خبر : في التناقض الفلسطيني الداخلي.... بقلم : خليل المقدسي

السبت 05 سبتمبر 2009 05:27 م / بتوقيت القدس +2GMT
في التناقض الفلسطيني الداخلي.... بقلم : خليل المقدسي



 إذا كانت الذاكرة الشعبية الفلسطينية حفظت وأرّخت لمأساة الشعب العربي الفلسطيني وما تعرض له من مجازر وحشية وعمليات الطرد والتهجير المستمرة على يد الكيان الصهيوني وحلفاؤه وأعوانه، فإن هذه الذاكرة، وفي زحمة التناقض الرئيسي مع العدو، تنسى تلك " الصراعات " الفلسطينية و " الانقسامات " الداخلية وتغفل الأسباب والعوامل التي كمنت خلفها وساهمت في تمكين معسكر العدو من إدامة احتلاله وتعزيز قدرته وسطوته كما ساهمت في تقدم برنامجه ومشروعه الاستيطاني في فلسطين. إن الحركة الوطنية الفلسطينية لم تكن يوماً في حالة من الانسجام التام والوحدة الكاملة، في أي مرحلة تاريخية سابقة، وأن وتيرة هذا التناقض أو ( الانقسام الفلسطيني وفق لغة الفصائل اليوم )  كانت تعلو وتخبو، بحسب موازين القوى المحلية والمحيطة التي تتحكم وتقرر في مجرى ووجهة الأحداث وتطورات الصراع .  أهمية البحث في جوهر التناقض الداخلي لدى أي حركة وتحرر، يكمن في حقيقة أنه جزء لا يتجزأ من الصراع الأشمل ضد عدو مركزي. وأن معرفة وتحديد عناصره تشكل ضرورة حيوية وسياسية لفهم أوضاع العدو ومعسكره بقدر ما تعين على فهم الواقع المحلي، وتساعد في تبيان العلاقة التي تربط بين المستعمر وبين الشعب المستهدف وحركة قواه السياسية وممثليه في إطار هذا الاشتباك . وفي السياق، فإن التناقض الفلسطيني الداخلي يكشف لنا عن دلالات مهمة، على رأسها وجود مصالح طبقية لفئات وشرائح تتناقض وتتصارع فيما بينها، وهذا طبيعي وإن كان مستنكراً . ويبدوان البعض لم يفهم تماماً جوهر المقولة الصحيحة التي تقول " إن التناقض الرئيسي مع العدو الصهيوني أما التناقض الفلسطيني الداخلي فهو ثانوي " فاعتبر ما هو " ثانوي " غير مهماً، فضلاً عن عدم رؤيته للعلاقة الوطيدة التي تربط بين ما هو رئيسي وما هو ثانوي في إطار الصراع. لذلك ، يجري تبرير لمواقف ترقي لدرجة الخيانية  الوطنية بحجة  " أن هذا تناقض ثانوي " أو " انه خلاف فلسطيني بين أخوة " أو " هو مجرد تباين في وجهة النظر " إلى آخره ، من مقولات كثيرة وفارغة لا تصمد أمام الواقع وحقائقه الموضوعية. لا يجري الصراع ولا يقوم التناحر والانقسام الوطني دون توافر أقطابه أولاً، واستعداد عناصره المتعددة والمتنافرة لخوض معركة دفاعاً عن تلك المصالح، فهي في نهاية الأمر أقطاب سياسية، أحزاب، شخصيات، تمثل مصالح طبقية محددة، إنه صراع حقيقي وجاد، بين قوى المقاومة والثورة من جهة، وبين تلك القوى المرتبطة بمصالح الاستعمار والاحتلال في شبكة العلاقات الاقتصادية والأمنية من جهة أخرى، وإن هذه الأخيرة، تتربع وتهيمن على موقع القرار في إطار مشروع التبعية والإلحاق الشامل، معتمدة في ذلك على قدرتها ومكانتها الاقتصادية وموقعها الاجتماعي والثقافي في مجتمع رعوي وتقليدي ومتخلف، وهي قوى " النخبة "  و " الصفوة " و " الايليت " التي لا تتوانى لحظة في طلب الشرعية من معسكر الخصم إن فقدت الشرعية الوطنية والشعبية أو تناقضت مصالحها مع مصالح الطبقات الشعبية المتضررة، وتقوم بذلك على حساب مصالح وحقوق الأكثرية الساحقة من أبناء الشعب والأمة.  