معاريف تتساءل: خطة لابيد.. بديل عن الحرب أم إسفين يدقه بين الغزيين وحماس؟

الجمعة 17 سبتمبر 2021 08:12 م / بتوقيت القدس +2GMT
معاريف تتساءل: خطة لابيد.. بديل عن الحرب أم إسفين يدقه بين الغزيين وحماس؟



القدس المحتلة / سما /

معاريف - بقلم: ألون بن دافيد                      "بين القبض على السجناء الفارين وزيارة رئيس الوزراء إلى مصر، عرض وزير الخارجية يئير لبيد خطة لسياسة إسرائيلية تجاه غزة، سمّاها “الاقتصاد مقابل الأمن”. يمكن الجدال في الفرضيات القابعة في أساس الخطة وفرص احتمالاتها. ولكننا نرحب بهذه التجربة الأولى منذ سنين للنظر إلى غزة بغير فوهة البندقية. كتب هذا المقال عشية يوم الغفران، وقد نكون في ذروة جولة قتال أخرى في القطاع. هذا بالضبط ما يرغب مشروع لبيد في إعفائنا منه.

تحاول خطة لبيد عرض بديل لنظرتنا العبثية إلى غزة، وكأن ليس أمام إسرائيل إلا بديلان: إما احتلال القطاع، أو استمرار جولات القتال التي لا تنتهي… بديلان سيئان. الأول يحمل معه أثماناً لا تطاق للمجتمع الإسرائيلي، سواء في حياة الإنسان، والمال، والشرعية الدولية، وغياب احتمالات النجاح. من يعتقد أن إسرائيل قد تحتل القطاع وتتوج حكماً مريحاً لها فيه، فهو مدعو للنظر مرة أخرى إلى 19 سنة احتلال أمريكي في أفغانستان. أما البديل الثاني فجربناه بلا نهاية: من “الرصاص المصبوب”، و”عامود السحاب”، و”الجرف الصامد”، و”حارس الأسوار” – إلى متى سنواصل القيام بالعمل ذاته ثم نأمل الحصول على نتيجة مختلفة؟ هذا لا يعني أن لبيد نجح في رؤية ما لا يره أسلافه. فالوزير السابق الوزير كاتس، حاول على مدى سنوات الدفع إلى الأمام بخطته لاستكمال فك الارتباط عن غزة بإقامة ميناء، وأُسكت. افيغدور ليبرمان هو الآخر، بصفته وزيراً للدفاع، حاول أن يتقدم بخطة “التجريد مقابل الإعمار”، وصُدّ.

وحتى رئيس الوزراء السابق نتنياهو، في غير قليل من محادثاتي معه، أبدى تفهماً بأن مشاكل غزة الجذرية ليست عسكرية. يمكن للجيش الإسرائيلي أن يحتل القطاع في كل يوم، كما يمكنه قتل آلاف من رجال حماس، ولكن الجيش الإسرائيلي لا يعرف كيف يوفر الماء، والكهرباء أو العمل، وهذا ما تحتاجه غزة.

انطلاقاً من هذا الفهم الذي هو نابع من ثمن الحملات العسكرية في القطاع، ثبت نتنياهو آلية ضخ المال القطري إلى القطاع، كنوع من الأكامول، يكسبه الوقت بين جولات القتال. وللتوازن في الصور المحرجة لحقائب النقد التي تدخل إلى غزة، اتخذ خطاباً حماسياً وبعث بسلاح الجو لغارات ليلية على منشآت حماس.

الكثيرون من سكان الغلاف، وكذا من رجال الإعلام، تبنوا هذه المعادلة: حرص إسرائيل على سكان الغلاف يقاس بكمية المادة المتفجرة التي يلقيها سلاح الجو على غزة. بعد كل صاروخ يطلق من القطاع يثور السؤال: كيف سيرد الجيش الإسرائيلي وبأي قوة؟ سكان الغلاف الفهيمون تعلموا بأن لا صلة بين كمية ونوعية الأهداف التي يهاجمها الجيش الإسرائيلي، وأمنهم الشخصي.

