هآرتس - بقلم: عاموس هرئيل "حوامة التصوير التابعة لـ”حزب الله” التي أسقطتها قوات الجيش الإسرائيلي على حدود لبنان الثلاثاء بعد الظهر، هي الخامسة التي تلقى المصير نفسه خلال السنة. الجيش الإسرائيلي لا يعطي أي تفاصيل عن كيفية إسقاط الحوامات، لكن استناداً إلى الاستخدام العسكري لهذه الحوامات في دول أخرى، يمكن التخمين بأن ثمة اندماجاً بين حرب إلكترونية ووسائل اعتراض حركية يعمل هنا.
إن استخدام الحوامات لجمع المعلومات، وأحياناً لغرض هجمات محددة لأهداف صغيرة، هو أمر سائد الآن في كل ساحات القتال في المنطقة. في الاحتكاك الدائم بين إسرائيل و”حزب الله” فإن الحزب يستخدمها لغرض جمع أهداف تكتيكية، مثل جمع معلومات لغايات عملياتية.
في الوقت نفسه، يستعين بها “حزب الله” أيضاً لفحص استعداد الجيش على طول الحدود وفحص قدرته على الرد بسرعة. وهي وسيلة ستستخدم بالتأكيد بشكل واسع إذا ما اندلعت حرب أخرى على طول الحدود الشمالية.
في آب الماضي، أسقطت وحدة الجليل، الفرقة 91 في الجيش الإسرائيلي والتي تنتشر على طول الحدود، حوامة اخترقت سماء إسرائيل. بصورة استثنائية، بقيت الصور التي التقطتها الحوامة أثناء طيرانها. ووجدت الاستخبارات الإسرائيلية في الصور التي تم تقديمها لـ “هآرتس” والتي تظهر في هذه الصفحة، من يشغلون الحوامة. هؤلاء أشخاص من الوحدة المرتبطة كما يبدو بـ “قوة الرضوان”، وهي قوة النخبة الهجومية لدى “حزب الله” والمسماة على الاسم الحركي لعماد مغنية، رئيس أركان “حزب الله” الذي قتل في عملية اغتيال مشتركة نسبت لإسرائيل والولايات المتحدة في دمشق في شباط 2008.
في السنوات الأخيرة، بعد أن خبت الحرب الأهلية في سوريا، أعاد “حزب الله” معظم أعضاء “قوة الرضوان” من سوريا إلى لبنان ونشر جزء منها في قرى جنوب لبنان. أسماء النشطاء في وحدة الحوامات معروفة لإسرائيل. وتظهر في الصور أيضاً صور من الجو على انتشار الجيش الإسرائيلي في أجزاء من منطقة الحدود.
قام”حزب الله” بقفزة كبيرة في استخدام الحوامات. في السنوات الأخيرة تم تشخيص، تقريباً كل أسبوع، حوامات من لبنان طارت على طول الحدود مع إسرائيل، واخترقت أحياناً إلى مسافة بضع مئات من الأمتار جنوباً. الحوامة الآن بضاعة رائجة، ووسيلة متاحة لكل فرد: يتم استيرادها بشكل قانوني للمحلات التجارية في لبنان، ويمكن طلبها أيضاً عبر الإنترنت. مصورون ومهنيون وهواة يشغلونها لغاياتهم، وهكذا يفعل الشباب أيضاً. ولكن بالنسبة للجيوش أو التنظيمات الإرهابية أو العصابات، ما من مشكلة في تحويلها لمهمات عسكرية، تستكمل نشاطات تتم عبر منصات أكبر، الطائرة بدون طيار. والجيش الإسرائيلي يدخل هذه الحوامات إلى استخدام واسع في وحداته القتالية، ويتوقع أن يكون لها مكان أكبر عندما يستكمل البرنامج متعدد السنوات “تنوفاه”.
بالنسبة لـ”حزب الله” هو يستند، ضمن أمور أخرى، إلى نظرية قتال وأساليب تعلمها رجال “الرضوان” من القتال كتفاً إلى كتف مع مدربين روس وإيرانيين في الحرب الأهلية في سوريا. استخدم الطرفان في هذه الحرب الحوامات أيضاً لإلقاء العبوات الناسفة والقنابل اليدوية من الجو. وثمة تجارب مشابهة جرت مؤخراً أيضاً من قبل حماس ضد قوات الجيش الإسرائيلي على حدود القطاع. ولكن المهمة الأساسية تجميعية: يوثق “حزب الله” بواسطة الحوامات ما يحدث في الجانب الإسرائيلي من الحدود بصورة أفضل، ويحسن نوعية المعلومات العملياتية التي لديه قبيل التصعيد أو استعداداً لحرب في المستقبل.
إن ما نسميها هنا “الرائد أ” هي قائدة “منظومة الرقابة الجوية للفرقة”، وهي غرفة عمليات تعالج حوامات “حزب الله” في وحدة الجليل، والتي تم تدشينها قبل سنة ونصف. وثمة غرفة عمليات مشابهة تعمل في فرقة غزة. وحسب قول “أ”، فإن استخدام الأعداء الواسع للحوامات تم تشخيصه في العام 2014، وفي حينه بدأ بلورة الرد العملياتي على هذا الفضاء الذي يسمى باللغة العسكرية بالمفهوم الضبابي “ارتفاع قريب من الأرض”. ويجلس في غرفة العمليات المشتركة رجال رقابة جوية (هذه أيضاً هي الخلفية المهنية لـ أ) ورجال استخبارات ورصد. التركيز على الحوامات حسّن قدرة متابعتها وتحليل نشاطها، وفي النهاية احتماليات إسقاطها. تعليمات الاعتراض يحددها سلاح الجو، وسلسلة القيادة أثناء الحادثة تنتهي لدى قائد الفرقة. ولكن فعلياً، يعطى اعتبار عملياتي واسع جداً للمعترضين أنفسهم؛ لأن القرار يجب أن يتخذ في فترة قصيرة نسبياً.
