الموافقة على المشاركة في القمة الثلاثية أسقطت أخر ورقة توت يتمسك بها ’الرئيس’ الفلسطيني، وأزالت القناع الأخير عن وجهه، ولكن لا غضاضة في تذكير عبّاس والمحيطين به، أنّ الشعب الفلسطيني لن يوافق على نقل نموذج ’الرئيس’ الأفغاني، حميد كرزاي إلى فلسطين، كنّا نقترح عليك يا سيّد عبّاس، بدل أن تجتمع إلى نتنياهو وأوباما، أن تدخل إلى مقر الأمم المتحدة حاملاً بيديك صور الشهداء الذين قُتلوا من قبل جيش الاحتلال في العدوان البربري الأخير على قطاع غزة، الذي حوّل أبناء القطاع إلى حقل تجارب للأسلحة الأمريكية المحظورة دولياً، وأن تُعلن من على المنصة عن استقالتك بسبب شهداء شعبك، شيباً وشباناً، أطفالاً ونساءً، عندها ستعود إلى صفوف شعبك معززاً لأنّه عند الامتحان يُكرّم المرء أو يهان. تذّكر صديقك اللدود الشهيد ياسر عرفات، عندما دخل إلى نفس القاعة حاملاً بيدٍ البندقية، وباليد الأخرى غصن الزيتون، وكيف حوّل بعمله الرمزي هذا قضية فلسطين من قضية لاجئين، إلى قضية شعب، سُلب وطنه، وطًرد من أرضه، وشُرد قبل 61 عاماً إلى جميع أصقاع العالم.توطئة: وكأنّ المخرج كان على علمٍٍ بالتوقيت، وكأنّ المنتج كان على درايةٍ بخبايا وخفايا الأمور، وكأنّ جميع المشاركين في المسرحية التراجيدية حسب كل المقاييس والمعايير الإنسانية، في زمن شريعة الغاب، كانوا على يقينٍ بأنّ شهر أيلول (سبتمبر)، هو الشهر الأسود للشعب العربي الفلسطيني، بتنا شعب الأرقام، فهذا من الـ48، وذاك من الـ67، حتى جثامين الشهداء تحتجزها الدولة العبرية في ما يُسمى بـمقابر الأرقام، ولكنّ أيلول اللعين مليء بالأحداث الخطيرة والمجازر الرهيبة ضد الفلسطينيين في جميع أماكن تواجدهم، أيلول الأسود في الأردن عام 1970. وفي السادس عشر من شهر أيلول (سبتمبر) من العام 1982 بدأت المجزرة التي هزّت العالم في مخيمي اللاجئين صبرا وشاتيلا في لبنان، مجزرة صبرا وشاتيلا، التي أدارها بدقة وعناية فائقتين المجرم أرئيل شارون، ونفذتها ميليشيات القوات اللبنانية العميلة، 27 عاما مضت، وما زال الجرح دامياً، والقلوب نازفةً على الشهداء، لأنّ الشهداء لا يموتون، ولأنّ الشعب النابض ما زال يتذكر، يُمهل ولكنّه لا يُهمل، فلا الأيام ولا السنين، ولا ذاك القائد أو المتزعم، ولا هذا المتواطئ ولا ذاك العميل، على مقدرةٍ بشطب مجزرة صبرا وشاتيلا من الذاكرة الجماعية لشعب الجبّارين، الذي قدّم وما زال يُقدّم الشهداء من أجل تحقيق حلمه في تقرير مصيره، وإذا تركنا صبرا وشاتيلا، فهي لن تتركنا، كما هو الحال مع دير ياسين وقبيا وكفر قاسم، وجميع المجازر التي نُفذت ضد هذا الشعب الصابر والمرابط على أرض الآباء والأجداد، صراخ الشهداء وصورهم ما زالت مغروسةً في ذاكرتنا، على الرغم من أنف الجميع، وهذا الأمر، نقل الرواية من جيلٍ إلى جيلٍ، هو أحد أسباب قوة الشعب الفلسطيني، الذي ينقل روايته المأساوية ولسان حاله يقول جيل يمضي وهو يهز الجيل القادم... قاومت، فقاوم. مقدمة: تسود الدولة العبرية حالة من الهستيريا والهلع بسبب التقرير الذي قدّمته اللجنة التابعة للأمم المتحدة برئاسة القاضي غولدستون، الذي يشهد له الخصم قبل الصديق بمهنيته وبموضوعيته وبتاريخه النـــضالي ضدّ نظــــام العزل العنصري في جنوب أفريقيا، وشاءت الصدف أن يتم نشره في أول أيـــام مجزرة صبرا وشاتيلا. التقرير يؤكد بشكلٍ قاطعٍ وحازمٍ وغير قابلٍ للـــتأويل أن ’الجيش الأكثر أخلاقية في العالم’، كما يحلو لوزير الحرب الإسرائيلي ايــــهود باراك أن ينعته، ارتكب خلال العدوان الأخــــير على غــــزة جرائم حرب وجـــرائم ضد الإنسانية، واستعمل الأسلحة الأمريكـــية المحرمّة دولياً