هآرتس - بقلم: جدعون ليفي "كان يقود سيارته ببراءة، تجلس بجانبه والدته العجوز، كانا ذاهبين لزيارة عائلية في بلدة غير بعيدة. الظهيرة، الطقس جميل، وموسيقى تعزف بصوت مرتفع. كانا ذاهبين لزيارة العمة، ماذا أكثر من ذلك. فجأة قابلهما حاجز، غير أنه لم يعكر مزاجهما، فهما معتادان على الحواجز. ولزيادة الأمان وضعا كمامات كورونا كي لا يتم تغريمهما.
وضعا الكمامات وانتظرا. كانت حركة السيارات بطيئة، والرجل يستمتع بالموسيقى. ظهر هادئاً ووضع يده على النافذة وانتظر. كاميرا الفيسبوك المباشر مفتوحة منذ بداية الرحلة، هو يحب تصوير نفسه، شاب أنيق يرتدي قميصاً أبيض ويضع نظارات شمسية قاتمة. فجأة سمع صراخاً. مجموعة من الزعران المسلحين سيطرت على السيارة، حطموا النافذة، قام الرجل بحماية رأسه من قضيب حديد، بعد ذلك اقتحموا السيارة بالصراخ والتهديد. دخل أحدهم من الباب الخلفي ولف يديه حول عنق الرجل. اندفع الشخص الآخر إلى الداخل وسحبه بعنف إلى الخارج. أنزلوا الأم العجوز من السيارة. والكاميرا تواصل التصوير.
شوهد الزعران قرب السيارة وهم يضربون ويركلون بلا رحمة. هو مرمي على الشارع، يركلونه في كل أنحاء جسده. الأم العجوز تنظر بدهشة إلى ما يحدث، وترى ابنها العاجز يصرخ ألماً ولا تستطيع فعل شيء سوى أن تصرخ هي أيضاً. استمر هذا للحظات إلى أن توقفت الكاميرا عن التصوير. النهاية: سيقت الأم وابنها إلى مركز الشرطة بتهمة “حيازة سلاح”. قال الرجل إنه استلقى على الأرضية في مركز الشرطة لساعات وتألم ويتوسل لنقله إلى المستشفى، ولكن رجال الشرطة حرموه ذلك. أمه مندهشة ومصدومة، والعائلة في البيت تكاد تصاب بالجنون من القلق على مصيرهما. في المساء تم إطلاق سراحهما بدون شروط أو تفسيرات. وقد اكتشف أن رجال الشرطة فككوا السيارة. وفي المستشفى تبين أن الرجل أصيب إصابة خطيرة في خصيتيه جراء الركل، وتم نقله إلى غرفة العمليات. بقي في المستشفى للعلاج ستة أيام وهو يعاني من الآلام حتى هذه اللحظة. بعد ثلاثة أسابيع على الحادثة، حطم الأدوات.
هذا الاختطاف العنيف لم يحدث في تشيلي في عهد اوغوستو بنوشيه، أو في الأرجنتين في عهد الزمرة العسكرية. بل حدث هذا في شارع قرب “معاليه أدوميم” مع السيدة رئيسة ومروان الحسيني، أم وولدها من الخليل. الخاطفون هم رجال شرطة إسرائيل. حتى هذا يعتبر الجزء المحتمل من القصة. وما حدث بعد ذلك كان أخطر.
هناك اعتقالات عبثية، هذا يحدث. هناك عنف عبثي في جهاز شرطة. ولكن ما حدث فيما بعد يجب أن يقلق كل إسرائيلي، من اليمين أو من اليسار. شرطة إسرائيل كذبت بوقاحة. في واقع أصبحت فيه الأكاذيب عادة في السياسة والجيش والحياة اليومية، فإن الشرطة الكاذبة باتت إشارة تنذر بالسوء. هذه ليست أنصاف أكاذيب الجيش الإسرائيلي، إنما أكاذيب فظة وقحة لجهاز إنفاذ القانون. شرطة تكذب بسهولة لا تصدق، هي شرطة خطيرة وحتى أكثر خطورة من شرطة عنيفة.
وهاكم ما قالته المتحدثة بلسان شرطة إسرائيل للصحيفة: “خلال الاعتقال، رفض المشبوه فتح باب السيارة. وخوفاً من أن يقوم بإخفاء البينات أو يمس برجال الشرطة، اضطر رجال الشرطة إلى اقتحام السيارة واعتقاله. المشبوه ومسافرة أخرى تم نقلهما إلى مركز الشرطة، وبعد انتهاء الفحص والتفتيش تم إطلاق سراحهما. ليس هناك أي كلمة عن الضرب والركل، ولم تكلف الشرطة نفسها عناء طلب فيلم الفيديو الذي أُبلغت عن وجوده قبل نشر بيانها الكاذب هذا، الذي بحسبه الرجل عارض اعتقاله. الفيلم لا يترك أي مجال للشك والكذب. هكذا يبررون الاعتقالات العنيفة العبثية في شوارع إسطنبول وشوارع موسكو. هذا ما يحدث في الشراع بين مستوطنة “معاليه أدوميم” وبلدة العيزرية.
ولكن ما حدث بين العيزرية و”معاليه أدوميم” لن يبقى هناك. فالأكاذيب التي استهدفت التغطية على ما حدث لن تبقى هناك. فقد تحدث في تل أبيب قريباً، أو ربما حدثت.