هآرتس - بقلم: رونيت مرزين "للّقاء الذي أجراه وزير الدفاع بني غانتس مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أهمية كبادرة حسن نية، لكن إذا بقيت هكذا ولم تتطور إلى محادثات سياسية تتضمن قيادة حماس المقيمة في قطر وفي غزة أيضاً، فستضيع أهميتها. الفلسطينيون والإسرائيليون شبعوا من لقاءات من هذا النوع التي استهدفت خفض اللهب وليس إطفاء الحريق. الشعبان بحاجة إلى زعماء لديهم بقايا روح وشجاعة، بحيث يتوقفوا عن الاختباء وراء اعتبارات حزبية أو ائتلافية والخوف من ردود المعارضة… إلى زعماء يقفون أمام أبناء شعبهم ويقولون الحقيقة: حان الوقت لاتخاذ قرارات سياسية حاسمة من أجل الأجيال القادمة.
صحيح أن في الجانب الفلسطيني انقساماً عميقاً، وفي الجانب الإسرائيلي تسيطر حكومة وافقت على عدم الاتفاق في المواضيع السياسية، لكن لا يوجد أي خيار سوى التقدم لتجسيد حل الدولتين.
المقاربة التي تتبعها النخب السياسية والعسكرية في الطرفين، إدارة النزاع وتقليصه، وبعد ذلك محاولة حسمه، فشلت. يكفي كلمات “جولات عسكرية” لنفهم بأن الأسلوب العسكري غير فعال. وكلما جبى ضحايا أكثر يفقد شرعيته ويضعف قدرة الحكم لمستخدميه ويخرج الجمهور إلى الشوارع. “الجولة العسكرية” الأخيرة، عملية “حارس الأسوار”، تمثل ما ينتظرنا: سواء فتح أو حكومة إسرائيل، ستفقد قدرتها على الحكم لصالح تعزز الجهات الوطنية والجنائية.
في حالة الضفة، سيؤدي ضعف حركة فتح إلى تعزز اليسار الراديكالي والمنظمات الإسلامية. يمكن رؤية العلامة الأولى من خلال انتخاب نادية حبش، ممثلة حماس والجبهة الشعبية، لرئاسة نقابة المهندسين. في حالة قطاع غزة، فإن ضعف قيادة حماس سيؤدي إلى زيادة قوة المنظمات الجهادية. سيطرة طالبان في أفغانستان فيما يشبه الثورة الإسلامية في إيران في 1979 تضخ الرياح في أشرعة المنظمات الإسلامية هذه.
أما في الجانب الإسرائيلي، فإن ضعف جهات إنفاذ القانون قد يؤدي إلى هبوط آخر في الثقة التي يعطيها الجمهور العربي لمؤسسات الدولة. ولذلك، قد يتوجه الشباب إلى منظمات وطنية وإسلامية مجاورة، أو يبحثون عن الحماية لدى عائلات الجريمة. هذه الجهات تستغل مشاعر الإقصاء والاستخفاف بالشباب الفلسطينيين من أجل إقناعهم بأن الأمر يتعلق بنزاع أساسه ديني أو كولونيالي. هم يعرضون توجهات الاندماج للمواطنين العرب في المجتمع الإسرائيلي وفي الاقتصاد، وكذلك أيضاً عمليات التطبيع مع إسرائيل كظواهر سلبية، التي تفرغ الهوية الفلسطينية من مضمونها التاريخي والثقافي والأخلاقي، وتضعف نضال التحرر الوطني.
وهذه الجهات الوطنية والدينية تدعو إلى إلغاء الفصل الجغرافي والتمييز الذي فرضته إسرائيل على التجمعات الفلسطينية، عندما قامت بسجن سكان الضفة الغربية في “سجن أوسلو”، و”عرب 1948” في سجن “المواطنة الإسرائيلية”، وسكان قطاع غزة في “سجن الحصار” واللاجئين في “سجن المخيمات”. هم يطلبون استبدال النخب السياسية التي وقعت على اتفاق أوسلو وتخلت عن استراتيجية النضال الثوري بقيادة وطنية عليا تعمل على زيادة التضامن بين جميع الفلسطينيين أينما كانوا وإقناع جميع المترددين بأن حان الوقت للإعلان عن مرحلة جديدة في النضال ضد الصهيونية، حسب نموذج الربيع العربي ومسيرات اللاجئين نحو الحدود. وإن أي رد عسكري إسرائيلي سيلحق بها أضراراً سياسية ودبلوماسية وأخلاقية.
هي أفكار يدعون إليها عبر القنوات الفضائية ومحطات الراديو والشبكات الاجتماعية ومعاهد الأبحاث، وعبر الفنانين الفلسطينيين وحركة بي.دي.اس. الشعار المتكرر في أقوالهم هو “هذا ممكن”: “اليوم، 15 أيار 2021، فإن تحرير كل فلسطين من البحر حتى النهر ممكن… استقلال السلاح شرط لاستقلال الوطن… المقاومة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. المقاومة تقرب بيننا، والمفاوضات والتطبيع والأنظمة الديكتاتورية والحروب الطائفية تباعد بيننا. جميع من يؤيدون المستبدين والمطبعين هم جنود في صفوف الجيش الإسرائيلي”، قال الشاعر تميم البرغوثي في مقابلة مع قناة “الجزيرة” أثناء عملية “حارس الأسوار”.
ولمنع سير الشباب خلف هذه الجهات، فإنه يجب على السلطة الفلسطينية وحماس وحكومة إسرائيل الإصغاء للرسائل التي يبثونها. ويمكن تلخيصها بكلمات ظهرت إلى جانب صورة الحقيبة للفنانة مريم نوارة: “في انتظار المجهول فقدت الكثير… أصبحت شيئاً قديماً بدأ يصدأ تحت مشاعر وتراكم الغبار والظلام الذي لا ينتهي”. يجب على غانتس وعباس والسنوار منح هؤلاء الشباب الشعور بأنهم ذخر وليسوا عبئاً؛ وأنهم جيل حر ومبدع يمكنه أن يثق بأن لديه أفقاً وأنه يستطيع التعلم والتطور وإعالة عائلة والمشاركة في قرارات تتعلق بمصير أبناء شعبه الذين يعيشون هم في انتظار مستمر لأموال الصدقات القطرية.