أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، ثلاث مرات خلال الأسبوع الحالي، أنه يرفض دفع عملية سياسية مقابل السلطة الفلسطينية، لكنه يسعى إلى دفع خطوات تهدف إلى تسهيل حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية، وخاصة الذين يعملون في إسرائيل. من جهة أخرى، اعتبر خبراء إسرائيليون أن حركة حماس في قطاع غزة تبادر إلى مواجهات عنيفة مع القوات الإسرائيلية في وقت "أعلنت فيه إسرائيل عن تسهيلات في الحصار والتوصل إلى حل من أجل تحويل المال القطري إلى القطاع".
ونفى المتحدث باسم بينيت، أمس، تقريرا نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" حول لقاء رباعي يجمع بينيت مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وملك الأردن، عبد الله الثاني. وقال المتحدث، متان سيدي، إنه "لم تكن هناك نية لعقد لقاء مع رئيس السلطة الفلسطينية ولا يتوقع أي لقاء كهذا".
وفي أعقاب لقاء عباس مع وزير الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، في رام الله، الأحد الماضي، قال مصدر في مكتب بينيت في بيان، إنه "لا توجد أي عملية سياسية مع الفلسطينيين ولن تكون أيضا. ولقاء غانتس – أبو مازن صادق عليه رئيس الحكومة مسبقا. وهذا كان لقاء حول قضايا جارية لجهاز الأمن مقابل السلطة الفلسطينية".
ونقلت صحيفة "هآرتس" اليوم، الخميس، عن مسؤول سياسي إسرائيلي قوله إن "مواقف بينيت معروفة، ولن يكون عنده تقدم سياسي. وهو يعتقد حقيقة أن ثمة حاجة إلى دفع الجانب المدني – الاقتصادي. وحقيقة هو يريد تنفيذ ذلك. وهو يعتقد أنه لا ينبغي أن يستيقظ العامل الفلسطيني في الثالثة فجرا وأن يقف في الطابور كي يصل في السابعة إلى تل أبيب. كيف يخدم وضع كهذا سياسيا يمينيا؟".
وبحسب الصحيفة، فإن لقاء عباس – غانتس أثار توترا بين بينيت وغانتس، رغم أنه جرى من دون حضور وسائل إعلام وفي الساعة العاشرة مساء، إلا أن مكتب بينيت سارع إلى التحفظ من اللقاء. ونقلت الصحيفة عن مصادر في مكتب بينيت قولها إنه "كان من الأفضل لو أن هذا اللقاء لم يُعقد أبدا، لكن بالرغم من ذلك تقرر المصادقة عليه".
وقال غانتس خلال إحاطة لمراسلين عسكريين، أول من أمس، إنه اتفق مع عباس على تسوية مكانة آلاف الأشخاص الذين يسكنون في الضفة ويفتقرون إلى مكانة الإقامة، بضمنهم فلسطينيون من قطاع غزة، وعلى قرض بمبلغ نصف مليار شيكل، وزيادة عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل بـ15 ألفا، والمصادقة على بناء قرابة ألف وحدة سكنية للفلسطينيين في مناطق C.
ونقلت الصحيفة عن مصدر مطلع قوله إن "اللاعبين الثلاثة في الحلبة السياسية – السلطة، حكومة بينيت – لبيد والإدارة الأميركية – يقدرون أنه ليس بالإمكان دفع عملية سياسية علنية وجدية في هذه المرحلة، وجزء من هذه المبادرة التي تم تمريرها بالإمكان دفعها ’تحت الرادار’ ومن دون لفت الانتباه إليها في الحلبة الفلسطينية أو الإسرائيلية".