ضد الأطفال والنساء والمسنين الفلسطينيين في القطاع، والأهم أنّه يوصي بعرضه على مجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرارٍ بمحاكمة إسرائيل، أو تشكيل محكمـــة دولية خاصة من قبل الأمم المتحدة لمقاضاة مجرمي الحرب الإسرائيليين، من المستويين السياسي والأمني، كما أنّه يتيح المجال، كملاذٍ أخير، للضحايا ولذوي الشهداء بتقديم دعاوى قضائية ضد السياسيين والعسكريين الإسرائيليين. ولا بدّ في هذه العجّالة من التذكير بأنّ أوروبا، التي أشبعتنا محاضرات عن الديمقراطية وكرامة الإنسان، عارضت تشكيل هذه اللجنة لتقصي الحقائق حول ما اقترفته إسرائيل من جرائم في غزة.وبسبب أهمية الموضــــوع نجد لزاماً على أنفســـنا أن نضع الأمــور في نصابها:أولاً: لا أحد يُنكر بأنّ الدبلوماسية العربية تتراجع يوماً بعد يوم، فحتى دول أفريقيا، التي كانت صديقة للعرب وصوتت إلى جانب المجموعة العربية دائماً ضدّ إسرائيل، استقبلت مؤخراً وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، ووقّعت على اتفاقيات مع الدولة العبرية، أما الدول العربية فالعديد منها منشغل حتى النخاع في كيفية تسويق المطلب الأمريكي بالتطبيع مع إسرائيل مقابل وقف الاستيطان، وهناك عدة دول همها الأول والأخير تأجيج الصراعات بين ’الأشقاء’، وإشغال العرب بما يُسمى التهديد النووي الإيراني، ومبارك مصر وعلى مصر، الذي صرح بأنّ الجندي الإسرائيلي الأسير غلعاد شليط، هو أحد أبناء مصر، متجاهلاً أنّه بسبب هذا الجندي، الذي تمّ أُسره في معركةٍ عسكريةٍ، تمّ إدخال الشعب الفلسطيني في غزة إلى أكبر سجن في العالم، وما زال سكان القطاع يعيشون تحت الحصار التجويعي، الذي تشارك فيه مصر، أم الدنيا، ويُهدد وزير خارجيتها، أحمد أبو الغيط، بتكسير أيدي وأرجل الفلسطينيين الذين يحاولون اقتحام معبر رفح، المنفذ الوحيد من السجن، والذي لا تقوم القاهرة بفتحه إلا لماماً.ثانياً: نحن على ثقة بأنّ الأنظمة العربية، لو كانت تتمتع بشيء من الكرامة، لكانت استغلت هذا التقرير لصالح قضية العرب الأولى، قضية فلسطين، ولكن بما أنّ هذه الأنظمة هي محميات أمريكية، وربما أكثر من ذلك يمكن توصيفها بحظائر سايكس بيكو، فإنّها التزمت الصمت بعد نشر التقرير، كنّا نعتقد أنّ للتواطؤ توجد حدود، ولكن التقرير الأممي جاء ليؤكد لنا أنّ الحدود شُطبت من قاموس الأنظمة العربية، فلماذا لا يعقد مثلاً مؤتمر قمة عربي لدراسة التقرير والعمل على تمريره في مجلس الأمن الدولي أو تشكيل لجنة دولية لمحاكمة إسرائيل؟ هل دم رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، أهم من دماء أطفال غزة؟ لماذا يا عرب، قمتم بالتعاون مع أعداء الأمّة لتشكيل لجنة تحقيق دولية في ظروف اغتياله؟ أنسيتم أنّكم، من محيطكم حتى خليجكم، حوّلتم قضية الحريري إلى قضية أهم من الدولة اللبنانية؟ أتعتقدون أننّا سذج إلى هذا الحد ولا نفهم أنّ وراء الأكمة ما وراءها، وأنّ المستهدف الرئيسي من ’بحثكم عن الحقيقة’ هو التماشي مع أمريكا وربيبتيها إسرائيل ضد أخر معقل للقومية العربية، سورية؟. سورية، التي على الرغم من أنّها تعرضت وما زالت تتعرض لأبشع أنواع الابتزاز، لم تتنازل قيد أنملة عن مواقفها وثوابتها، وما زالت تستضيف قادة المقاومة الفلسطينية، الذين تصنفهم أمريكا وإسرائيل بالإرهابيين. نريد منكم فقط أن تعلموا، أنّه لا يحق لكائن من كان أن يساوم على دم الشهداء، الذين عطّر دمهم الغالي تراب الوطن الزكي، من أجل الحصول على ’مكاسب’ سياسية من الدولة العبرية أو أمريكا أو دول النفاق الأوروبي.