الأولوية لترتيب البيت الفلسطيني..صادق الشافعي

السبت 16 أكتوبر 2021 10:59 ص / بتوقيت القدس +2GMT



أيّ قراءة واقعية ومحايدة لكل ما يتعلق ويحيط بالقضية الوطنية الفلسطينية، توصل إلى الحقيقة الأكيدة أن الأولوية المطلقة هي لصالح ترتيب البيت الفلسطيني. لا شيء ينافس هذه الأولوية ولا يجاريها. ولا بديل من أي نوع ومن أي جهة يناقض هذه الحقيقة أو يضعفها.
وأي قراءة للواقع القائم بمكوناته الأساسية المختلفة يؤكد هذه الحقيقة:
المكون الأول، هو دولة الاحتلال وسياساتها وطموحاتها العدوانية لجهة جمهورها أولاً، فقد أظهر استطلاع للرأي أجري مؤخراً أن 87% من المستطلعين يستبعدون اتفاقاً مع الفلسطينيين في السنوات الخمس القادمة.
ثم لجهة قياداتها ثانياً، وقد عبر عن ذلك أكثر من قائد أو وزير:
وزيرة الداخلية شاكيد التي قالت: الحكومة الإسرائيلية لن تناقش قضية تتعلق بإقامة دولة فلسطينية، كما أنها لن تسمح بإقامتها "إسرائيل لن تنسحب من أراضي 1967"، بخصوص المستوطنات، للشعب اليهودي حق قانوني وتاريخي في مناطق الضفة الغربية.
وهناك تصريحات على نفس الموجة لعدد كبير من وزراء ومسؤولين آخرين أولهم رئيس الوزراء بينيت.
ثم، لجهة الحرص، على استمرار الوزارة في الحكم وعلى تماسك أطرافها المختلفة.
المكون الثاني، هو الموقف الأميركي حيث الاستمرار بسياسة التعامل مع الصراع الفلسطيني مع دولة الاحتلال بمنطق ومنهج الإدارة الحريصة على استمرار الدور، دون الدخول في العمق أو في أي مقترحات محددة، ولا نقول مبادرات.
يأتي استمرار الحرص على العلاقة مع دولة الاحتلال وأولويتها واستمرار دعمها السياسي والمالي والعسكري أيضاً.
حتى قرار بمستوى إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس لا يجد طريقه إلى التنفيذ بسبب اعتراض دولة الاحتلال عليه.
وتصل الأمور بهذا المكون الأميركي إلى درجة توجيه ما يمكن اعتبارها رسالة تحذيرية إلى الرئيس الفلسطيني، بعد خطابه الأخير في الأمم المتحدة، تعترض على بعض فقرات الخطاب.
المكون الثالث هو المكون الدولي، وهو مكون خامد تماماً بلا مبادرات ولا مشاريع حل ولا تحركات، وبلا آفاق أو مقدمات أو مؤشرات على احتمال تغير هذا الحال. مع ضرورة الانتباه التي متغيرات متصاعدة ومتنوعة على مستوى مجتمعات هذا المكون وأطرها الشعبية والمجتمعية، خصوصاً أن المتغيرات المذكورة في أغلبها وجوهرها مناهضة لدولة الاحتلال ورافضة ومدينة لسياساتها في استمرار الاحتلال والتوسع والاضطهاد والعنصرية التي تمارسها ضد الشعب الفلسطيني تحت احتلالها.
هذه المتغيرات هي ما يفرض ويوجب استدعاء الانتباه والتركيز وتوجيه وتعزيز العلاقة معها.
ويبقى المكون الرابع والأهم، وهو الواقع الفلسطيني.
وإذا كان الجوهر الشعبي الوطني في هذا المكون ما زال في عز وأوج وطنيته وتمسكه بحقوقه الأصيلة والتاريخية واستعداده لاستمرار النضال بكل الوسائل، لتخليصه من براثن الاحتلال ولدفع الثمن المطلوب في هذا النضال.
إذا كان الجوهر الشعبي الوطني هو فعلاً كذلك، فإن الواقع السياسي بمؤسساته وتنظيماته ومكوناته الرديفة وممارساته للأسف الشديد ليس كذلك، بل هو بعيد عن ذلك.
وهذا الواقع السياسي، وهو بهذا الحال، يبقى عاجزاً وغير قادر بأي حال أن يتعامل مع المكونات الثلاثة المذكورة والموصوفة بالطريقة الصحيحة والمناسبة لكل منها، وبما يصب في صالح نضالنا الوطني وأهدافه.
والمقصود بالواقع السياسي هنا هو الكل السياسي/ التنظيمي الفلسطيني بلا فواصل ودرجات وتمايزات تفرض نفسها في أرض الواقع السياسي، وتفرض التوقف أمامها أو الإشارة لها. بل إن هذا الواقع يصل إلى حالة من التراجع في دوره تسير به حثيثاً، إذا ما استمرت واستطالت، نحو حال الاكتفاء بالتلقي، والتلقي السلبي أيضاً.
المؤلم أن هذا الواقع يتكرس ويتعزز في وقت ينكشف فيها المكون الأول (دولة الاحتلال) بأسسه ودوافعه وأهدافه وطموحاته ورغباته وممنوعاته ومحرماته بوضوح معلن وغير مسبوق يصل حد التحدي والاستفزاز. وبشكل يفترض أن يعزز بالمقابل، دوافع ومشتركات ومستوى ووسائل التصدي له لدى الطرف الفلسطيني.
لكن الغريب أن الواقع الفلسطيني السياسي/ التنظيمي ربما لم يشهد حالة من التفرق كالتي يعيشها الآن. ويمكن الادعاء أن درجة التفرق الحالية تجاوزت فترة حدوث الانقسام وبداياتها وأنها (الخلافات المستمرة والمتزايدة) عززت تلك التي أوجدها الانقسام، وربما تجاوزتها، وأن المشتركات في هذا الواقع تبدو في حال ضياع أو "توهان" في أحسن الحالات.
الشروط، وهي في معظمها غير واقعية وبعضها تعجيزي هي ما يحل محل المشتركات، في حين تغيب المبادرات الجادة والمسؤولة، والواقعية أيضاً، من أي طرف فلسطيني.
كان البعض يتوقع أو يأمل أن تخرج مبادرة توحيدية جادة ومسؤولة وواقعية عن اجتماع كامل هيئة حركة حماس القيادية في الأيام الأخيرة في القاهرة، لكن ذلك لم يحصل وخرجت بديلاً عنه رؤية عامة في بيان عام وبشروط صعبة. قابل ذلك، رؤية لقيادة السلطة الوطنية من نفس النوع وبشروط من نفس عيار شروط "حماس".
في خلفية سطور المواقف المعلنة وما بينها، تفوح بدرجة لا يخطئها أنف، رائحة التمسك بالسلطة والسعي لاستمرار السيطرة عليها والتوسع في حدودها.
وهذا شيء مستغرب جداً لناس ما زال معظم وطنهم وشعبهم تحت الاحتلال، وأول وأكثر المستفيدين من انقسامهم هو الاحتلال.
هل يمكن أن تأتي مبادرة التوحد من تنظيمات فلسطينية ليس لها ثقل "فتح" و"حماس" حتى لو عمل لها أكثر من تنظيم، ومدعومة من جماهير الشعب الفلسطيني على امتداد أرض الوطن وخارجه.
الأهم أن ليل الانقسام والتفرق لا يجب بأي حال أن يستمر ويطول.