هآرتس/ ذي ماركر - بقلم: سامي بيرتس "اعتبرت الحكومة أن علاج العنف المستشري في المجتمع العربي مهمة عليا؛ لعدة أسباب منها انضمام حزب “راعم” للائتلاف، وأحداث العنف القاسية أثناء عملية “حارس الأسوار” ضد اليهود في المدن المختلطة، التي خلقت توتراً كبيراً، وإهمال المشكلة لسنوات من خلال تبني مقاربة “ليقتلوا بعضهم”. وكل هذه الأسباب جلبت المشكلة إلى باب المجتمع اليهودي. والأرقام تتكلم، فقد وصل عدد الضحايا حتى الآن إلى 120 منذ بداية السنة، وهو ضعف عدد عمليات القتل قبل خمس سنوات.
في نقاش عام حول ازدياد عمليات القتل في المجتمع العربي، يتم طرح تقديرات مختلفة حول الأسباب، بدءاً بإهمال المجتمع العربي، مروراً بغض النظر الممأسس عن الظاهرة طالما أنها لا تمس المجتمع اليهودي واعتباره “مجتمعاً عنيفاً” لا يحل المشكلات إلا بالعنف، وانتهاء بحقيقة أن العرب أقلية في دولة يهودية هي في وضع نزاع طويل مع المجتمع الفلسطيني.
ثمة شيء من الحقيقة في كل سبب من هذه الأسباب، ولكن هناك أسباباً أخرى، لا أحد يتحدث بها إلا قليلاً، وهي تؤثر على ازدياد العنف. كان البروفيسور اليكس فينراب، من معهد تاوب، أجري مؤخراً بحثاً درس فيه التطورات الديمغرافية في المجتمع العربي. وقد وجد عدة أسباب أخرى لعمليات العنف.
نسبة كبيرة من الذكور الشباب غير متزوجين وغير متعلمين ولا يعملون، في حين أن هناك تغييراً كبيراً يتمثل في ارتفاع مستوى تعلم النساء مقابل الرجال. وأشار فينراب إلى أن أبحاثاً مختلفة أظهرت ارتفاعاً في معدل الجريمة وعمليات القتل في المجتمعات التي فيها ارتفاع حاد في عدد الشباب، إضافة إلى مستوى عال من البطالة والعزوبية. التأثير أقوى في الأماكن التي توسع فيها التعليم فوق الأساسي بسرعة، مثلما حدث لدينا في ثورة الكليات التي بدأت في التسعينيات، ففي حين زاد تعلم النساء العربيات بشكل كبير، إلا أن الشباب بقوا في الخلف بدون أطر مكملة لمنظومة التعليم. هم لا يخدمون في الجيش أو في الخدمة المدنية، ويجدون أنفسهم فور إنهاء الثانوية بدون أي مؤهلات مناسبة لسوق العمل أو علاقات أو خبرة معينة.
النتيجة: نسبة بطالة مرتفعة. وحسب البحث، انخفضت نسبة تشغيل الرجال العرب في السنتين قبل أزمة كورونا 7 في المئة في أوساط أبناء 15 – 24، وفي أوساط 25 – 34، بسبب نقص ملاءمة بين مؤهلاتهم واحتياجات سوق العمل. كما أشار فينراب أيضاً إلى أن نسبة الحاصلين على لقب أكاديمي في أوساط الشباب العرب ارتفعت إلى 18 في المئة، وهي أعلى مما هي في أوساط الأصوليين (11 في المئة)، ولكنها أقل من النسبة في أوساط النساء العربيات (35 في المئة).
انخفاض في التشغيل وارتفاع في سن الزواج
الباحث يرى في الديمغرافيا والتعليم في المجتمع العربي نقاطاً أساسية لمعالجة العنف: الأولى، ازدياد عدد الشباب العرب في الأعمار الخطيرة (حتى سن 22).
العرب يشكلون 21 في المئة من عدد السكان في إسرائيل. المجموعة العمرية الكبيرة في إسرائيل هي 18 – 22 سنة، ونسبة العرب فيها 29 في المئة مقابل 8 في المئة في عمر 70 فما فوق، و23 في المئة تحت جيل 5 سنوات. الوزن المرتفع للشباب العرب في عمر 18 – 22 هو نتيجة زيادة الخصوبة (الولادة العالية) في العقود الأخيرة. وأشار فينراب إلى أبحاث تظهر أن الدمج بين زيادة عدد الشباب والمستويات العالية من الانقطاع الاجتماعي –مجموعات أقلية عرقية في حالتنا هذه– يزيد معدل الجريمة.
حسب قوله، تشتد هذه الديناميكية عندما نفحص التغييرات في مجال التعليم بين النساء والرجال. في الـ 15 سنة الأخيرة، ارتفعت نسبة تعلم النساء أكثر بكثير من النسبة في أوساط الشباب. وحسب فينراب، فإن هذا شوش على تقاليد الزواج التقليدية التي بحسبها تتزوج النساء من شباب متعلمين أكثر منهن. وقال إن هذا يخلق عدم توازن بين وضع النساء ووضع الرجال، الذي يهز عالم الشباب العرب، ويمكن أن يزيد العنف إذا لم يتم اتخاذ خطوات بهذا الشأن.
أي خطوات؟ تحديداً إغلاق فجوات التعليم بين الرجال والنساء، ودمج الشباب العرب بقدر الإمكان في سوق العمل.
تفاقمت مشكلة التشغيل في فترة كورونا، خصوصاً في المجتمع العربي. التغييرات في سوق العمل كبيرة وتحتاج إلى تعليم أكبر ومؤهلات تكنولوجية، والرجال العرب في وضع متدن في هذه المعايير، وأيضاً في مجال تمكنهم من اللغة العبرية. غياب الخدمة العسكرية أو الخدمة المدنية في السيرة الذاتية يؤثر كثيراً؛ لأن الشباب العرب الذين لم ينتظموا في منظومة التعليم ليس أمامهم فرص أخرى لاكتساب الخبرة والتأهيل والعلاقات، مثلما هي لليهود الذين يخدمون في الجيش.
الفجوة بين اليهود والعرب ليست كبيرة فقط، بل وتتسع. ففي العام 2002 كانت الفجوة بين الرجال العرب والرجال اليهود في الرياضيات في امتحان “بيزا” 90 نقطة، وفي 2018 ارتفعت إلى 140 نقطة. وبين 2002 – 2020 ارتفعت نسبة النساء اللواتي حصلن على التعليم العالي، من 12 في المئة إلى 35 في المئة، في حين أن نسبة الرجال الذين حصلوا على التعليم العالي ارتفعت بنسبة أقل، من 11 في المئة إلى 18 في المئة فقط.
وهذا يخلق مشكلة في سوق العمل أو في ارتفاع سن الزواج. والنتيجة: نسبة عالية جداً من الشباب بدون تعليم وبدون زواج، ومجموعة جاهزة لارتكاب أعمال الشغب والعنف. معدل عمليات القتل في المجتمع العربي من إجمالي عمليات القتل في إسرائيل ارتفع من 40 في المئة في 2011 إلى 80 في المئة في السنتين الأخيرتين، 4 من بين 5 عمليات قتل هي في المجتمع العربي. في حين أن 1 فقط من بين 5 إسرائيليين هو عربي.