هل تؤسس الزيارة التي قام بها قياديان كبيران في حركة حماس هما خالد مشعل والشيخ إسماعيل هنية إلى الأردن لمقاربة سياسية بسيطة تؤدي إلى أي نمط من التقارب على الأقل في هذه المرحلة، بصرف النظر عن الملامح الإنسانية لهذه الزيارة؟
هذا هو السؤال الذي يتجول الآن في أروقة كبار السياسين والمراقبين في الأردن، خصوصاً بعدما سمحت السلطات الأردنية لكل من مشعل وهنية بالحضور إلى عمان للمشاركة في تشييع جثمان الشيخ إبراهيم غوشة، في الوقت الذي سعى فيه رفاق للراحل غوشة إلى تذكير الرأي العام والسلطات الرسمية الأردنية بالهوية الوطنية الأردنية للفقيد، خصوصاً أنه من محبي عمان وأحد أكبر قادة حماس في الماضي، وبقي طوال الوقت مقيماً في العاصمة الأردنية عمان خلافاً لأنه من قدامى مهندسي الإعمار فيها.
التقط هذه المسألة تحديداً القطب البرلماني الأردني الإسلامي المستقل صالح العرموطي، وهو ينشط ذاكرة الجميع بأن الراحل غوشة هو المهندس المشرف على سد الملك طلال، وهو أحد أكبر سدود المياه وأضخمها في المملكة الأردنية الهاشمية خلافاً لأن العرموطي، بطبيعة الحال، أشار إلى طبيعة العلاقة في الماضي بين قيادات حركة حماس والملك الراحل الحسين بن طلال، مشيراً إلى أن الملك حسين كان يعتمد على قيادات الحركة في بعض الملفات في الخارج والداخل.
إشارة سياسية ملتقطة من العرموطي هنا تحاول تذكير الدولة الأردنية بأن القيادي في الحركة خالد مشعل، سبق أن لعب دوراً أساسياً في معادلات داخلية أردنية عندما تخاطب مع التيار الإسلامي قبل إحدى الانتخابات وعشية وضع متوتر بين السلطات والإخوان المسلمين، وأقنع التيار الإخواني بالمشاركة في الانتخابات ولو بصفة رمزية.
وكان إسماعيل هنية نفسه، قبل عدة أسابيع وخلال وجوده في إسطنبول، قد وجه عبر «القدس العربي» رسالة تقول بشوقه وحنينه لزيارة الأهل والأحبة في العاصمة الأردنية عمان.
طوال الأسابيع الماضية، بقي هنية بحالة انتظار لترتيب زيارة رسمية له لعمان. وعلقت المفاوضات التي قامت بها شخصيات أردنية وسيطة سياسية في هذا السياق بزاوية محددة قوامها أن إسماعيل هنية يستطيع زيارة الأردن، لكن لن تنظم له لقاءات رسمية، فيما فضل هنية بأن يزور الأردن ويتمكن من لقاء الملك عبد الله الثاني في القصر الملكي تحديداً، الأمر الذي ساهم في تأخير النقاش حول هذه الزيارة.
وإن كان مكتب رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة قد أظهر مرونة في تنظيم لقاء رسمي مع هنية، إلا أن قيادة حماس قدرت وقررت بأن حاجتها الموضوعية هي تنظيم زيارة تتضمنها مصافحة الملك واستقبال الملك لقادة حماس، كما فعل زعماء عرب وفي الإقليم، وعلى أساس تقديم الشكر والامتنان لدعم الأردن ودعم مواقفه الثابتة.
الطرفان، حركة حماس والسلطات الأردنية، تجاهلا هذه الهواجس فيما شكل رحيل الشيخ إبراهيم غوشة نقطة تلاق بين الجانبين تحت لافتة إنسانية.
حضر مشعل وهنية على هذا الأساس للمشاركة في تشييع جثمان الشيخ الراحل إبراهيم غوشة، لكن الأوساط المراقبة والخبيرة لاحظت بأن جملة سياسية لها علاقة بالترميز وتبادل الترميز السياسي ظهرت وبقوة على سطح الحدث في الأثناء. ويعني ذلك ضمنياً بأن كلاً هنية وخالد مشعل تمكنا من الإدلاء بمداخلات سياسية الطابع على هامش نعي وتشييع جثمان الفقيد غوشة.
وبالتالي، تؤشر طبيعة التوازنات على هامش هذا الحدث أن السلطات الأردنية امتنعت في الواقع عن تقييد حركة هنية ومشعل في حال وجودهما حتى لأسباب إنسانية في عمان. ولاحقاً، ظهرت صور استقبالات وزيارات لقادة ونشطاء في الخارطة الأردنية، حيث صور التقطت ونشرت بكثافة على صفحات التواصل مع «المجاهدين هنية ومشعل».
وبالتالي، يبدو أن السلطات الأردنية لم تفرض قيوداً في الحديث والإدلاء بالخطابات وسط تجمعات الأردنيين المعزين ووسط حضور مكثف لشخصيات وطنية وسياسية أردنية كبيرة بالقرب من مسجد الجامعة الأردنية وسط العاصمة عمان.
وتلك نقطة أفضلية، لأن عمان منعت في ظروف مماثلة حتى الجلسات السياسية. وعليه، يمكن القول إن الجانب الأردني لم يعد لديه أي نوع من الفيتو على إدلاء قادة حماس داخل الأردن بتصريحات ورسائل سياسية الطابع. لكن المطلوب، برأي جبهه العمل الإسلامي والعرموطي وقادة الحركة الإسلامية الأردنية الوطنية، هو البناء على هذه الخطوة وإعادة تدشين خطوط الاتصال الرسمي بين المقاومة بترميزها الحيوي والواقعي وتمثيلها للشعب الفلسطيني أو لجزء كبير منه اليوم، وبين الحكومة الأردنية، وهو ترميز أقرب إلى «إعادة ترقيم» لفهم المكاسب والمخاسر الإستراتيجية، على حد تعبير الإسلامي مروان الفاعوري، الذي ينتقد تأخر حكومة بلاده ضمنياً في التفاعل مع مواقف واتجاه وآمال ومواقف الشعب الأردني.
وعليه، ارتفع بعد تشييع جثمان غوشة منسوب الأمل بمقاربة جديدة تؤدي إلى اتصالات رسمية بين الجانبين في الوقت الذي انشغل فيه هنية ومشعل بطبيعة الحال بتوجيه رسائل مجاملة أساسية، جزء منها للسلطات، والجزء الثاني للشارع الأردني، على أساس وقوف المقاومة إلى جانب الأردنيين في التصدي لمشروع التوطين أو دفن الوطن البديل، وعلى أساس أن الأردن هو الأردن، وفلسطين هي فلسطين.