"تغير جذري في إدراك السنوار"
وفي ما يتعلق بقطاع غزة، اعتبر مدير "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، أودي ديكل، في تقرير نشره أول من أمس، أن "حماس بدأت تبادر إلى أحداث ومواجهات عنيفة ضد إسرائيل– إطلاق مقذوفين، وبالونات حارقة، وإطلاق نار ضد طائرات (بدون طيار) ومواجهات عند العائق الأمني – في الأسبوع الذي سجلت فيه إنجازا لها بإعلان إسرائيل عن تنفيذ تسهيلات في سياسة الحصار: التوصل إلى حل لتحويل المال القطري؛ وتصاريح دخول 1800 عامل إلى إسرائيل يوميا، وتوسيعها لمنح التصاريح؛ وتوسيع البضائع الواردة للقطاع وبضمنها مواد بناء، وتوسيع الصادرات من القطاع".
وأشار ديكل إلى أنه "في إسرائيل، التي تبدو كأنها الجانب ’العقلاني’ في المعادلة، يبحثون عن المنطق الذي يوجه أداء حماس وزعيمها في القطاع، يحيى السنوار، وينسبون له اضطرابا في ترجيح الرأي، ويقدرون أنه يتحرك بدوافع غيبية. ومصر غضبت أيضا من أن حماس سحبت منها إنجازا مقابل إدارة (الرئيس الأميركي، جو) بايدن، على شكل قدرتها على ترسيخ تهدئة في جبهة غزة".
وأضاف ديكل أنه "بالنسبة للسنوار، يبدو أن تغيرا جذريا حصل حيال إدراكه للواقع. فبعد انتخابه زعيما لحماس في القطاع، حاول تحسين الوضع المدني والاقتصادي في ثلاث قنوات: مقابل عباس في مبادرة المصالحة بين الفصائل في العام 2017، حيث أبدى استعدادا لعودة السلطة إلى إدارة القطاع، رغم أن هذا لا يشمل السيطرة الأمنية؛ مقابل إسرائيل – محاولة بلورة تفاهمات حول وقف إطلاق نار متواصل، مقابل إعادة إعمار القطاع، رفع ’الحصار’ ، (بحسب تعبيره)، وصفقة تبادل أسرى ومفقودين؛ مقابل مصر – محاولة لتحسين صورته من خلال تصويره كلاعب مسؤول، لا يتحدى المصريين ويوقف مساعدات لجهات إرهابية في سيناء".
وتابع ديكل أن "التجربة علمت السنوار أنه عندما يكون الوضع هادئا لا يكون هناك سبب لدى إسرائيل بتسهيل القيود المفروضة على القطاع أو التقدم نحو تسوية، والطريق ’لابتزاز’ تسهيلات من إسرائيل هي المبادرة إلى أحداث غير متوقعة وممارسة القوة من القطاع".
وبحسب ديكل، فإنه "في ما يتعلق بمحفزات حماس الحالية للتصعيد، فإن استياء الحركة من الوضع اشتد لأن نجاحاتها المزعومة في ’حارس الاسوار’ (العدوان الأخير على غزة) لم تترجم إلى إنجازات في إعادة إعمار القطاع. كما أن نظام تحويل المال القطري عن طريق الأمم المتحدة، تجاوز تحويل المال إلى موظفيها وهيئات مختلفة في القطاع. لذلك، فإنه بالنسبة له، وسيلة الضغط الوحيد الماثلة أمامه هي قوة إلحاق الضرر، التي تعتمد على تصرف غير متوقع ويتم التعبير عنها، على سبيل المثال، بإطلاق قذائف صاروخية باتجاه القدس، التي كانت طلقة البداية لعملية ’حارس الأسوار’ العسكرية، أو بالتصعيد الذي حدث في الأيام الأخيرة".
ورأى ديكل أن "حماس تسعى إلى استنزاف وحتى إنهاك إسرائيل بواسطة معركة متواصلة من الإرباك غير المتوقف، متتال وفي عدة أماكن – إرهاب وعنف شعبي من القطاع، وتحريض على أعمال شغب في القدس، وإطلاق قذائف صاروخية من لبنان، وتشجيع الإرهاب في الضفة الغربية. وهذا كله، يستند إلى تقديره بأن إسرائيل تعتزم الدخول الآن إلى مواجهة عسكرية واسعة في القطاع".
