"من الحلم إلى الواقع".. “سلام” بـ3 لغات ومؤتمر برعاية رسمية: “إبراهيمية المغرب” نواة سلام حقيقي

الجمعة 24 ديسمبر 2021 09:39 م / بتوقيت القدس +2GMT
"من الحلم إلى الواقع".. “سلام” بـ3 لغات ومؤتمر برعاية رسمية: “إبراهيمية المغرب” نواة سلام حقيقي



القدس المحتلة / سما /

إسرائيل اليوم - بقلم: مئير بن شباط                           "شمس شتائية دافئة بعثت بأشعتها اللطيفة نحو “كريات ملاخي” – واحدة من سرب طائرات بويغ 737 التابعة لشركة “ال-عال” التي ارتدت زي العيد بمناسبة مهمتها التاريخية، ورفرفت في مقدمتها أعلام إسرائيل والولايات المتحدة والمغرب، وإلى جانبها كلمة “سلام” – بالعبرية وبالإنجليزية والعربية. فبعد وقت قصير ستقلع إلى الرباط تحمل وفوداً من إسرائيل والولايات المتحدة للتوقيع على اتفاق استئناف العلاقات بين إسرائيل والمغرب، الثالث في سلسلة اتفاقات إبراهيم.

قلق كورونا وباقي الشؤون العادية ستخلي مكانها، وإن كان لزمن ما، لصنع السلام. أما ضجيج الطائرات وجلبة المطار فستضيع أمام الانفعال ورفيف أجنحة التاريخ. مرت سنة منذ لحظة التوقيع المؤثر في قصر الملك محمد السادس.

إن جائحة كورونا مع ما فرضته من مصاعب، وكذا تغيير الحكم في الولايات المتحدة وإسرائيل وأحداث “حارس الأسوار”، لم تبرد الحماسة التي شهدتها الدولتان.

ممثليات رسمية فتحت في الرباط وتل أبيب، في الطريق إلى رفع مستواها إلى مكانة سفارة. “ال-عال”، و”اركيع” و”يسرائير” تفعل خطوط طيران منتظمة إلى المغرب. وأنهت “رويال مروكو” حتى الآن استعداداتها لإطلاق خط كازبلانكا – مطار بن غورون، الذي لم يتأخر افتتاحه إلا بسبب الجائحة.

وقعت اتفاقات للتعاون بين الدولتين في جملة متنوعة من المجالات: السياحة، والثقافة، والرياضة، والحماية من السايبر، وقبل نحو شهر في المجال الأمني أيضاً. كما سجلت أيضاً علاقات عمل واتصالات في مجالات الصحة، والتجارة، والزراعة، والاقتصاد، والأمن الداخلي، ومجالات أخرى. تبث وتيرة التقدم سيراً واثقاً في الطريق الجديد، يعكس النهج الذي ميز الاتصالات حول استئناف العلاقات: تقدم ثابت، ومتبادل، ومتوازن، وأمن، يستهدف ضمان علاقات بعيدة المدى وواسعة وعميقة ومتينة.

إن قوة العلاقات المتجددة لا يمكن للمرء أن يشعر بها إلا في الاتصالات السياسية أو في العلاقات التجارية المتحققة، إلا في العلاقات التي بين الناس في المناسبات الثقافية والاجتماعية. وهو ما كان حين شارك وفد مغربي محترم من رجال بحث وأكاديميا في ورشة عمل أكاديمية جرت في إسرائيل مؤخراً وكان موضوعها “القضاء العبري في المغرب”.

