لقاء القمة على فرص نجاح الحوار الوطني الذي ترعاه الشقيقة مصر والتي تستعد بعد أيام لاستضافة الجلسة التي قد تكون الأخيرة على هذا الطريق ؟ استفهامات وأراء متعددة ، متناقضة وجدل كبير في أوساط المراقبين السياسيين وكذا في أوساط الرأي العام أحاط بالقمة الثلاثية ولا يزال والأمر يفترض إبراز جملة من الحقائق : أولا : ليس من المنطق أن يرفض الرئيس عباس دعوة الرئيس اوباما لحضور قمة تجمعه مع نتنياهو ، على هامش اجتماعات الجمعية العامة ، خاصة وان الرئيس اوباما يعتبر الراعي الأكبر والاهم لعملية السلام في المنطقة والأمر يفترض من الرئيس عباس المشاركة في مثل هذه القمة بهدف توضيح وشرح الموقف السياسي الفلسطيني العادل من عملية السلام ومتطلباتها وان غياب الرئيس عباس بالتأكيد سيفسح المجال أمام نتنياهو وإظهاره وكأنه ملتزم بالسلام وان من سيغيب عن القمة ليس لديه أي اهتمام بصنع السلام .... إن حضور الرئيس عباس القمة لا يعدو أن يكون حضورا بروتوكوليا طالما أن الموقف الفلسطيني من استئناف عملية السلام مرتبط تماما بتنفيذ الجانب الإسرائيلي لاستحقاقات عملية السلام بما فيها الوقف الشامل للنشاط الاستيطاني وقد أكد الرئيس عباس بعد القمة على هذا الموقف قائلا : " إن استئناف المفاوضات يتوقف على أن يكون هناك تحديد كامل لمرجعية العملية التفاوضية ، بمعنى أن يكون هناك أساس لهذه العملية وهو اعتراف بالانسحاب الإسرائيلي الكامل إلى حدود 67 وإنهاء الاحتلال " . ثانيا : قد يبدو في المدى المنظور إن نتنياهو هو الرابح الأكبر من وراء المشاركة في هذه القمة ذلك انه التقى مع الرئيس عباس دون أن يلبي الشرط الفلسطيني الخاص بتجميد الاستيطان أولا ، والحقيقة أن الأمر يفترض عدم الخلط بين مجرد حدوث اللقاء وما تبعه من مصافحة وابتسامة باردة من جانب الرئيس عباس – طبقا لمعلق التلفزيون الإسرائيلي – وبين استئناف المفاوضات التي أكد عليها الرئيس عباس بأنها لن تنطلق قبل أن ينفذ الجانب الإسرائيلي ما عليه من التزامات وبخاصة وقف النشاط الاستيطاني .... نتنياهو قد يظهر أمام الرأي العام الإسرائيلي وكأنه المنتصر وهو بطل هذه القمة كونه ذهب للقاء الرئيس عباس دون أن يدفع الثمن المطلوب والحقيقة ستتضح بعد أيام عندما يتم الحديث عن استئناف المفاوضات ؟ ! ثالثا : حتى اللحظة ، الجانب الإسرائيلي لم يقدم أي مؤشرات تنم عن استعداده وسعيه لتحقيق السلام حتى بعد لقاء القمة المذكورة مباشرة جاءت أقوال وزير الخارجية الإسرائيلي ، ليبرمان لتؤكد على عدم جاهزية وأهلية حكومة نتنياهو لصنع السلام وفي هذا السياق عقب ليبرمان على لقاء القمة بالقول : " اشعر بالارتياح لحدوث اللقاء ، وان يستأنف الحوار بدون شروط مسبقة .... إن التفاوض سيكون طويلا ومعقدا وينبغي عدم انتظار نتائج مع ساعة توقيت في اليد .... من غير المرجح التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين في السنوات القادمة .... يمكن التوصل في أفضل الحالات إلى تسوية مؤقتة وهناك عشرات النزاعات مستمرة في العالم دون اتفاق نهائي على تسويتها ؟! " رابعا : ندرك تماما أن الرئيس اوباما بحاجة ماسة لترتيب لقاء القمة الثلاثية بهدف إعادة تحريك بحيرة السلام الراكدة في الشرق الأوسط بعد أشهر مضت - دون أي تقدم يذكر – على خطابه التاريخي الذي ألقاه في جامعة القاهرة وخاطب فيه العالمين الإسلامي والعربي وأبدى استعداده لصنع السلام في المنطقة .... اوباما كان بحاجة لترتيب هذا اللقاء على هامش اجتماعات الجمعية العامة – حيث سيلقي خطابا يتحدث فيه بالتأكيد عن رؤيته لصنع السلام في الشرق الأوسط – وهو الأمر الذي يعيد تسليط الأضواء من جديد على الإدارة الديمقراطية الأمريكية ومدى اهتمامها بالسلام العالمي خاصة وان انتخابات الكونجرس الأمريكي ستفرض نفسها في الأشهر القادمة .... وفي إطار محاولة منه لطمأنة الرئيس عباس والقادة العرب أكد اوباما بعد القمة قائلا : " يجب أن تبدأ مفاوضات الوضع الدائم قريبا .. لقد حان وقت الحديث عن بدء المفاوضات .. حان وقت التحرك للأمام " إن أقوال الرئيس اوباما تتطلب إحداث نقلة حقيقية من الخطاب الإعلامي إلى التنفيذ الفعلي حيث الدخول مباشرة في مفاوضات مسائل الوضع النهائي ومن النقطة التي توقفت عندها في انابوليس . خامسا : ليس هناك ثمة علاقة بين مشاركة الرئيس عباس في القمة الثلاثية وبين تطورات الحوار الوطني الفلسطيني الذي ترعاه الشقيقة مصر ذلك أن مشاركة الرئيس في اللقاءات والمؤتمرات الدولية وما تفرضه من إجراء مفاوضات هو أمر متفق عليه طبقا لاتفاقات القاهرة حيث اعتبار منظمة التحرير ورئيسها هو المسؤول عن مباشرة المفاوضات سواء مع الجانب الإسرائيلي أو مع أي جهة دولية والرئيس عباس يملك الصلاحيات الدستورية والقانونية التي تؤهله للقيام بهذا الدور. يبقى أن نشير أخيرا إلى عدم الإسراع في إطلاق الاتهامات من هنا وهناك والتشكيك في أن القيادة السياسية قد خضعت للابتزاز والضغوطات الدولية وان هناك تفريط وتنازل عن الحقوق وهذا قبل أن تستأنف المفاوضات والحقيقة أن الفعل والتحرك السياسي المسؤول لا يعرف الجمود والانغلاق والابتعاد عن التأثير في تطورات الحركة السياسية الدولية بما يخدم الإستراتجية السياسية الوطنية .... لننتظر ونرى هل يتم استئناف المفاوضات على المسار الإسرائيلي – الفلسطيني في الأسابيع القادمة دون التزام إسرائيلي بتنفيذ الاستحقاق الخاص بتجميد الاستيطان وكذا الاستحقاقات الأخرى ؟؟