الخطة التي عرضها لبيد، وهي ليست جديدة، تسعى لقطع مؤامرة الصمت هذه. 2.2 مليون من سكان القطاع لن يصبحوا صهاينة ولن يحبونا أبداً، ولكن إذا كانت هناك إمكانية للعيش بكرامة، فسيرسمون لقيادتهم طريقاً آخر. عدو بلا ماء وكهرباء أو عمل – سيواصل الصدام، إذ ليس هناك ما يخسره.

مسألة ثمن

العائق الأول، وربما غير القابل للاختراق الذي تصطدم به خطة لبيد، هو الاشتراط الذي قررته حكومة بينيت للإعمار مقابل الأسرى والمفقودين. هذا مبدأ نبيل نظرياً، ولكنه في الممارسة عائق سيمنع كل تقدم تجاه غزة إلا إذا كان رئيس الوزراء بينيت ناضجاً لتحرير مئات المخربين مقابل جثتي جنديي الجيش الإسرائيلي والمواطنين المحتجزين في غزة. لن تكون صفقة بأقل من هذا. وحسب فهمي، هو غير ناضج الآن.

  وعليه، فإن على حكومة إسرائيل أن تسأل نفسها عدة أسئلة عسيرة على الحمل: هل تعدّ إعادة جثماني الجنديين مهمة عاجلة أكثر من محاولة تحقيق الأمن لسكان الجنوب؟ ما هو الثمن الذي يجدر دفعه لقاء جثماني الجنديين ولقاء الحيين اللذين اجتازا الحدود بلا عقل راجح؟ وهل يجب أن تكون كل صفقة مع حماس شاملة أم يمكن إعادة الحياة بثمن أقل نسبياً، وعندها خوض المفاوضات على الأموات، الأمر الذي تفهم حماس هي الأخرى أن ثمنهم أعلى؟

  خطة لبيد تفترض أن الوعد بالتحسين الاقتصادي سيدق إسفيناً بين حماس وسكان غزة، قد تدخل إليه السلطة الفلسطينية. ليس مؤكداً أن للسلطة حق وجود في المجتمع الغزي الذي نمت حماس من داخله، ولكن لبيد يحاول ما يفهمه الجميع ولا يتجرأ أحد على قوله. لأول مرة منذ سنين تلوح إسرائيل بالجزرة أمام غزة، وليس بالعصا وحدها. نستخدم العصا في كل أسبوع، حان الوقت لتجربة الجزرة أيضاً. حتى لو لم يزغ بصر حماس من الاقتراح فهذا سيمنحنا شرعية دولية.

في هذه الأيام، يستعد الجيش الإسرائيلي لاستئناف القتال ضد غزة، والكابينت هو الآخر أقر له أيام القتال التالية. خططه ناجعة وسريعة أكثر بكثير مما رأيناه في “الجرف الصامد”. ولكن كما الحال في كل عملية عسكرية – لهذه الخطط ثمن: حياة الإنسان وحياة العائلات التي تتحطم.

الجيش الإسرائيلي هو أفضل مطرقة نملكها، ولكن ليست كل مشكلة مسماراً، والمطرقة غير مجدية عندما تكون المشكلة برغياً. غزة مصدر قلق، ولكنها ليست تهديداً وجودياً. في عشرة أيام “حارس الأسوار” أطلق على إسرائيل أكثر من 4 آلاف صاروخ. العدد نفسه تقريباً الذي أطلق علينا في 50 يوماً من “الجرف الصامد”. إسرائيل ستصمد في الجولة التالية أيضاً، وإذا ما تطلب منها الأمر – فثمة جولات كثيرة أخرى تجاه غزة. السؤال هو: كم جولة أخرى سنحتاج قبل أن نجرب طريقاً آخر.