من الحلم إلى الواقع

عقد المؤتمر برعاية ومشاركة ممثلين رسميين من المملكة، ولم يخفِ المشاركون فيه حتى أمام وسائل الإعلام فخرهم بانعقاده وترقبهم لتعميق العلاقات مع إسرائيل. قدموا تعبيراً ما عن تطلعهم هذا بتوقيعه على اتفاق للتعاون الأكاديمي يؤدي إلى نشر بحوث مشتركة ومشاريع أكاديمية ترتبط بالقيم الكونية السائدة بين الدولتين. انعقاد مثل هذا المؤتمر في دولتنا كان حتى وقت أخير مضى مثابة حلم. أما اليوم؟ فيبدو طبيعياً جداً في مشهد حياتنا، لدرجة أن التأثر بذلك يصطدم بنظرات عجب وبرفع حاجب. هذا هو أحد التعابير الكثيرة للتقارب بين الشعبين والذي تأطيراً وتأسيساً عقب استئناف العلاقات. ويعكس تنظيم المؤتمر من قبل جهات غير حكومية، الرغبة العميقة والأصيلة، القائمة في كل المستويات، لتوثيق العلاقات.

إن للعلاقات بين إسرائيل والمغرب معاني خاصة، تتجاوز الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية؛ فهي ترتبط بفصل سجّله آباؤنا وشيوخنا، على أجيالهم، على أرض هذه الدولة. في الموقف المؤثر للتوقيع على الاتفاق في الرباط، أشرت إلى أن الكثيرين من مواطني إسرائيل، أبناء الطائفة المغربية، تطلعوا لهذه اللحظة. رويت قصة أبناء الجيل الثاني والثالث من سليلي المغرب، الذين يواصلون حفظ الأمانة لتراث آبائهم وحفظ التقاليد والعادات التي ترسخت أو صممت في المغرب. مجدت حاخامي المغرب، ممن تواصل فتاواهم توجيه الطوائف العديدة في إسرائيل الطريق الذي سيسيرون فيه والأفعال التي سيقومون بها. افتخرت بالمكان المحترم الذي تحتله كتابات عظماء يهود المغرب على رفوف المكتبات في البيوت المقدسة والمدارس الدينية والجامعات. وقلت إن “يهود المغرب تركوا أثراً عميقاً على المجتمع في إسرائيل. أبناؤهم أثروا ويؤثرون في كل مجالات الحياة”.

نموذج رائع

يمكن للعلاقات بين إسرائيل والمغرب أن تتطور كنموذج رائع لعلاقات السلام والتطبيع. معظم الشروط اللازمة لهذا الغرض متوفرة الآن. من الصواب التشجيع ومواصلة التطوير للعلاقات بين الناس، سواء في السياحة والمجتمع والثقافة والدين والتراث، وفي البحث والعلوم. هذه هي البنية التحتية العميقة للسلام.

في هذا السياق، ينبغي الترحيب بما أدخل إلى المناهج التعليمية في المغرب من فصول لتعليم التاريخ والتراث اليهوديين في المغرب. كما يجدر الثناء على الجهود للتعليم ضد اللاسامية. ينبغي أن نشجع مبادرات فتح دورات في مواضيع الثقافة واللغة في الدولتين (العبرية في المغرب، والعربية – المغربية الدارجة في إسرائيل).

من المهم تشجيع التعاون الذي يؤدي إلى الازدهار ويعطي الطرفين ثماراً ملموسة ذات مغزى – في التكنولوجيا، والزراعة، والماء، والطاقة، والصحة وفي مجالات أخرى. “ثمار السلام” ضرورية من أجل تثبيته وتعزيز المؤيدين له، وإضعاف معارضيه وضم آخرين إلى الدائرة المتسعة من دول السلام.

مثلما في كل شبكة علاقات، ثمة مصاعب وعوائق محتملة. وعليه، ففي اللحظات الطيبة والحميمة، ينبغي بناء الثقة وتثبيت قنوات الاتصال لتشكل جسراً للتحديات وللاختبارات التي يمكن للواقع أن يستدعيها.

وفرت السنة الماضية، منذ التوقيع على الاتفاق، أساساً متيناً للتفاؤل وللأمل إزاء علاقات إسرائيل – المغرب. لا حاجة للخوف من طرح مستوى عال وتوقعات عالية، لأنه يمكن تحقيقها في هذه الحالة.