ثالثاً: للتذكير فقط، رئيس سلطة رام الله، محمود عبّاس، وصف صواريخ المقاومة بأنّها عبثية، متناسياً أن اتفاق أوسلو، وهو الذي أشرف على هندسته، حوّل القضية الفلسطينية برمتها إلى قضية هامشية على الأجندة الدولية، وحوّل الشعب إلى شعب المتوسلين والمتسولين، يعيش على أموال الدول المانحة. بعد نشر التقرير، الذي يدين إسرائيل، لم ينبس هذا ’الرئيس’ ببنت شفة، ولم نسمع منه أيّ تصريح عن التقرير، وبالتالي نسأله: لماذا؟ لماذا لا تنضم إلى صديقك، الثعلب الأبدي شمعون بيريس، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، ربّما بسبب مسؤوليته المباشرة عن مجزرتي قانا (1996 و2006)، وتؤكد أنّ التقرير يسخر من التاريخ؟ على السيّد عبّاس والمحيطين به أن يعلموا بأنّّه لا يمكن بأيّ حال من الأحوال مقايضة السلام بالحقوق الإنسانية، من لا يحترم عذاب وآلام ودماء شعبه والشهداء الذين سقطوا لا يمكنه أن يقاتل على حقوق شعبه السياسية، وعليه أن يعلم أيضاً أنّه لا يمكن أن تكون عذابات الإسرائيليين مقدسة وعذابات الآلاف من أبناء شعبنا العربي الفلسطيني مباحة، هذا ليس مقبولا لا بالمستوى السياسي ولا بالمستوى الإنساني. ولكن علينا القــول الفصل إنّه والله، كما يقول المثل الشعبي: ’إللي استحوا، ماتوا!’رابعاً: في هذه الأيام تُمارس الضغوط على عبّاس للاجتماع مع أوباما ونتنياهو على هامش المؤتمر العام للجمعية العمومية أواخر الشهر الجاري، وفعلاً أثمرت الجهود على عبّاس، ووافق على المشاركة في القمة الثلاثية في نيويورك، وهذه الموافقة أسقطت أخر ورقة توت يتمسك بها هذا ’الرئيس’، وأزالت القناع الأخير عن وجهه، ولكن لا غضاضة في تذكير عبــــّاس والمحيطــــين به، أنّ الشعب الفلسطيني لن يوافق على نقل نموذج ’الرئيس’ الأفغاني، حميد كرزاي إلى فلسطين، والأيام بيننا. كنّا نقترح عليك يا سيّد عبّاس، بدل أن تجتمع إلى نتنياهو وأوباما، أن تدخل إلى مقر الأمم المتحدة حاملاً بيديك صور الشهداء الذين قُتلوا من قبل جيش الاحتلال في العدوان البربري الأخير على قطاع غزة، الذي حوّل أبناء القطاع إلى حقل تجارب للأسلحة الأمريكية المحظورة دولياً، وأن تُعلن من على المنصة عن استقالتك بسبب شهداء شعبك، شيباً وشباناً، أطفالاً ونساءً، عندها ستعود إلى صفوف شعبك معززاً لأنّه عند الامتحان يُكرّم المرء أو يهان. تذّكر صديقك اللدود الشهيد ياسر عرفات، عندما دخل إلى نفس القاعة حاملاً بيدٍ البندقية، وباليد الأخرى غصن الزيتون، وكيف حوّل بعمله الرمزي هذا قضية فلسطين من قضية لاجئين، إلى قضية شعب، سُلب وطنه، وطًرد من أرضه، وشُرد قبل 61 عاماً إلى جميع أصقاع العالم.مسك الختام: من عوّل على أول رئيس أبيض يدخل إلى البيت الأبيض، باراك أوباما لا يُعوّل عليه، ففي الاختبار الأول، أي بعد نشر التقرير، سقط هذا الرئيس الأمريكي إلى الحضيض، ولم نسمع منه وعنه، وهذا ما كان متوقعاً، فأوباما، كبقية الرؤساء الأمريكيين، هو ألعوبة أو رهينة بأيدي اليمين المسيحي المحافظ، واللوبي الصهيوني والعرب المتصهينين، وحسب الدلائل والمؤشرات فإنّ أوباما ارتعدت فرائضه بعد أن بينّت له استطلاعات الرأي العام في الولايات المتحدة الأمريكية بأنّ شعبيته لدى موطني بلاده في تراجعٍ مقلقٍ، وأنّ شعبيته في صفوف اليهود والصهاينة الأمريكيين أيضاً في تراجعٍ مستمرٍ، فحتى اليوم، بعد مرور تسعة أشهر على دخوله البيت الأبيض لم يتمكن من إجبار الاحتلال الإسرائيلي على إزالة حاجزٍ واحدٍ في الضفة الغربية المحتلة؟ ولكن، عفواً، كيف يمكن لرئيس هو بنفسه يحتل أراضي الغير أن يُلزم المحتل الآخر على التصرف بـ’إنسانية’؟على أيّة حال، كل مجزرة والأمّة العربية بألف خير. ’ رئيس تحرير صحيفة ’مع الحدث’ الصادرة في الداخل الفلسطيني