سعى الاستعمار البريطاني ( كما أنظمة الوصاية العربية ) إلى تعزيز دور القوى الفلسطينية المحلية التي ترتهن لمشيئته وإرادته. الأمر لا يقتصر على الواقع الفلسطيني والعربي ، بل طال كل بلد ومنطقة وصلت إليها جيوش بريطانيا العظمى من الهند مروراً بمصر وصولاً لايرلندا الشمالية . إذ أن الاستعمار والاحتلال يعتبر مهمة تحضير وتعزيز دور هذه القوى المحلية ، المرتبطة به، أمراً حيوياً يسبق عملية الاستعمار العسكري المباشر ، فتقوم فئات متخصصة، تحت يافطات ومسميات كثيرة ، باسم " الثقافة " و " التعليم " و " التبشير " و" التحضر " و" الاستشراق " وفي أيامنا هذه تحت عناوين  " بناء السلام والثقة " و " الشراكة " و" التعاون والاستقرار " الخ ،  لا ينفصل الجهد الاستخباراتي الأمني عن كل ما تقدم ، بل هو يقود الحركة أحياناً، ويشكل أحد أهم قوانين الإعداد لتسهيل الاختراق المباشر على جبهة ( الأعداء) وعلى قاعدة قديمة تقول : " إن القلعة تؤخذ من الداخل! وربما يشكل النموذج " الكارزاوي " في أفغانستان نموذجا ، كما هو الحال في نموذج " المالكي " العراقي أو طبعة سلام فياض الفلسطيني ..لا فرق! إن دور القوى العميلة والتابعة للمستعمر الأجنبي، التي تتربع على عرش ومركز القرار السياسي داخل مجتمعاتها، حتى ولو ظاهريا ، وتقيم علاقات " تعاون امني واقتصادي " يكمن في إضعاف مناعة وقدرة المجتمعات والشعوب المستهدفة على المقاومة والرفض، ولإرباك مواقف الناس، بما في ذلك رؤى وبرامج القوى الثورية المحلية، وعليه، فإن اختراق المجتمعات، وتحطيم جبهة الشعوب، لا ينجح إلا بوجود هذه القوى " الوطنية " خصوصاً تلك التي تبدي استعداداً أكثر للقيام بمهام المحتل والمستعمر وتنفذ ما يطلبه منها . هذه القوى تستمد موقعها في استرتيجية المستعمر لكونها تتحدث لغة السكان، وتتسيد على مقدرات الشعب وتحتل موقعا قيادياً مؤثراً في كل مفاصل المجتمع وعلى أكثر من مستوى وصعيد، وتتسلح دائماً بمقولات وأفكار جاهزة تدعي غالباً " الشرعية الوطنية " أو " الدينية " أو كلاهما وحرصها على " مصالح الشعب وأحوال الرعية" الخ ! في الحالة الفلسطينية الراهنة فإن الصراع الجاري اليوم ليس بين حركتي فتح وحماس، أو يجب عدم الاكتفاء بوصفه  " انقساما " بين حركتين، دون التعمق أكثر في جوهر هذا الصراع، وجذوره الطبقية والسياسية وتبيان أسبابه السياسية وتحديد أقطابه ومن يقرر فيه، دون ذلك سوف نقدم نظرة تسطيحية تختزل الحقائق وتشوه الواقع، لأنها تسقط مقولات جاهزة لا تنفذ إلى أسبلاب الواقع المادي المعاش ولا إلى حقيقة الصراع الجاري. إن الصراع الفلسطيني الداخلي يتجاوز ثنائي فتح وحماس وان كانت الحركتين عنواناً له في هذه المرحلة..  فهل كانت الحركة الوطنية الفلسطينية موحدة وهي تقاوم الاستعمار البريطاني وتسعى للاستقلال؟ أو في مواجهة برامج الوصاية العربية الرسمية ؟ هل كانت ( كل ) القوى السياسية تقف خلف ثورة الشعب الفلسطيني في العام 1936 ؟ هل كانت رموز الإقطاع والرأسمال الفلسطيني ( وال الحسيني )  و( النشاشيبي ) يقفا على نفس الجبهة أم أن تناقضات الوضع الداخلي حينها قادت إلى تصفية جسدية واغتيالات؟ الم تقف طبقة " الايليت " الفلسطينية إلى جانب العدو الصهيوني في مراحل سابقة وكانت أحزابها وصحفها تدعو أيضاً للاستقلال وحفظ وحماية المقدسات والوطن!    خلاصة الأمر، إن أية قراءة سريعة للتاريخ الفلسطيني الحديث سوف تقودنا لرؤية صراع فلسطيني عمره بسنوات الصراع ضد الاستعمار والاحتلال  ولا ينفصل عنه ، لذلك ، حين يحقق الشعب الفلسطيني انتصاره التاريخي والحتمي على العدو الصهيوني فإنما هو يهزم تلك القوى التابعة بالضرورة ..