لعلنا نربط ربطتا جدليا واستراتيجيا ما بين "شطب القضية الفلسطينية" لدى ليبرمان، وما بين نهج"الابادة السياسية للقضية" وبين"السلام المستحيل في الادبيات والاستراتيجيات الاسرائيلية...! فحينما يعترف ليبرمان في لقاء مع صحيفة يديعوت أحرونوت"إنه يريد محو القضية الفلسطينية من قاموس وزارته"، مضيفا:"يهمنا إزالة الموضوع الفلسطيني عن جدول الأعمال بقدر ما نستطيع، وهذه أجندة سياسية بالأساس"، مؤكدا:""مرّ 16 عاما منذ أوسلو لكن لا يوجد احتمال للتوصل إلى أي اتفاق شامل بإمكانه حل المشاكل بعد 16 عاما آخر أيضا"، فان هذا الاعتراف يضعنا امام تحديات كبيرة لم يرتق العرب حتى اليوم الى مستوى التصدي لها، ولو جاء الاعتراف في زمن عربي آخر مختلف عما نحن فيه اليوم، لاختلفت ايضا المواقف والردود العربية، ولربما لتحركت جيوش وجيوش...!. لو جاز لنا ن نخاطب ليبرمان على تصريحاته لقلنا له: شكرا لك ليبرمان على مواقفك وصراحتك ووضوحك وحسمك وتهديداتك، شكرا لك على دورك الكبير جدا في الكشف عن الوجه الحقيقي ل"اسرائيل" والاستراتيجيات والاطماع والاهداف الاسرائيلية الكبيرة...!. ونقول: ان سياسة شطب القضية بكافة ملفاتها راسخة في ادبيات ومخططات المؤسسة الصهيونية مذ اقيمت تلك الدولة المخترعة، فهي بالتالي ليست موقفا ليبرمانيا صرفا كما يقول البعض ، وانما هي قضية اجماع سياسي اسرائيلي يمتد من الحائط اليساري الى اقصى الحائط اليميني...!. وهم هناك في المؤسسة الامنية والسياسية الاسرائيلية يربطون عمليا ما بين" السلام المستحيل" الذي يجمعون في سياقه على مواصلة المفاوضات العبثية بغية كسب الوقت واقامة حقائق الامر الواقع على الارض، وما بين"الابادة السياسية والاستراتيجية للقضية والحقوق العربية في فلسطين" في الاستراتيجيات الاسرائيلية...؟ الجنرال شاؤول موفاز وزير الحرب الاسرائيلي سابقا كان كثف لنا في تصريحات له لصحيفة" يديعوت احرونوت "جوهر السياسات الاستراتيجية الصهيونية /الاسرائيلية منذ نشاة الحركة الصهيونية مرورا ب"الدولة العبرية "وصولا الى المشهد الراهن تجاه الشعب والقضية والحقوق الفلسطينية بعبارات صريحة واضحة قاطعة، اذ اعلن قائلا: "لا اعتقد اننا من الممكن ان نتوصل مع القيادة الفلسطينية الحالية الى اتفاق سلام ...وسنضطر لانتظار الجيل القادم من الفلسطينيين، واكثر ما يمكن ان ننتظره حاليا هوربما تسوية انتقالية واحدة" ، وعن الدولة الفلسطينية والتسوية الدائمة قطع موفاز مؤكدا:"انا لاارى ان ذلك قد يحدث في السنوات القادمة ..