تحطيم الأسود كشف أصنام العقول..رامي مهداوي

السبت 23 أكتوبر 2021 03:20 م / بتوقيت القدس +2GMT



شاهدنا المواطن الذي قام بتحطيم أجزاء من تماثيل «الأسود» في ميدان المنارة وسط رام الله، ليعلن في وقت لاحق، أنه «قام بفعلته تحت تأثير اضطراب نفسيّ». وأظهر مقطع فيديو تم تناقله عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مواطناً يحمل مطرقة ويحطم بها أجزاء من التماثيل، وسط تنديد من المارة، قبل اعتراضه واعتقاله من قِبل عناصر الشرطة، كما سُمِع في خلفية المقطع صوت لشخص يقول: إنه «لا يعبد الأصنام»، في إشارة إلى التماثيل، وصوت لشخص آخر يحرض على التحطيم، قائلاً: «اضرب الكبير» أي التمثال (الأسد الأكبر حجماً). 

لكن الحادثة أثارت تفاعلاً واسعاً في موقع التواصل الاجتماعيّ «فيسبوك» أخطر من الفعل ذاته حسب وجهة نظري، وأيضاً أظهرت حالة القلق والخوف المجتمعي الذي نعيشه هذه الأيام، والسؤال الأهم الذي يجب علينا طرحه بتجرد أنه كانت هناك قضايا حساسة أكثر كان يجب طرحها وتداولها خصوصاً من «النخبة» و/أو «المثقفين» الذين شاركوا في إطلاق صواريخهم «الفيسبوكية» ولم يتحدثوا ولا بحرف واحد - على سبيل المثال - عما حدث قبل أيام من هذه الحادثة من اعتداءات على عدد من المحلات التجارية في بيت لحم!! وغيرها من القضايا المحيطة بنا!!
هذا المشهد أعادني إلى ما قرأته قبل سنوات للفيلسوف فرانسيس بيكون في كتابه «الأورجانون الجديد»، فأطلق على مجموعة متنوعة من الأخطاء في المعالجة العقلية المعوقات الأربعة التي تُباعد بين الإنسان وبين الحقيقة، وتتمثل في أصنام العقل وهي: أصنام القبيلة، وأصنام الكهف، وأصنام السوق، وأصنام المسرح. اسمحوا لي أن أسقط مشهد ما بعد تحطيم الأسود، أي ردود الأفعال على تحطيم هذه الأصنام:
أصنام القبيلة: لقد افترضت أصنام القبيلة الافتراض الخاطئ بأن إحساسنا الطبيعي والأساسي بالأشياء هو الصحيح. لقد أطلق على انطباعاتنا الطبيعية «مرآة زائفة» شوهت الطبيعة الحقيقية للأشياء، وهذا ما وقع به جزء كبير من «النخبة المثقفة» التي استيقظت من سباتها على المشهد وبدأت تطلق السهام على الداعشية! والإسلاموية!! 
أصنام الكهف: هي مشاكل الأفراد، وشغفهم وحماسهم وأيديولوجياتهم، وكل ذلك أدى إلى سوء فهم الطبيعة الحقيقية للأشياء. هي أصنام الإنسان الفردي. لكل شخص كهف يكسر ضوء الطبيعة ويشوهه، إما بسبب طبيعته الخاصة والغريبة، أو لتعليمه، وهذا ما استقرأته في عدد من الكتابات التي حاكمت من حطم الأسود دون النظر لذاتهم المستترة المنغلقة على أنفسهم!
صنم السوق: وهو الآراء والأفكار الخاطئة الناتجة عن تواصل البشر ببعضهم البعض وتداولهم الأحاديث دون علم. وينتج عن هذا تشويه المصطلحات والتعريفات وتعميم الأمور، بسبب تداول البسطاء والعامة لآراء علمية دون فهم ولا دراية ولا دراسة، ما جعل من قصة الأسود مادة يتداولها الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي بلغة مشتركة بعيدة عن المنطق، فتفقد الألفاظُ دلالتها الحقيقية وتستقر في الأذهان مجموعةٌ من المغالطات المشوهة، ما جعل الشاب الذي قام بفعل التحطيم إرهابياً إسلامياً، لتتحول المنارة إلى مكة ويتم وصمنا في رام الله بأننا أتباع عمرو بن لحي الذي أدخل الأصنام لتعبد دون الله إلى الجزيرة العربية!!
صنم المسرح: وهو تزييف المصطلحات على يد الإعلام - ما نسميه اليوم الإعلام الأصفر - و»النخبة». وفي هذه الحادثة تسارع العديد لنقل المشهد دون البحث عن الحقيقة، ما جعل الجميع يتداول الأفكار المغلوطة التي شكّلها «المؤثرون» ذوو النفوذ والتأثير بالإعلام المجتمعي، ما كون الآراء التي تناقلناها عن أفواههم الإلكترونية دون تفكير!!
لهذا أدعي أن فعل تحطيم الأسود كشف الأصنام المجتمعية غير المرئية في داخل مكونات مجتمعنا وبالأخص الفرد، أستطيع القول: إن أفكار فرنسيس بيكون تنطبق على مجتمعنا الفلسطيني بكل ما بداخله من فوضى، ضياع، تيه، وخوف لدرجة أصبح الفرد جباناً على شكل ببغاء. في النهاية أريد أن أختتم بمقولة بيكون: «لا تقرأ لتعارض وتُفنّد، ولا لتؤمن وتُسلّم، ولا لتجد ما تتحدث عنه، بل اقرأ لتزن وتفكر وتحلل»