خبر : معركة تقرير غولدستون ... مصطفى إبراهيم

الخميس 17 سبتمبر 2009 11:26 ص / بتوقيت القدس +2GMT
معركة تقرير غولدستون ... مصطفى إبراهيم



  في إسرائيل توقعوا أن يكون تقرير اللجنة الأممية لتقصي الحقائق في الحرب على غزة الذي أكد ارتكابها جرائم حرب خطيرة، أن يكون خطير ولكن ليس بهذه الخطورة، التقرير بات يعرف باسم "تقرير غولدستون" وهو يهودي ما أعطى مصداقية للتقرير، وسيحول دون اتهام اللجنة بمعاداة السامية كما حصل في مناسبات مماثلة في الماضي. وفي إسرائيل أصيب كبار وزراء الحكومة الإسرائيلية بالصدمة، أثناء مناقشة سبل الرد على التقرير، وكان الغضب سيد الموقف في اجتماع جلسة "منتدى السباعية" الذي يضم نتانياهو وستة آخرين من كبار وزرائه، الذين أعربوا عن خشيتهم من أن يؤثر التقرير على علاقات وسمعة إسرائيل بالمجتمع الدولي.ومن أجل ذلك شرعت الحكومة بحملة واسعة لـ"زعزعة صدقية" التقرير، وللحيلولة دون انعقاد مجلس الأمن الدولي والتصويت على اتخاذ إجراءات عقابية ضد شخصيات إسرائيلية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة. وتناولت وسائل الإعلام العبرية تصريحات لمسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى، من أن إسرائيل ستسعى لتجنيد الولايات المتحدة ودول أوروبية لـ"منع أي انعكاسات خطيرة"، ينطوي عليها التقرير، قد تصل إلى  القيام  بسلسلة اعتقالات في أنحاء أوروبا لمسؤولين بارزين من صناع القرار، وليس لضباط كبار في الجيش فقط ممن شاركوا في العدوان على غزة.وتم تشكيل لجنة ثلاثية تضم كل من رئيس الوزراء نتانياهو، ووزير الأمن إيهود باراك، ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان للتصدي للتقرير، فيما بدأت وزارة الخارجية عملها فوراً بتجنيد  رئيس الدولة شمعون بيرس للتصدي للتقرير كسياسي ودبلوماسي متمرس في الساحة الدولية  للتخفيف من حدة مضمون التقرير.وفي مؤتمر صحافي عقده الأربعاء 16/9/2009، هاجم بيرس تقرير لجنة غولدستون الذي وصفه بأنه "يسخر من التاريخ ولا يفرق بين مهاجم ومدافع"، ووصف العدوان على غزة بأنه حرب دفاعية وقال: " لو كان معد التقرير، غولدستون، يسكن في سديروت، ولو كان أبناؤه معرضين لإرهاب الصواريخ، لما كان كتب هذا التقرير، المجرم هو المهاجم العدواني والمدافع لا خيار أمامه إلا الدفاع عن نفسه".بيرس الذي  تجاهل الحصار المفروض على قطاع غزة منذ العام 2000، وليس قبل ثلاثة أعوام. التقرير أكد على أن الحصار الإسرائيلي على غزة شكل وما يزال يشكل انتهاكاً لالتزامات إسرائيل، بصفتها الدولة القائمة بالاحتلال بموجب اتفاقيات جنيف الرابعة، بالإضافة إلى ممارساتها التي تحول دون تمكن الفلسطينيين من الحصول على لقمة العيش ومن حرية الحركة، فإنها "قد تقود محكمة قديرة إلى اعتبارها جريمة ضد الإنسانية".إذاً المعركة على تقرير لجنة غولدستون بدأت، وإسرائيل جندت كل قدراتها السياسية والدبلوماسية والإعلامية لكسب المعركة، وبدأ ت الماكثة الإعلامية الإسرائيلية بتزييف الحقائق والتاريخ، وتجاهلت واقع الاحتلال، والحصار المفروض على الأراضي الفلسطينية، ليس على قطاع غزة فقط، وغول الاستيطان وتهويد القدس والحرب المعلنة على فلسطيني 48، وأعمال القتل اليومية والاعتقالات التي سبقت العدوان على غزة والجرائم التي ارتكبت خلال العدوان ومنذ 61عاماً.التقرير أكد على أن "هناك أدلة قوية على ارتكاب القوات الإسرائيلية انتهاكات جسيمة للاتفاقيات الدولية في غزة، بما في ذلك القتل المتعمد والتعذيب بصورة غير إنسانية لتعمد إلحاق أقصى ضرر أو إحداث جروح خطيرة، والتدمير الكبير للممتلكات".وأن هذه الانتهاكات تدعم إمكان توجيه اتهامات على أساس "المسؤولية الإجرامية الفردية"، خصوصاً في "حالات استخدام مدنيين دروعاً بشرية، ما يشكل جريمة حرب بموجب نظام المحكمة الجنائية الدولية"، ودعا غولدستون مجلس الأمن إلى اتخاذ إجراءات ضد إسرائيل "لإنهاء الإفلات من العقاب".وطالب غولدستون، الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بأن يضع المسألة فوراً أمام مجلس الأمن للتصرف بموجب الفصل السابع، وإحالة القضية على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في حال رفضت إسرائيل إجراء "تحقيق ذي صدقيه يتسق مع المعايير الدولية وبإشراف حقوقي دولي" في الاتهامات التي تضمنها التقرير خلال ستة شهور.منظمات حقوق الإنسان قامت بدورها على أكمل وجه، وقامت بجمع الأدلة والبراهين من خلال الرصد والتوثيق وجمع الملفات وتحضيرها ومقابلة الضحايا وذويهم، وقامت بتسليم تقاريرها التي أعدتها إلى مؤسسات حقوق الإنسان الدولية، ولجان تقصي الحقائق التي وصلت غزة، ولجنة الأمم المتحدة الخاصة بالتحقيق في تدمير مقر" أونروا"، ولجنة التحقيق الدولية التي شكلتها جامعة الدول العربية، والتحالف الدولي للدفاع عن ضحايا العدوان، وغيرها من لجان التحقيق والتي خلصت في تحقيقاتها إلى تطابق كامل مع ما توصلت إليه لجنة غولدستون.فالمعركة التي خاضتها مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية والدولية أثناء العدوان وبعده كانت سبب في الوصول إلى هذه النتيجة.مؤسسات حقوق الإنسان مستمرة في معركتها ضد دولة الاحتلال، فالمطلوب من مؤسسات المجتمع المدني الاستمرار أيضا في معركتها وممارسة الضغط على السلطة الفلسطينية التي لم يصدر عنها حتى الآن أي رد فعل تجاه التقرير، والقيام بدورها من خلال حملة سياسية ودبلوماسية وإعلامية، لممارسة الضغط على المسؤولين الأوربيين، واستغلال الرأي العام الدولي المتعاطف والمؤيد لفرض عقوبات على المسؤولين الإسرائيليين.آن الأوان أن تدرك القيادة الفلسطينية أن عليها واجب وطني بإنهاء حال الانقسام، والعمل من أجل فك الحصار عن قطاع غزة، وعدم الركون إلى ما توصلت إليه اللجنة الأممية، وان الاحتلال لا يزال قائم ويمارس أبشع الجرائم وبشكل يومي، ومن واجبها تسخير كل الطاقات لحث الدول العربية والأوربية من أجل محاسبة المسؤولين الإسرائيليين وعدم الإفلات من العقاب.mustafamm2001@yahoo.commustaf2.wordpress.com