ويجب ان نعترف ان الشريك الفلسطيني الحالي لا يزودنا بالبضاعة المطلوبة ". فبينما تشرح لنا هذه التصريحات /المواقف والادبيات السياسية الليبرمانية - الموفازية النهج الاسرائيلي الراهن على حقيقته المستند الى "الابادة السياسية " و "السلام المستحيل " في الاستراتيجية الاسرائيلية ، فانه يحملنا ايضا الى البدايات والجذور السياسية والاستراتيجية الصهيونية /الاسرائيلية ازاء ملف الصراع والعلاقات مع العرب . ولعلنا نستحضر هنا بعضا من ادبياتهم في هذا السياق، ففي مطلع العشرينيات من القرن الماضي كان جابوتنسكي - الاب الروحي لزعماء الليكود واليمين الصهيوني - قد خلص الى استنتاج استراتيجي فيما يتعلق بالعلاقة مع عرب فلسطين رافضا فيه" اي امكانية للتوصل الى اتفاق سلام مع عرب فلسطين دون بناء الجدار" مؤكدا: الطريق الوحيد الذي يقود الى التعايش بين العرب واليهود في فلسطين هو من خلال بناء جدار لا يمكن اختراقه"، وبذلك يكون جابوتنسكي قد رفض "اي اتفاقية بين العرب واليهود قبل ان تجهز الصهيونية على فلسطين وقبل ان يتم اقامة الجدار الحديدي". وعلى النهج ذاته كان بن غوريون مؤسس الدولة العبرية قد نظر حول المسألة نفسها في رسالة بعث بها في 9/6/1936 الى المجلس التنفيذي للوكالة اليهودية حيث اصر على : ان السلام مع العرب هو مجرد وسيلة للوصول الى الهدف.. وحاجتنا الى اتفاقية ليست من اجل اقامة سلام في هذا البلد.. فالسلام بالنسبة لنا هو وسيلة فقط، والغاية هي التحقيق الكامل والتام للصهيونية.. ولهذا السبب فقط نحتاج الى اتفاقية. وقد اصر بن غوريون على رأيه بأن: اي اتفاقية مع العرب بشأن الهدف النهائي للصهيونية هو امر يمكن تصوره لكن على المدى الطويل، موضحا : ان الاتفاقية الشاملة غير مقبولة الآن.. لانه فقط بعد اليأس الكامل من قبل العرب، يأس يأتي ليس فقط كنتيجة لفشل اعمال العنف ومحاولات التمرد - من قبل العرب - بل ايضا كنتيجة لتنامي وجودنا في البلاد يمكن للعرب ان يذعنوا في ارض اسرائيل اليهودية. التشابه كبير هنا بين استنتاج بن غوريون واستنتاج جابوتنسكي.. فالاول الاب الروحي للحركة العمالية والثاني لليكود واليمين المتشدد.. - فما الفرق اذن ما بينهما وبين تصريحات وادبيات ليبرمان والجنرال موفاز اعلاه..؟ كان اسحق شامير رفض- في عهده- رفضا قاطعا اي مؤتمر للسلام.. واية تسوية دائمة مع العرب، واقواله حول مدريد تدوي حتى اليوم، حيث اعلن انه "سيجعل المفاوضات تستمر عشر سنوات دون نتيجة"، ولكن الجنرالات الذين اتوا بعده مرورا برابين وباراك مددوا المدة الزمنية الى خمسة عشر عاما، ثم الى عشرين عاما، ثم جاء الجنرال موفاز ليمددها لسنوات قادمة لا حصر لها الى ان ياتي جيل فلسطيني جديد يقبل بالسلام الذي يبحثون عنه….! ثم يقفز الينا ليبرمان بسقف جديد يمتد الى عام/2025...! فالحقيقة الساطعة التي لا يريد بعض العرب رؤيتها ان أقطاب "اسرائيل" من بن غوريون الى اشكول الى مائير الى بيغن الى رابين الى شامير الى باراك الى نتنياهو الى شارون، وصولا الى اولمرت ثم عودة الى باراك، فنتنياهو، كانوا اعلنوا صراحة او مواربة او ميدانيا على الارض ان لا سلام مع العرب ، وان اوسلو ماتت، و"ان التسوية الدائمة مع الفلسطينيين مستحيلة". لذلك صدقوا ليبرمان حينما يدعو الى شطب القضية عن جدول الاعمال، وحينما يسخر من قصة "السلام" ومن المفاوضات الرامية إلى "حل الدولتين"..!. nawafzaru@yahoo.com