"تغيير قواعد اللعبة"
واعتبر ديكل في تلخيصه وتوصياته، أنه "حان الوقت كي تغير إسرائيل قواعد اللعبة، وألا تبقى متوَقَّعة وأن تبادر إلى سياسة وهجوم. ومن خلال اللعبة الحالية التي تسعى من خلالها إلى تفاهمات وحتى تسوية مع حماس، تقوي إسرائيل عمليا مكانة الحركة كقوة سياسية رائدة في المعسكر الفلسطيني، وينتج عن ذلك بالضرورة إضعاف السلطة الفلسطينية، وتسهم في تصويرها أنها ليست شريكا في تسوية سياسية، وزيادة المس بشرعيتها. ومن أجل منع تبعات كهذه سلبية غير مرغوب بها، وفي الوقت نفسه تحييد قوة إلحاق الأضرار من جانب حماس؛ على إسرائيل دراسة بديلين لم يتم التداول فيهما بعمق".
البديل الأول، بحسب ديكل، هو "فصل قطاع غزة بالمطلق عن إسرائيل – إغلاق مطلق للمعابر بين القطاع وإسرائيل. وهذا البديل يتلاءم مع سياسة الفصل بين مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وبين قطاع غزة الذي تسيطر حماس عليه، ويستوجب في موازاة ذلك تعزيز أداء السلطة في الضفة الغربية. وستطالب حماس بتفضيل الاهتمام بمجالات مدنية والاستثمار فيها، إثر السوء المتوقع للوضع، عن السعي إلى تحقيق رؤيتها لـ’المقاومة’".
وتابع ديكل أنه "توجد نقاط ضعف في هذا البديل، لأنه لن يمنع استمرار الاحتكاك بين حماس والفصائل الأخرى في القطاع وسكانه وبين إسرائيل؛ يلزم إسرائيل بمنح تسهيلات في الحصار البحري بسبب ضغوط دولية بالسماح بوصول مساعدات إنسانية إلى القطاع من البحر؛ قد يسبب هذا البديل توترا مع مصر، التي ستتحول مرغمة ومستاءة إلى ’أنبوب الحياة’ الوحيد للقطاع والمسؤولة فعليا عن الوضع هناك".
والبديل الثاني بحسب ديكل، هو "معركة متواصلة ضد البنية التحتية الإرهابية في القطاع – من خلال استغلال هجمات تبادر إليها حماس من أجل تصعيد قوة الهجمات الإسرائيلية وتنويع أشكالها، فيما الهدف هو استهداف البنية التحتية، قدرات إنتاج وإطلاق قذائف صاروخية واستهداف ذراعها العسكري. وهذا يتطلب إصرارا، وصبرا وقدرة على امتصاص هجمات".
وأضاف ديكل أن "هذان البديلان، مجتمعان ومنفصلان، قد يقودان إلى ثلاثة مسارات تطور: الإيجابي – حماس ستتعقل، توافق على تفاهمات بشأن تهدئة متواصلة وتلتزم بتعهداتها. وستلزم التفاهمات إسرائيل بتسهيل في الحصار وإصدار تصاريح لمشاريع إعادة إعمار القطاع؛ ومسار تطور ثان قد يكون بالتدهور إلى معركة عسكرية، تلزم باجتياح بري للجيش الإسرائيلي في أراضي القطاع، من أجل استهداف شديد لدرجة تفكيك ذراع حماس العسكري؛ والثالث – استمرار إدارة الصراع، الذي في إطارها ترد إسرائيل غالبا على عمليات تحد من جانب حماس، ومن خلال التأقلم مع فترات هدوء وتصعيد متتالية".
وخلص ديكل إلى أنه "إذا لم تكن هناك رغبة في الجانب الإسرائيلي لتغيير قواعد اللعبة وتحمل المخاطر المقرونة بأداء نشط وغير متوقع (من جانب حماس)، فإنه بالإمكان الإدراك عندها أنه تم اختيار المسار الثالث، أي إدارة الصراع واستمراره وفقا لقواعد الابتزاز التي تحددها حماس".