قبل أيام حضرت لزيارة غزة الأستاذة/ سارة روي، صديقة شخصية مرموقة في عالم الأبحاث والعلوم، أستاذة في جامعة هارفارد، ويهودية تؤمن بالعدالة والسلام. نشرت الأستاذة/ روي كتاباً يعتبر الآن مرجعاً لمن يريد أن يدرس أو يكتب أو يبحث في شأن غزة وما فعل بها الاحتلال. عكفت صديقتنا على دراسة الوضع الاقتصادي والبيئي لغزة في أواخر الثمانيات واستغرق ذلك منها سنة كاملة، وقد أثار كتابها ضجة كبيرة بسبب الاتهام الموثق لسياسة الاحتلال الإسرائيلي بممارسة منهجية لجعل الاقتصاد الفلسطيني مرتبطاً بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي وكيف يتم قمع كل محاولة جادة لأن يعتمد الفلسطينيون منهج التطوير والاعتماد على الذات. وكان الدكتور حيدر عبد الشافي رحمه الله قد استضافها في بيته وطلب منا أن نتعاون معها بقدر ما نستطيع لإنجاز التحقيق الذي تجريه. الدكتورة سارة روي هذه من عائلة تعرضت للمحرقة النازية وكتبت عن ذلك الدكتورة سارة في معرض مقارنة ما فعله النازيون باليهود وما فعله اليهود بالفلسطينيين بتهجيرهم من بلادهم ثم الاحتلال البشع وأساليبه العنصرية – وكان كل ذلك قبل الحصار والحرب الأخيرة -. في زيارتها الأخيرة لغزة قبل أسبوعين تحدثت الصديقة العظيمة سارة روي عن ضرورة العمل لإدراج "النكبة" في سجلات التاريخ والوثائق العالمية، وقالت في معرض الحديث أن اليهود في إسرائيلي قد فقدوا الأهلية الأخلاقية بأنهم الضحية لما فعلوه في الفلسطينيين وأن علينا أن نفرّق بين اليهودية والعنصرية وأن الكثير من يهود العالم أصبحوا اليوم من أشد الناقدين لإسرائيل وسياساتها وأن علينا أن نحشد الحشد من أجل مقاطعة إسرائيل اقتصادياً وسياسياً وفي جميع أنحاء العالم لتفكيك النظام العنصري. وهذا ما أكده الأستاذ الجامعي في جامعة تل أبيب الكاتب الجرئ وداعية حقوق الإنسان"نيف جوردن" في مقال حديث حيث طالب بالمقاطعة الاقتصادية لإسرائيل وسيلة وحيدة لتفكيك النظام العنصري وتحقيق العدالة والسلام. سارة روي ونيف جوردن وغيرهم من اليهود كثيرون مازالوا في عداد الأقلية اليهودية المناهضة للعنصرية الصهيونية ولكن هذه الأقلية تزداد مع الأيام حتى أنه قد قام بعض يهود أمريكا بتأسيس منبر يهودي تحت اسم "Jstreet" من أجل حشد الناقدين من اليهود لإسرائيل بعيداً عن اللوبي المشهور AIPACالمؤيد والمتطرف في تأييده لإسرائيل. والحاصل أن مشوارنا مازال طويلاً ويلزمه وعياً عميقاً لمعنى المقاومة بكل جوانبها، وكيفية حشد الرأي العام العالمي لصالح قضيتنا، ويلزم أيضاً قيادة مستنيرة شجاعة لا تسير وراء عواطف الجماهير وإنما تقودها بالحكمة والاتزان تتعامل مع القضايا الاستراتيجية العليا ولا تهمل تفاصيل المشاكل اليومية. وأثيرت أخيراً قضية المحرقة النازية ومسألة إدراجها في مناهج التعليم، وهاج من هاج وازيد من ازيد وأنكر البعض حدوث المحرقة ببساطة وأحياناً ببلاهة وكأنهم يقفون في صف أمام العالم كله الذي اعترفت كل دولة بحدوث المحرقة.. إننا لسنا ننكر حدوث المحرقة ولكن هذه المحرقة لا تبرر لليهود أن يفعلوا في الشعب الفلسطيني ما فعلوه من جرائم لا تقل في بشاعتها عن المحرقة، ولا يجوز استعمال المحرقة وسيلة للخداع والتضليل وتخويف الرأي العام بحجة المناهضة لليهودية أو السامية ويمكن الاستشهاد بأقوال اليهود أنفسهم بهذا الصدد أمثال "نورمان فلينكلشتين" الذي أصدر كتاباً هاماً معنون "صناعة المحرقة" وبين كيف استعمل الصهاينة هذا الموضوع لاستنزاف العالم. يجب أن لا نعطي أعداؤنا أسلحة جديدة مثل سلاح إنكار المحرقة ليضاف إلى ما لدى العالم من أسلحة ضدنا قدمناها بأيدينا أو ساهمنا مع الأعداء فيها..المحرقة جزء من التاريخ، كما هي مجزرة الأرمن في تركيا واستشهاد المليون في حرب تحرير الجزائر والنكبة الفلسطينية وغيرها ولا يفيدنا – بل يضرنا – محاولة إنكار التاريخ لكن على العالم أن يدرك المأساة التي اقترفها اليهود بحقنا. إن دراسة المحرقة تعيننا أيضاً على فهم طبيعة النظام العنصري الإسرائيلي وكيف قام بكل أفعال الإجرام ضدنا من منظور علمي، فالتماهي مع النازية أصبح واضحاً مع أفعال الصهاينة وما ارتكبوه من فظائع يدل على ذلك خاصة في الحرب الأخيرة على غزة والقتل الجماعي. وكيف فرضت إسرائيل بالسور العنصري سياسة المعازل على الشعب الفلسطيني وهي نفس سياسة "الجيتو" النازية ووضع اليهود في معازل. إن علينا توضيح العلاقة بين النازية والعنصرية الصهيونية وليس إنكار أي منهما بل ربطهما في أذهان الرأي العام باعتبارهما وجهين لعملة واحدة.