يقلل”حزب الله” من التطرق للحوامات في تصريحاته العلنية، وحتى عندما ينشر الجيش الإسرائيلي بأنه نجح في إسقاط حوامة بعد اختراقها لحدود إسرائيل. استخدام “حزب الله” للحوامات هو اختراق مزدوج لسيادة إسرائيل أثناء اختراق الجو من جنوب الحدود مع لبنان، واختراق قرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي حظر وجود قوات “حزب الله” في جنوب نهر الليطاني. عملياً، تخترق إسرائيل أيضاً سيادة لبنان طوال سنين بواسطة طلعات تصوير لجمع المعلومات في سماء لبنان. وحسب وسائل إعلام عربية، فإن إسرائيل تفعل ذلك عندما تطلق الصواريخ من المجال الجوي اللبناني باتجاه قواعد عسكرية ومواقع إنتاج وقوافل لتهريب السلاح داخل الأراضي السورية.
بين التأهيل والصفقة
كما يبدو، لم يعد بالإمكان الحديث عن صدفة وفقدان الانضباط المؤقت أو اتهام الحالة الجوية. في الأسابيع الأخيرة، جرت عدة أحداث على حدود قطاع غزة: مواطن إسرائيلي أصيب إصابة طفيفة بنار قناص، ورصاص رشاشات اخترق الأراضي الإسرائيلية. وفي حالة أخرى، نشرت وسائل الاعلام العربية حدثاً عن إطلاق نادر نسبياً لصواريخ مضادة للطائرات من نوع “ستريلا” (اس.آي7) على طائرة لسلاح الجو أثناء هجوم إسرائيلي. الهجوم الجوي الذي استهدف مواقع إنتاج صواريخ لحماس كان بحد ذاته رداً على الحادثة الاستثنائية جداً لهذه الفترة: إطلاق صاروخين من القطاع سقطا السبت الماضي في البحر المتوسط، أحدهما على بعد مسافة قصيرة من شاطئ “بات يم”.
كالعادة، قدمت حماس تفسيرات مختلفة، بدءاً من خطأ نبع عن عاصفة رعد، وحتى محاولة إطلاق نار مشوشة. وأعلن رئيس الحكومة نفتالي بينيت، “لدغة خفيفة تجاه سلفه في المنصب”، بأن إسرائيل لم تعد تشتري التفسيرات المناخية لأحداث كهذه، وأن حماس ستدفع كامل الثمن. فعلياً، كان الهجوم محدوداً في حجمه لأن الحكومة الحالية، مثل سابقتها، ما زالت تريد تجنب جولة تصعيد أخرى في القطاع بقدر الإمكان.
يصعب تجاهل تراكم الصدف، إذ قد الجهاد الإسلامي مسؤول عن جزء منها كما يبدو. في الخلفية كان هناك إضراب عن الطعام للمعتقل الإداري عضو الجهاد الإسلامي، هشام أبو هواش، وانتهى هذا الأسبوع. ازدادت عصبية الجهاد الإسلامي على خلفية احتمال موته جراء إضرابه. وافقت إسرائيل في النهاية على اقتراح حل وسط لمصر لإطلاق سراحه في الشهر المقبل مقابل وقف إضرابه عن الطعام. في هذه الأثناء، تتطور أزمة محتملة مشابهة حول إضراب سجين أمني آخر محكوم بالمؤبد من حركة فتح.
الجهاد يزيد نشاطاته بدرجة كبيرة، في حين تنثر حماس تهديدات على إسرائيل بصورة متواترة أكثر. هذه الظروف لن تؤدي بالضرورة إلى عملية عسكرية أخرى في الأسابيع القريبة القادمة، ولكن التصعيد يسلط الضوء بشكل مثير للسخرية على الآمال التي أعرب عنها الجيش الإسرائيلي، بعد انتهاء عملية “حارس الأسوار” في أيار الماضي، بأن عمليات إسرائيل ضمنت الهدوء في القطاع لبضع سنوات أخرى قادمة. هناك فجوة مفهومة، ويبدو أنها صعبة الجسر بين تطلعات حماس إلى عمليات إعادة تأهيل واسعة، وبين نقص القدرة على إنهاء صفقة الأسرى والمفقودين الإسرائيليين.
في وقت ما في الأشهر القادمة، ربما تؤدي خيبة الأمل المتوقعة إلى مواجهة. إسرائيل، مثل السلطة الفلسطينية، قلقة أيضاً من محاولات حماس المتزايدة للقيام بعمليات في الضفة الغربية، فتضعف بذلك مكانة السلطة. بدأت العملية الأخيرة بإطلاق صواريخ حماس نحو القدس كتماهٍ مع سكان شرقي القدس الذين تصادموا مع إسرائيل. في المرة القادمة، قد يكون سبباً للمواجهة في الضفة أو تصعيداً جديداً في المدن المختلطة داخل الخط الأخضر.